سياسة

احتجاجات فرنسا تهدد السياسة الماكرونية وتُحطِّم “صنم” نموذج فرنسي يسكن نخبا مغربية

احتجاجات فرنسا تهدد السياسة الماكرونية وتُحطِّم “صنم” نموذج فرنسي يسكن نخبا مغربية

أكدت الاحتجاجات التي عقبت مقتل نائل م. البالغ من العمر 17 عاما برصاص شرطي فرنسي خلال تدقيق مروري بمدينة نانتير الواقعة في الضاحية الغربية للعاصمة باريس، في 27 يونيو الفارط، أن النموذج الفرنسي بات مهددا بـ”السقوط”.

وتشهد فرنسا منذ أسبوع غضبا واسعا واحتجاجات تخللتها أعمال شغب ومواجهات مع الشرطة تنديدا بمقتل نائل برصاصة في الصدر أطلقها شرطي من مسافة قريبة، بذريعة عدم امتثاله لدورية مرورية في ضاحية نانتير غرب العاصمة باريس.

وحسب تصريحات حديثة للمتحدث باسم الحكومة الفرنسية، فإن أكثر من 500 منطقة في البلاد شهدت أعمال عنف، رغم محاولات متواصلة من الحكومة للسيطرة على الوضع الذي خلف اعتقال المئات وتضرر الكثير من الشركات والمحلات بسبب أعمال تخريبية احتجاجية.

بلال التليدي، كاتب وباحث في العلوم السياسية، يرى أن الاحتجاجات التي تشهدها فرنسا منذ نهاية يونيو، لا ينبغي اعتبارها مجرد استجابة أو رد فعل عن انتهاك مارسته الشرطة اتجاه شاب قاصر من أصول عربية إفريقية، مؤكدا أن “الأمر أكبر من ذلك”.

ووصف التليدي، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، ما يجري في فرنسا، بـ”الحراك الشبابي”، المعبر عن القلق من الوضعية التي آلت إليها فرنسا بعد تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.

وبحسب المتحدث، فإن السلطات الفرنسية لم تنتج الجواب الذي يوفر شروط تهدئة الجبهة الداخلية، لأنها ببساطة اشتغلت في اتجاه مواكبة السياسة الأمريكية في الاستجابة للتحدي الروسي دون أن تقدم جوابا للتداعيات الخطيرة على الداخل الفرنسي.

ويؤكد بلال تليدي، أن هذا الانشغال هو ما نتج عنه احتقان اجتماعي، تم التعبير عنه أكثر من مرة خاصة بعد تقديم قانون التقاعد وتمريره خارج المؤسسة البرلمانية بمقتضيات استثنائية يقررها الدستور.

وتابع في حديثه للجريدة، “احتقان المجتمع الفرنسي الكامن وجد شرارته مع هذه الأحداث، وأعتقد بأن من السابق لأوانه الحديق عن تهدئة تنهي الأوضاع، فالاحتقان سيبقى مستمرا وطبيعته الشبابية ترمز لأشياء مهمة كثيرة”.

وقال إن الشباب المحتج لا يهتمون أو يتحملون تبعات ما سيحدث، ومستعدون لأن يسيروا في خط المواجهة إلى أبعد الحدود، بخلاف الأجيال السابقة، التي خرجت للدفاع عن مواقفها في احتجاجات سابقة، والتي لم تستطع أن تمضي في الاحتجاج بشكل متواصل.

وأظهر استطلاع للرأي أعده “المعهد الفرنسي للرأي العام” بعد مقتل نائل م. أن 30 في المئة فقط من الشباب الذين تراوح أعمارهم ما بين 18 و24 عاماً يقولون إن لديهم “ثقة” بالشرطة، مقارنة بـ43 في المئة لباقي السكان.

