مجتمع

نساء يرفضن الأمومة ورجال يتهربون من الأبوة.. قصص مغاربة قرّروا تبنّي “اللاإنجابية” فلسفة في الحياة

نساء يرفضن الأمومة ورجال يتهربون من الأبوة.. قصص مغاربة قرّروا تبنّي “اللاإنجابية” فلسفة في الحياة

نولد ونكبر وننجب، هكذا هي عجلة الحياة. غير أنه في السنوات الأخيرة ازداد عدد من اختاروا ألا يشاركوا في هذه العجلة، خصوصا من الشباب والشابات. تختلف الأسباب بين اقتصادية واجتماعية وأخرى شخصية بحتة. رصدنا لكم من خلال هذا الروبورتاج، شهادات حية لشابات وشباب اختاروا الخروج عن القاعدة والسباحة عكس التيار.

“عالم غير آمن للأطفال”

وفاء، سبع وعشرون سنة، متزوجة ولا إنجابية”. هكذا عرفت لنا نفسها بابتسامة واثقة، يشاركها إياها زوجها محمد. هاذان الزوجان اللذان اختارا منذ زواجهما قبل ثلاث سنوات أن لا ينجبا، والسبب اقتصادي حسب محمد: “توفير حياة مثالية لهذا الطفل، يتطلب توفر موردين أساسين؛ المال والوقت، ولا نعتقد أننا في الوقت الراهن، بالنظر للوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي نعيشه اليوم، سنستطيع توفير الحياة التي نحلم بها لهذا الكائن”. بينما ترجع وفاء السبب كذلك للوضع البيئي الذي يشهده العالم: “لا أستطيع إنجاب مخلوق ووضعه في مواجهة كل هذه التغيرات البيئية، من تلوث وشح مياه وتصحر، وهو لم يطلب ذلك”.

يضيف محمد على كلام زوجته بنبرة حاسمة “عالم اليوم مختلف عن عالم الأمس، لم يعد المثل المغربي القائل ‘الدراري كيتزادوا برزقهم’ صالحا ليومنا هذا، إنجاب طفل هو مسؤولية جسيمة، وتربيته وتعليمه وتوفير بيئة سليمة وصحية له لم يعد أمرا سهلا”، تقاطعه وفاء متسائلة “كيف يمكن أن ننجب طفلا في مجتمع نسمع كل يوم قصصا عن اغتصاب وخطف الأطفال!” لتصمت قليلا وتضيف بحسرة “لا أظن أنه عالم آمن للأطفال”.

“أنا امرأة لكنني لا أريد أن أكون أما”

تحكي لنا أسماء قصتها مع اللاإنجابية قائلة: “منذ سنوات مراهقتي الأولى كنت أحس بعدم رغبتي في أن أكون أما، ازداد هذا الإحساس مع مرور السنوات وانضافت إليه عوامل أخرى قادتني لاتخاذ لهذا القرار”.

تربط الشابة العشرينية قرارها بعدم الإنجاب بشكل مباشر بخوفها من مسؤولية التربية؛ “تزعجني دائما مقولة ‘المرأة نصف المجتمع وتربي نصفه الآخر’، أشعر أنها تضع عبئا كبيرا على كاهل المرأة، إذا فشل المجتمع، فالمرأة، بناء على هذا، هي السبب” وتضيف أسماء “لا أتخيل نفسي أما تسخر كل مجهودها في تربية كائن صغير على أحسن مثال، وتبذل كل ما في وسعها لتجعل منه إنسانا عظيما وتشبّعه بقيم الإنسانية واحترام الآخر، ليصبح في نهاية المطاف نذلا!”، تضحك و تواصل “نحن لا نتحكم إلا في فترة زمنية قصيرة من هذا المشروع، لكننه سيكبر، مهما حاولنا حمايته، ليصير شيئا آخر منفصلا كليا عنا”.

وعن ضغوطات العائلة والمجتمع، تقول أسماء إن والدها دائما ما يذكرها في كل مرة تزوره رفقة زوجها برغبته في رؤية أبنائهما؛ “أحاول في كل مرة شرح موقفي له” تضيف بنبرة أخف “يضايقني ذلك أحيانا، لكنني أتفهم أن كلامه نابع من حبه لنا، العائلة دائما ما ترى أن نجاح العلاقة هو أن تثمر طفلا ليغمره الجميع بالحب”.

غير أن ضغط المجتمع هو أكثر ما يزعج أسماء، إذ ترى أن “المجتمع يمارس ضغطا على المرأة أكثر من الرجل، وإن كان هذا اختيارهما معا”، تتابع أسماء بمرارة: “لم يفهم بعد مجتمعنا أن النساء لم يخلقن جميعا ليكن أمهات، لا زال مجتمعنا يردد: عندك رحم، خاصك ضروري تكوني أم”.

