مجتمع

انفلات فَساد السياسيين من العِقاب يَضع “هيئة مكافحة الرشوة” بقفص الاتهام

انفلات فَساد السياسيين من العِقاب يَضع “هيئة مكافحة الرشوة” بقفص الاتهام

أحيَت قضية الوزير الأسبق والبرلماني الحركي محمد مبديع، مطالب بتحريك المتابعة القضائية بحق عدد من المسؤولين السياسيين المتورطين في قضايا فساد وتبديد أموال عمومية، وطالبت هيئات حقوقية وجمعيات مدنية لحماية المال العام السلطات المختصة بتفعيل المبدأ الدستوري المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة، وبفتح ملفات عدد من البرلمانيين المشتبه تلبّسهم بقضايا فساد واختلاس المال العام.

يأتي ذلك، في وقت يستمّر فيه عدد من البرلمانين  في أداء مهامهم بكل أريحية رغم متباعتهم بتهم لها علاقة بالفساد والتلاعب بالمال العام والتزوير والنصب، حيث يوجد بعضهم قيْد التحقيق من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ومحاكم جرائم الأموال، بينما يتم الإستماع إلى آخرين حول خروقات خطيرة، وضمنهم من قضى فترة حبسية وعاد لقبة البرلمان وكأن شيئاً لم يقع.

ويضع “انفلات” عدد من السياسيين من مسطرة المتابعة الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، بقفص الاتهام، خاصة بعد تصدر ملف محاربة الفساد مجدداً واجهة المشهد السياسي في المغرب مع توالي المواقف بشأن إيداع البرلماني مبديع، السجن في سياق تحقيقات حول شبهات “اختلاس وتبديد أموال عمومية والتزوير والرشوة والغدر واستغلال النفوذ وغيرها، والمشاركة في ذلك”.

وطبقاً لمقتضيات الفصل 167 من الدستور تتولى الهيئة التي خصصت الحكومة لأعضائها “تعويضات سمينة” تصل إلى 67 ألف درهما في الشهر، على الخصوص مهام المبادرة و التنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال والمساهمة في تخليق الحياة العامة وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة والثقافة المرفق العام وقيم المواطنة المسؤولة.

أعذار غير مقبولة

وأكد أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة بجامعة الحسن الأول عبد الحفيظ اليونسي، أن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، مطالبة بامتلاك قدر من الشجاعة اللازمة والإقدام المطلوب من أجل أن تحرص على تفعيل اختصاصاتها الدستورية، بدل التذرع بتكبيل القضاء لسلطاتها لكي تتقاعس عن أداء الأدوار المنوطة بها لمحاربة الفساد بدعوى وجود عوائق قانونية تمنعها من ذلك.

وأوضح اليونسي في حديثه لـ “مدر21″، صحيح أن هناك قيودا قانونية تحد من تدخل هيئة مكافحة الرشوة لمواجهة ملفات الفساد المشتبه فيها بشأن بحيث أنه بمجرد أن يضع القضاء يده على الملف تتوقف تناول الهيئة للموضوع، قبل أن يستدرك “لكن إذا أثار الرأي العام قضية معينة ولم يحرك بشأنها القضاء أي متابعة فإن الهيئة مطابة بتحريك مسطرة التحري وإذا وضع القضاء ساعتها يده على الملف فيمكن الإشارة إلى ذلك ضمن إفادة توردها الهئية في تقريرها السنوي”.

ويقصد بالفساد في مفهوم قانون هيئة إحدى جرائم الرشوة أو استغلال النفوذ أو الاختلاس أو الغدر المنصوص عليها في القانون الجاري به العمل، وكل جريمة من جائم الفساد الأخرى المنصوص عليها في تشريعات خاصة.ولا يجوز للهيئة النظر في التبليغات والشكايات المتعلقة بالقضايا المعروضة على القضاء طبقا للتشريع الجاري به العمل.

وفي حال تحريك مسطرة التحري التي تملكها الهيئة وفق مقتضيات القانون المنظم لها وتزامن ذلك مع تحريك النيابة العامة للمتابعة في نفس الملف فإن الهيئة ملزمة بقوة القانون برفع يدها عن الملف ما يعني أن القضاء تصبح له الاسبقية للبت في الملف وتحريك المتابعة وفتح التحقيق بالنظر إلى العائق الذاتي المرتبط بالاختصاص الموضوعي لهيئة مكافحة الرشوة.