ومنذ عام 2021، تواجه الدولة الفرنسية قضية أمام مجلس الدولة، بعد دعوى جماعية رفعتها مجموعة منظمات غير حكومية ضدّ “عمليات تمييزية للتحقّق من الهوية” شجبها خصوصا شباب من أحياء شعبية أو مهاجرون.

وأشار المحلل السياسي إلى أن الحد الأدنى الذي من الممكن أن تؤول إليه الأحداث، وبحسب تحليله لما يقع ولتصريحات المحتجين، وكذا قادة الأحزاب والمسؤولين، هو أن تتجه إلى إنهاء الشعبية التي كان يتمتع بها الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون.

واعتبر أن الإجماع الذي حصدته هذه الفكرة (سقوط شعبية ماكرون)، وخاصة لدى النخب السياسية، يؤكد أن السياسة الماكرونية، أجهزت على مكتسبات فرنسا داخليا وخارجيا، “لم يحدث أن حصل هذا التوافق بين النخب السياسية، حتى وهي مختلفة في الجوهر”.

وأبرز أن إيمانويل ماكرون في وضع صعب، لأن المجتمع منتفض ضده، من جهة نخب اليسار تعتقد بأن سياساته الاجتماعية التفقيرية السبب في ذلك، ومن جهة أخرى، تحمله نخب اليمين المتطرف، مسؤولية ما يحصل، لتراخيه في سياسات الهجرة والإدماج، وهو الذي أنتج هذه الحالة.

وتوقع الكاتب والباحث في العلوم السياسية أن الاحتجاجات بالشوارع الفرنسية، وأيضا النقاش السياسي بين النخب السياسية، سيكون لهما أثر كبير على ماكرون الذي يشغل منصبه منذ 14 ماي 2017، وبالتالي من المحتمل أن تعطى الفرصة إما إلى اليسار أو اليمين المتطرف.

وفي السياق ذاته، أكد التليدي أن موجة الكراهية والعنصرية ستبعد اليمين المتطرف من أن يكون بديلا، وهو ما يمنح اليسار الفرنسي فرصة لا تعوض.

وعزز تليدي توقعاته، بموقف وزير الداخلية من رفض مشروع قانون يحد من استعمال الأسلحة من طرف الأمن، معتبرا ذلك يزيد من احتقان الأوضاع داخل فرنسا، لأن هذه الأخيرة تحتاج اليوم إلى تهدئة حقيقية “بالأفعال وتغيير القوانين وليس بالأقوال”.

وقال إن تغيير القوانين سيجعل الشعب الفرنسي، خصوصا الأجيال الشابة، يطمئن ويصدق أن الوضع سيتغير، وأن التعامل العنصري الذي يخترق المؤسسات الأمنية، سيتم وضع حد له عن طريق تعديلات جادة وحاسمة.

أما عن تأثير ما يحصل في فرنسا على نخب مغربية، لا يخفى على أحد أن النموذج الفرنسي يسكنها، يؤكد التليدي، أن الاحتجاجات “أسقطت ركنا أساسيا من أركانه، بعد عجزه على القضاء على جرثومة الكراهية والعنصرية والتي أضحت تخترق المؤسسة الأمنية الفرنسية بشكل كامل”.

واعتبر أن النموذج الفرنسي لم يستطع أن يستوعب الاختلاف الموجود، وعجز عن الانفتاح على الخلفيات المختلفة التي تخترق المجتمع الفرنسي، مضيفا “الإصرار على رفض تعديل قانون استعمال الأسلحة بالنسبة للشرطة، سيجعل هذا النموذج فاقدا للقدرة على المواكبة والاستيعاب، وعلى حل المشكلات التي يمكن أن تعترض المجتمع”.

وخلص إلى أن النموذج الفرنسي، وفي كل مرة، وخاصة في الفترة الأخيرة، يسقط فيه ركن ومرتكز أساسي، واصفا إياه بأسوء النماذج العلمانية الحداثية المعروضة على النخب العربية والنخب المغربية بشكل خاص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News