مجتمع

“ولد الفشوش” وفجوة الطبقية بين الأغنياء والفقراء.. استغلال للنفوذ أم تصيد للأخطاء؟

“ولد الفشوش” وفجوة الطبقية بين الأغنياء والفقراء.. استغلال للنفوذ أم تصيد للأخطاء؟

راج في الآونة الأخيرة تضمين مصطلح “ولد الفشوش” في الثقافة اللغوية لفئة كبيرة من المغاربة بمنصات التواصل الاجتماعي، في وضعيات يكون فيها التفاوت الطبقي بين أطراف النزاع طاغيا، فيعتمد دليلا على امتلاك “ولد الفشوش” للسلطة والنفوذ، واستغلاله لذلك خدمة لمصالحه، فهذا الوصف سمة لكل من ينتمي لعائلة ميسورة أو ذات نفوذ.

وطفا على السطح هذا المفهوم مجددا في المغرب بعد تورط المتهم الرئيسي في قتل الطالب بدر في عين الذئاب بالبيضاء، المنتمي لأسرة غنية، في حوادث مماثلة مؤدية إلى الموت، وقضايا اعتداء، لكن حسب تصريحات المتضررين لم ينل جزاءه لحدود الساعة، بدعوى أنه “ولد الفشوش”.

هناك عدة نماذج تتبادر إلى الذهن حول مسمّى “ولد الفشوش”، الذي شاع اعتماده مثلا للتعبير عن الغضب الذي صاحب الجدل في امتحان المحاماة، حيث شرع المتضررون إلى وضع قائمة قاموا من خلالها بجرد شامل للأسماء العائلية للناجحين والبحث عن الألقاب البارزة في المجتمع، في إشارة لاستغلالهم النفوذ قصد الحصول على شهادة الأهلية لممارسة مهنة المحاماة.

واستعمل “ولد الفشوش” أيضا خلال الضجة التي رافقت حادثة سير كان المتسبب فيها ابن شخصية بارزة قام بتوثيق الحادثة بشريط فيديو مصور يظهر حالته بعد الحادثة.

وعرفت كل حادثة من هذه الحوادث حالة من شبه الإجماع داخل المجتمع حول حكم “ولد الفشوش”، وشكلا من أشكال التعبير الموحد عن انتماء مجتمعي تتم التفرقة فيه بين أبناء الفشوش “هم” ومن دونهم “نحن”.

بهذا الصدد، أوضح الباحث في علم النفس الإجتماعي، عادل الحسني، في تصريح خص به جريدة “مدار21″، أن “كل طبقة اقتصادية تشكل طبقة وعي، ولا يمكن أن نعمم طبقة الوعي هذه على جميع الناس لكن في جميع الأحوال تنتشر بينها أفكار جاهزة”.

وأضاف “في علم النفس يحدد ذلك بعدة مفاهيم، والمفهوم البارز هو مفهوم الإيعاز السببي الذي يشير في مثالنا هذا إلى أن طبقة معينة لديها وعي مادي يؤثر فيها، فتعزوا أخطاء الأفراد من الطبقات الميسورة إلى كونهم أناس “ولاد الفشوش”، حيث عُرِف هذا المصطلح في ثقافتنا من خلال القول إن ولاد الفشوش بالمغربية يقصد بها أنهم يتجاوزون القانون ولا يحاسبون ولا يخضعون إلى مبادئ الأخلاق الحميدة، ولا يتربون على أخلاق الإحترام، أخلاق احترام القوانين العامة”.

وقصد تفسيره أسباب السلوكيات العدوانية تجاه هذه الفئة، أشار عادل الحسني إلى أن “علم النفس الاجتماعي يحدد أن لكل طبقة نظريتها لتفسير المجتمع وأخلاقياته واتجاهاته، فمن الطبيعي أن ينتج لدى الطبقة المحرومة من دائرة الإنتاج ومن مستوى رفاهية معين وعي ضيق ومعادٍ وعدواني تجاه الطبقات الأحسن منها ماديا وميسورة ولديها وقت للترفيه، ولديها ما يكفي من الثروة من أجل أن تعيش بشكل جيد”.

وفي السياق نفسه، أكد المتحدث أنه “يمكن تسمية هذا الوعي المنتسب لهذه الطبقة أو المنتشر نسبيا في هذه الطبقة بـ”الإيديولوجيا”، موضحا “فإذا كانت الإيديولوجيا هي اتجاه فكري يخضع أصحابه إلى نمطية معينة في استعداء الآخر، وتشويه سمعته أو هويته أيضا، كما نرى في الإيديولوجيات السياسية حينما يكون أفراد حزب معين أو جماعة معينة يرون في أنفسهم النقاء الأخلاقي، والآخرون يرون فيه التدني الأخلاقي والفوضى وشيطنته أيضا، فيمكن أن تنتشر هذه الظاهرة”، بيد أنه يؤكد أنه “لا يمكن تعميمها بشكل مطلق، لأنه دائما ما يكون هناك عدد كبير من الأفراد في طبقات متدنية ينتقلون إلى الطبقات الوسطى ثم الأكثر ثراء حسب قصة كل فرد من هؤلاء الأفراد، سواء عبر التوظيف أو التجارة أو حتى عبر الفساد، لأن الارتقاء في الطبقات الاجتماعية ماديا لا يشترط مسارا محددا”.

وأبرز الحسني أن “هذه الظاهرة هي ظاهرة إعلامية؛ أو على الأقل في تعاطي الناس مع الإعلام، لكن في الواقع هناك انتشار لأفكار أخرى، الناس كلهم يريدون كسب المال، وحتى الناس الذين ما زالوا فقراء يريدون أن يتكسبوا أو يربحوا بشكل سريع وأيضا بشكل غير مشروع وأيضا الاستفادة من بعض الخروقات القانونية، فأي شخص ارتكب خرقا قانونيا، أو لنقل الأغلبية، ستجده مندفعا نحو الاستفادة من الوساطة، الريع، المحسوبية والزبونية ومن تغاضي السلطة عن تجاوزاته إلى غير ذلك”.

وفي خضم حديثه عن إمكانية تفسير السلوكات العدوانية تجاه هذه الفئة بـ”الهوية الاجتماعية”، أوضح الحسني أنه “لا يمكن أن نقول إن موقف الطبقات الاجتماعية الدنيا نحو الطبقات الأخرى تشكل هوية، لأن الهوية هي عناصر ثابت، وعلم النفس الاجتماعي يدرس الفرد في تفاعله مع المجتمع، ويسعى الفرد داخل هذا المجتمع دائما بطبيعته إلى أن يجدد دوره، لذلك لا يمكن أن يشكل الفقر أو العالة هويةً”.

وتابع “هناك محاولات في بعض الاتجاهات الدينية والصوفية إلى اعتبار الفقر ميزة ومزية وأن الأغنياء لا يعيشون الهناء والسكينة، لكن هذا اتجاه غير منتشر وغير واقعي لأن البشر بطبيعتهم، سواء الغريزية أو المتحضرة المتمدنة، يسعون إلى الارتقاء. والهوية الاجتماعية هي ثابتة ولا يمكن أن تصعد إليها هاته القيم التي تظل مختلة”.

وختم الحسني حديثه للجريدة بالقول: “يجب تضييق الفجوة ما بين الطبقات في سياسة الدولة، ويجب نشر الوعي المقاولاتي لتحسين جودة الخدمات وتحسين قيمة التبادل النفعي والتضييق على القيم التي تمجد الفقر وغيرها من القيم المنحطة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News