من جانبه، يقول فؤاد بلمير، الباحث في علم الإجتماع، إن المجتمع يطالب المرأة بالإنجاب أكثر من الرجل، فالمجتمع المغربي اليوم لم يصدق بعد فكرة أن يتخلى زوجان عن رغبتهما في الإنجاب دون أن يكون السبب مانع صحي، مضيفا “تتهم المرأة التي قررت عدم الإنجاب بالعقم حتى وإن أدلت للمجتمع بوثيقة تثبت العكس”.

“لا أريد أن أكون سببا في تعاسته”

يفسر أمين، وهو أستاذ في الثلاثينات من عمره، سبب اقتناعه باللإنجابية قائلا: “لا أرى قرار الإنجاب قرارا صائبا بالنظر لما نعيشه اليوم من غلاء المعيشة وقلة فرص الشغل وانتشار البطالة وفقر خدمات التغطية الصحية”.

يضيف أمين ساخرا: “إلى هزيتي غير راسك اليوم ما قالها حد لحد” فالإنجاب في نظر أمين فعل أناني وليس تركه هو القرار الأناني، فلا الظروف تسمح ولا العوامل مهيئة لاستقبال مواليد جدد، لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا لآباء أنانيين. لن أسمح لنفسي بأن أكون سببا في تعاسة مخلوق لم يختر حياته”.

ويربط الأستاذ الشاب عدوله عن فكرة الإنجاب بتحسن ظروف ومستوى المعيشة بالبلد قائلا: “قد أفكر في الإنجاب يوما ما إذا توفرت الظروف المعيشية التي أتمناها لأبنائي وتحسن معها قطاع الصحة والتعليم والخدمات بالمغرب، قد تعودون لحظتها وتجدونني أبا” ثم استدرك ضاحكا “وإن كنت لا أظن ذلك”.

“اللإنجابية ليست إيديولوجيا واللإنجابيون لا يسعون للتأثير”

يقول بشير حجي، مسير إحدى المجموعات النشطة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” للاإنجابيين المغاربة، إن “فكرة إنشاء هذه المجموعة جاءت انطلاقا من رغبة الأعضاء في توفير فضاء خاص ومريح لمناقشة الفكرة وطرح الآراء وتبادل الأفكار بخصوص اللاإنجابية، بشكل تلقائي دون قيود، أخذا بعين الاعتبا طابع الأقلية والطابو المرتبط بها”.

ويعتبر طالب الدكتوراه في تصريح لجريدة “مدار21″، إن “نشر اللاإنجابية والتعريف بها لم يكن ضمن الأهداف الرئيسية للمجموعة لأنها بكل بساطة ليست إيديولوجيا، بل إن الهدف الأساسي كان هو تبادل الأفكار بخصوص فلسفة تتشارك فيها أقلية مجتمعية ويحاط بها مفهوم الطابو”.

غير أن ارتفاع عدد أعضاء المجموعة الذي وصل لـ60 ألف عضو، وانطلاق النقاش حول هذا الموضوع في فضاءات أخرى خارج المجموعة، كان بحسب حجي، بسبب حب استطلاع وغرابة الفكرة عند المغاربة آنذاك.

ويضيف ذات المتحدث أن انطلاق النقاشات حول فكرة اللاإنجابية “كان دافعا أمام الأعضاء والمسؤولين للعمل على الدفاع على سمعة اللاإنجابية من كل المغالطات والأفكار النمطية التي أحاطت بها، وذلك عن طريق تصحيح المفاهيم وتنظيم نقاشات مفتوحة وكتابة مقالات تفسيرية إجابة على عدة تساؤلات التي كانت مادة دسمة لدس المغالطات”.

“انتشار هذه الفكرة هو نتيجة طبيعية لتطور المجتمع”

وفي تفسيره لذلك، اعتبر فؤاد بلمير، الباحث في علم الإجتماع، في تصريح لجريدة “مدار21″، أن انتشار هذه الفكرة هو نتيجة طبيعية لتطور المجتمع، بالنظر إلى التحولات الاجتماعية والثقافية التي غيرت ملامح علاقة المغربي بنفسه وبمحيطه. “فمعدل الإنجاب لدى المغاربة خلال ستينيات القرن الماضي مثلا، كان يتراوح بين ستة إلى ثمانية أطفال، غير أن هذا المعدل تقلص خلال الثمانينات والتسعيناات، ليستقر على طفلين إلى ثلاثة أطفال فقط”.

ويتوقع بلمير أن تسير الأسر المغربية في السنوات القادمة نحو الإكتفاء بطفل وحيد أو الاستغناء عن الإنجاب كليا.

ويرجع المتخصص في علم الاجتماع السبب في انتشار الفكر اللاإنجابي، للطفرة التي عرفها مجتمع المعرفة والإعلام، والتي ساهمت في دخول أنماط وأشكال عيش جديدة للمجتمع المغربي، غير أنه ينفي إمكانية اعتبارها ظاهرة بالنظر لعدم توفر معطيات علمية دقيقة عن عدد المغاربة الذين يتبنون هذه الفكرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News