موقف

بعد خطاب الملك..بداية عصر جديد للعلاقات بين إسبانيا والمغرب

بعد خطاب الملك..بداية عصر جديد للعلاقات بين إسبانيا والمغرب

تميز الخطاب الملكي، الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس يوم الجمعة 20 غشت بمناسبة الذكرى الـ 68 لثورة الملك والشعب، بتركيزه على العلاقات المغربية الخارجية خاصة مع الشركاء التقليديين الأوربيين للمملكة ، و على رأسهم  الجارة الاسبانية .

ففي هذا الصدد ، كان المغرب دائما حريصا على إقامة علاقات قوية مع دول الجوار سواء على المستوى المغاربي أو على مستوى منطقة البحر المتوسط ، وفيما يخص علاقاته مع إسبانيا، برهن المغرب دائما على حسن النوايا مع هذه الجارة و على التعاون المثمر على عدة أصعدة ، خاصة على الصعيد الأمني في إطار مكافحة الإرهاب وأيضا مكافحة الهجرة السرية . فعلى هذين المستويين، يلعب المغرب دورا رائدا، يحظى بإشادة واعتراف من طرف المجتمع الدولي. وعلى هذا الأساس، أصبح لازما على إسبانيا أن تعامل المغرب في إطار الشراكة المتكافئة والمتوازنة و المصالح المشتركة للبلدين .

وتجدر الاشارة إلى أن المغرب يرفض المساس بمصالحه العليا ووحدته الوطنية من طرف أية جهة كيفما كانت، و في نفس الوقت يسعى إلى ربط علاقات بناء و متوازنة خاصة مع دول الجوار ويسعى دائما إلى الحفاظ على الاستقرار بمنطقة البحر الأبيض المتوسط و المنطقة المغاربية، وحتى على صعيد دول جنوب أفريقيا .

كما أن العاهل المغربي في خطابة بمناسبة ذكرى ثورة الملك و الشعب أكد على أن  المغرب يتطلع، بكل صدق وتفاؤل، لمواصلة العمل مع الحكومة الإسبانية، من أجل تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة، في العلاقات بين البلدين ، علاقات يجب أن تقوم على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل، والوفاء بالالتزامات.

هذا الخطاب حظي بتقدير كبير من قبل رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، الذي اعتبر أن الخطاب يشكل فرصة سانحة لإعادة تحديد الركائز التي تؤطر العلاقات بين إسبانيا والمغرب، وأن المغرب يعد شريكا استراتيجيا لإسبانيا، و أيضا لكل الاتحاد الأوروبي. هذا مع العلم أن الحكومة الإسبانية أعربت في وقت سابق عن استعدادها لإصلاح العلاقات مع المغرب قبل الخطاب الملكي .

فليس في مصلحة  الحكومة الاسبانية هدم علاقات تاريخية بين البلدين يسعى المغرب دوما على تحصينها و تقويتها والرفع من آفاقها على عدة أصعدة سياسية و اقتصادية و ثقافية . ثم أن إسبانيا عندما استقبلت زعيم “جبهة البوليساريو”، ابراهيم غالي، بهوية مزورة، وتعمدت عدم إخبار السلطات المغربية بذلك، في تحد للعلاقات بين البلدين ، تكون ارتكبت خطأ فادحا وموقفا متنافيا مع الأعراف والقوانين الدولية . علما أن المغرب دولة ذات مواقف ثابتة في العلاقات الدولية و لن يقبل بأي سلوك أو تعامل يمس بوحده الترابية وسيادته الوطنية.

و نشير أيضا في هذا السياق أن الأزمة السياسية التي حصلت في مجال العلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا ليست هي الوحيدة ، بل شهدت تلك العلاقات أزمات كادت تقود البلدين مباشرة إلى الحرب، كما هو الشأن بالنسبة لأزمة جزيرة المعدنوس (ليلى) .

ولذلك ، فالعلاقات المغربية الاسبانية تتخللها دائما أزمات تصعيدية بين الفينة والأخرى، لكنها تعود إلى منحاها الطبيعي بعد تذويب مكامن الخلافات وتقريب وجهات النظر، في ظل المصالح الاقتصادية والأمنية التي تجمع الطرفين، ولا يمكن أن تؤدي إلى التصعيد النهائي من الجانبين .

فقد كان من المتوقع أن تعود العلاقات بين البلدين إلى مسارها الطبيعي ؛ ذلك أن المغرب يعد الشريك الأول لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي، فيما تصنف إسبانيا على أنها الشريك التجاري الأول بالنسبة إلى المغرب . فعدد كبير من الشركات الإسبانية التي تستثمر في المغرب تحظى بالحماية القانونية وقواعد التبسيط الإداري في إطار تشجيع الاستثمار الأجنبي .

لكن  يبقى على إسبانيا استخلاص الدروس من الأحداث الأخيرة لأن مغرب 2021 ليس هو مغرب الأمس. ثم أن المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس، يتمتع بمصداقية ودور مؤثر على المستوى الجهوي والدولي، وريادة شخصية معنوية وسياسية، وما على إسبانيا إلا أن تعيد النظر في أسس علاقاتها مع المغرب على أساس أن تكون علاقات مبنية على الثقة والشفافية والاحترام المتبادل. تلك بداية عصر جديد للعلاقات بين إسبانيا والمغرب .

– أستاذ بكلية الحقوق بالرباط و بالمعهد العالي للإعلام والاتصال

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News