ثقافة

أنكر وجود طارق بن زياد على أرضه المغرب.. دكتور مغربي يرد على يوسف زيدان

أنكر وجود طارق بن زياد على أرضه المغرب.. دكتور مغربي يرد على يوسف زيدان

بعد المداخلة المثيرة التي عمد فيها المفكر المصري يوسف زيدان إلى التشكيك بوجود طارق بن زياد ومهاجمة عدد من الشخصيات التاريخية أمثال صلاح الدين الأيوبي وابن رشد والجابري وغيرهم خلال مروره على هامش مهرجان ثويزا، قال الدكتور خالد فتحي أن التشكيك بالوجود التاريخي لعدد من الأيقونات “أضحى رياضة فكرية محبذة لا يمكن أن يخطأها المرء لدى الكاتب المؤرخ يوسف زيدان، ومن هذه الشخصيات التي أراد أن يغتالها  مؤخرا، بل واختار أن  يعدمها في موطنها الأصلي، كانت شخصية القائد المحنك  طارق بن زياد”.

وتابع فتحي، الكاتب المغربي والأستاذ بكلية الطب بالرباط، أن يوسف زيدان “لم يستطع أن يستوعب كيف أمكن لأمازيغي أن يرتجل تلك الخطبة الحماسية البليغة العصماء الشهيرة بكونها من عيون الخطب ليلهب بها حماس الفاتحين المغاربة، وهم على وشك  الشروع في معركة دخول الأندلس، ليشكك في نسبتها إليه معتبرا أنها من المزور البديع، وذلك قبل أن تأخذه الحماسة، بإنقياد الجمع له، ليمر إلى السرعة القصوى منكرا وجود هذه الشخصية من الأصل، كأنه لم يسمع أو لم ير من طنجة جبل طارق الذي يحمل اسم هذا الفاتح العظيم  منذ حط فيه مع رجاله  أول مرة “.

ثقافة الإنكار..

وانتقد فتحي، في إطار رده على يوسف زيدان، ما اعتبر أنه ثقافة الإنكار السائدة في الثقافة العربية تجاه التاريخ ومحاولة تشويهه أو تحريفه، معتبرا أن ذلك حيلة نفسية للدفاع عن موقف مذهبي معين أو مذهب قومي، والكاتب زيدان، وفق فتحي، لجأ إلى حيلة النفي والإنكار بناء على مغالطات صورية شكلية، مضيفا أنه لم يستطع الوصول إلى الحقيقة التاريخية بالتفكير الموضوعي فتصور حقيقة تاريخية معاكسة لرغبته ودافعه النفسي لإنكار التاريخ وتشويهه.

واستغرب فتحي من توجه زيدان لنفي البطولة عن عدد من الشخصيات الإسلامية، وأبرزها قطز وبيبرس وصلاح الدين ثم طارق بن زياد الآن، وكيف “يحذف بجرة لسان تاريخا معروفا متواترا  فقط لأن عقله لم يستسغه، كأنما التاريخ  صار من العلوم الحقة الرياضية التي يمكن أن ينتهي فيها زيدان إلى اليقين بكل هذه الثقة الغريبة في النفس كلما استطاع بناء متوالية أو سردية أخرى تبدو له منطقية”.

ووافق فتحي ما قاله زيدان بشأن إعمال العقل في الخبر كما قال ابن خلدون، إلا آخذ عليه إعمال العقل في التاريخ بصرامة مبالغ فيها “كأننا أمام معادلات حسابية سمجة، فالوقائع لها سيرها الخاص وأحيانا تكون هناك مصادفات في جدوثها قد لا يتصورها العقل ولكنها  قد جرت بالفعل وصنعت التاريخ”.

وتساءل خالد فتحي مع زيدان “لماذا لا يقدر طارق بن زياد على ارتجاز خطبة بذاك المستوى من البلاغة، وقد كان في مرحلة سنية ناضجة، ومسلما قرأ القرآن بلاشك واختلط بالعرب الفاتحين في حياته الخاصة والعسكرية؟، أليس بعض من يهاجرون من بلداننا الآن يتعلمون اللغات الأجنبية في سنوات قليلة ويحاضرون ويحصلون بها أعلى الشهادات؟، ثم ألم يتقن المستشرقون لغتنا العربية بكل يسر وسلاسة؟”.

واستل فتحي حجة أخرى لمناقشة زيدان، موضحا أن “أغلب الأعلام  الذين أنجبتهم الأمة الإسلامية إنما هم من أعراق غير عربية، ولكنهم أبدعوا في إطار الحضارة العربية، مثل الخليل بن أحمد الفراهيدي واضع بحور الشعر العربي وهو شخص غير عربي، بل إن الشخص الذي وضع قواعد النحو العربي نفسها وهو سبويه لم يكن عربيا، وبالتالي اتباع هذا المنطق التنميطي الصوري سينتهي بنا إلى نهاية عدمية صفرية”.

وسخِر فتحي من خيال زيدان، متسائلا ما إن كان حقا يتصور أن طارق خطب في الحشد العسكري الذي كان بآلاف الأمازيغ (7000مقاتل) مستعملا مكبر الصوت كما فعل هو في ندوته بطنجة، مرجحا أن تكون تلك الخطبة قد تمت ضمن دائرة ضيقة جدا من صفوة القادة العسكريين المحيطين به والذين من المؤكد أنهم كانوا يعرفون العربية حسن المعرفة، ثم تم تناقل معناها عنهم إلى الجند باللغة الأمازيغية، مستغربا كيف ينكر زيدان على طارق أن يكون عسكريا وخطيبا مفوها وصاحب مواهب بلاغية في الآن نفسه.

وحول تشكيك زيدان في  نسبة الخطبة لطارق بن زياد، يتساءل معه خالد فتحي ما إن كان يستبعد أن يكون طارق قد عهد بإعداد هذه الخطبة لأحد فطاحلة اللغة العربية من العرب أو الأمازيغ ممن ساروا في ركابه خلال حملته، ذلك ن عددا من قادة العالم يقرأون خطبا يُعدها لهم معاونوهم، ومع ذلك تبقى الخطب خطبهم لا خطب المعاونيين مهما انفقوا فيها هؤلاء من جهد ووقت.

وحول عدم وجود طارق بن زياد من الأساس، أكد فتحي أن هناك شواهد مادية تاريخيةر تثبت وجوده، سواء في علم الاجتماع أو في الأركيولوجيا، وهذا المنطق يمكن من خلاله التشكيك في ما لا حصر له من الشخصيات التاريخية.

مزاعم إنعاش الإٍرهاب..

وعن استنكار يوسف زيدان ورود لفظ “الحور الحسان من بنات اليونان” غي الخطبة، تابع خالد فتحي لا نملك أن “نحاكم ذاك العصر بقيم اليوم وعبارات اليوم فلكل زمن عباراته المسكوكة، وإلا  فإنا سنكون غير علميين ولا منصفين، وشخصيا لست أرى في ذلك التعبير أي دليل على عدم صدقية الخطبة بل أراه مجرد اجتهاد بلاغي”.

وحول النقطة نفسها يؤكد فتحي أن الخطاب كان موجها للجنود وهؤلاء ليسوا من العلماء أو المفكرين، إذ يخاطب الناس على قدر عقولهم، وأن هناك في المعتاد خطاب يوجه للعامة وآخر موجهة للخاصة من الناس، والجنود من العامة ويمكن أن يخاطبهم بطريقتهم.

كذلك  ليس في سيرة طارق بن زياد ما يجعلها مفرخة للدواعش كما ذهب الروائي والمفكر يوسف زيدان، فالرجل خاض حربا أو فتحا مما كان مألوفا خوضه في زمانه، بل هو مثال للناجحين من أبناء الأمة الإسلامية الذين حققوا لها الأمجاد والانتصارات الزاهية، واذا كان هناك لبس في أصله العربي أو الأمازيغي المغربي أو الجزائري أو حتى الفارسي، فذلك بسبب أن الكل ادعى  لنفسه هذا الفاتح العظيم من قواد بني أمية الذي هو في الحقيقة ملك لنا جميعا مشرقا ومغربا، يضيف الدكتور خالد فتحي.

واستغرب فتحي من سعي بعض “المتحذلقين أو المتطرفين من الحقوقيين ومن المحققين إلى انكار طارق بن زياد أو التبرؤ من انجازه الباهر الذي كان اللبنة الأولى في نشوء حضارة الأندلس الرائعة التي شكلت لقاء الشرق بالغرب ومثلت تجربة بشرية ملهمة لا نظير لها في التاريخ  باعتراف الكل”.

خطأ البعض، وفق فتحي، أنهم “يقرأون التاريخ بخلفية نقص، وبشعور غير واع بالتبعية تجاه الغالب الذي ليس إلا الغرب، فيصطنعون سردية جديدة توافق أهواء هذا الغرب الذي تظهر الأن واضحة مراميه نحو فرض نموذجه الثقافي على الجميع دون اعتبار للهويات الأخرى، ناسين أنه تسبب في مقتل  أكثر من 70 مليون بينما  قد فتح ابن العاص مصر بـ 3000 آلاف جندي، وطارق الأندلس ب 7000 أمازيغي فقط .

تجريد من “القوة الناعمة”

وذهب فتحي إلى نه يعتقد أن معرفة الحقيقة التاريخية  بشكل جازم كما جرت واقعيا  غير ممكنة إلا بالعودة إلى الوراء، متابعا “لذلك أظن أنه لا داعي لنبش أو تقويض  تاريخنا حين يكون محكيا أو معدا بطريقة تخدم مستقبلنا وأحلامنا”، مشددا أنه لا يرى ضيرا إن “سقطنا قليلا في الأسطرة أو حتى في  الخرافة المفيدة التي تساعد على الاعتداد بتاريخنا. ليس هذا تزويرا وإنما هو  تحفيز للشعوب كي تحيى وتنهض من جديد، واستنهاض كذلك  للهمم ببناء النماذج  القدوات”.

ويتابع فتحي أنه ” من المؤكد أن طارق بن زياد كان بشرا له حياته الخاصة، وكانت له أخطاءه وخططه ومناواراته البلاغية والعسكرية، وهذه أمور لا نستطيع النفاذ اليها بالتدقيق. ولكن طارق الفيزيقي ذاك مات وانتهى، ومن يعيش بيننا الآن هو طارق التاريخي العابر إلينا عبر القرون، طارق الأيقونة، طارق  المثال الذي شغفت به الأمة الإسلامية أيما شغف، وهو أيضا طارق الذي صغناه بوجداننا واستيهاماتنا ورغباتنا، طارق الذي يذكرنا أننا كنا يوما رقما صعبا في الركح الدولي”.

وانتهى الدكتور فتحي إلى أن “دور الفكر أن يمجد الأعلام التي تحيى في وجدان الشعوب لا أن يقتلها قتلا رحيما أو عنيفا خصوصا حين تكون صورتها بهية في نفوس  تلك الشعوب، لذلك سيظل طارق بن زياد  بطلا على الدوام في عيوننا، ودليلا ساطعا على انتماء البلدان المغاربية الأمازيغية إلى الهوية العربية الإسلامية أحب من أحب وكره من كره”.

وحول خطة إحراق المراكب التي شكك بها يوسف زيدان لأن السفن لم تكن ملك طارق بن زياد، قال فتحي إن “إحراق السفن ليس تهورا بل دليل على الإيمان الذي تمكن من قلوب الأمازيغ ومن التصميم على الجهاد وأنهم باعوا أنفسهم لله، لأن هؤلاء دخلوا كفاتحين وليس غزاة”.

وأورد فتحي أن هناك مؤامرة لتجريد المغرب من إحدى أهم مقومات “قوته الناعمة”، التي يعد طارق بن زياد أحد أعمدتها الأساسية، خاصة وأنه يعكس التمازج ما بين المكون الأمازيغي والعربي في الثقافة العربية.

ابن رشد والحقيقة المزدوجة..

وعن ما قاله يوسف زيدان بكون ابن رشد استجاب لطلب سلطوي في كتابه “فصل المقال”، وأنه بعودته إلى الفكر الأرسطي المتجاوز كان ارتداديا وليس تقدميا، أورد فتحي أن ابن رشد أولا عانى من حرق كتبه وهذا دليل على أنه لم يكن مواليا للسلطة، موضحا أن ابن رشد كان التنويري الأول وكان ضد استعمال الدين في السياسة وضد التخلف والجهل.

وتابع فتحي أن رجال السلطة والدين هم الذين أصدروا أوامرهم بحرق كتب ابن رشد، وبالتالي تسويقه بأنه كان دمية في يد السلطة في آخر أيامه فإن هذا المر غير موجود.

وحول الفصل الذي أقامه زيدان في انتقاد ابن رشد بين الفكر الفلسفي والديني، يقول فتحي أنه حتى الفيزياء التي وصلنا إليها اليوم تؤكد أن الحيز الواحد داخل الدرة يمكن أن يكون فيه جسيم ويكون في موجة، والأول مادة والثانية طاقة، وهذه تسمى نظرية الأوتار، إضافة إلى أن نظرية ميكانيكا الكم أوضحت أن الخاصية الجسدية والخاصية الموجية شيء واحد، فالجسم مادة وطاقة، وهذا الاكتشاف له مضمون فكري وفلسفي يحيلنا مباشرة على مفهوم ازدواجية الوجود، الذي يحيل هو الآخر على الحقيقة المزدوجة لابن رشد.

وعن تغليب الحكماء على الحكام في فكر زيدان، يشير فتحي إلى أنه لولا الحكام الذين يصنعون مناخ الإبداع الفكري، وبالتالي لا يمكن استثناء هؤلاء من البطولة والتاريخ، ولا ينبغي أن يكون تحيز وانقياد وراء منطق خالف أكثر تعرف أكثر. مضيفا إنه إذا كان زيدان يطرح هذه الأفكار ينطلق من رغبة فب النهضة فهذه تكون بعد السقوط والسقوط يكون بعد وجود في القمة، فكيف سنعود إلى النهضة إذا كان هو من الأصل ينكر هذه القمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News