ويرى أستاذ علم السياسة، أن هذا التبرير يوحي بأن هناك تهربا من لدن هيئة مكافحة الرشوة من تحمل مسؤولية المبادرة لتحريك مسطرة التحري حول شبهات الفساد التي تحوم حول عدد من المسؤولين و البرلمانيين.وبالتالي سنكون أما هيئات دستورية تمارس السياسية أكثر من ممارستها للقانون رغم تمتيعها بصلاحيات وسلطات لتفعيله.

وتابع الجامعي ذاته، و”هو أمر غير مطلوب في هيئات الحكامة التي يفترض أن تحرص على استقلاليتها وأن تكون مبادرة وداعمة لثقة المواطن في المؤسسات عبر تحقيق نوع من التكامل ما بين هيئات الرقابة البعدية وعلى رأسها  القضاء وبين هاته الهيئات يعول عليها لإسناد دور القضاء”.

حواجز قانونية!!

وتتولى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، حسب القانون المنظم لأشغالها، القيام بعمليات البحث والتحري عن حالات الفساد التي تصل إلى علم الهيئة وفق الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون شريطة مراعاة الاختصاصات الموكلة بمقتضى النصوص التشريعية الجاري بها العمل إلى سلطات وهيئات أخرى.

كما تناط بها مهام تقديم كل اقترح أو توصية إلى الحكومة أو إلى مجلسي البرلمان تهدف إلى نشر وتعزيز قيم النزاهة والشفافية وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وثقافة المرفق العام وقيم المواطنة والمسؤولية وتقديم كل مقترح أو توصية إلى الحكومة بشأن تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية الرامية إلى الوقاية من الفساد ومكفاحته.

من جانب آخر، شدد اليونسي، على أنه يتعين تعديل المادة 11 من القانون المنظم للمحاكم المالية التي تحد من سلطات النيابة العامة لدى المحاكم المالية للمبادرة لإحالة الملفات المشتبه فيها مباشرة على النيابة العامة، لاسيما في أنه في ظل تنامي الجرائم المرتبطة بتدبير الشأن العام سواء تعلق الأمر بالاختلاس أو تبديد أموال عمومية أو غيرها.

واعتبر الأستاذ الجامعي أنه “لم يعد مقبولا أن تظل هذه المادة على حالها و إنما تتطلب التعجيل بتعديلها استجابة لمطالب قديمة ومتجددة من طرف المختصين والهيئات المعينة بحماية المال ومحاربة الفساد وذلك بغاية منح المحاكم المالية سلطة الإحالة على النيابة العامة”.

وشدد أستاذ القانون الدستوري بجامعة سطات، على أنه ” ينبغي إزالة هذه الحاجز الذي يكبل القاضي المالي، طالما أن النيابة العامة لدى المحاكم المالية تمتلك ما يثبت أن هناك اختلالات في التدبير تأخذ شكلا من الأشكال التي يجرمها القانون”، مؤكدا أنه “يتعين أن تمنح سلطة الإحالة المباشرة على السلطات القضائية المختصة”.

ويرى اليونسي بضرورة إعادة النظر في المساطر المعتمدة في تحريك الملفات المتعلقة بجرائم الأموال، ولفت إلى أنه على  سبيل المثال” عندما يتم تغيير هيئة الحكم التي تنظر في ملف ما بعد استفناذ كل مراحل التحقيق القضائي في الدعوة العمومية المرفوعة، فإن ذلك يكون مدعاة إلى إعادة الملف إلى نقطة الصفر مما يؤخر صدرو الأحكام القضائية النافذة بشأن عدد من الملفات بشكل غير مبرر”.

“تواطؤات محتملة”

وزاد  أستاذ علم السياسة بجامعة سطات شارحا: “أحيانا يمكن أن تكون هناك “تواطؤات” والدليل على ذلك ملف ما يعرف بـ”كازينو السعيدي” بمراكش الذي عمر لسنوات طويلة دون أن يحسم القضاء فيه إلى حدود اليوم”.

ومراعاة للاختصاصات الموكلة لسلطات أو هيئات أخرى بمقتضى النصوص التشريعية الجاري بها العمل، تتولى هيئة مكافحة الرشوة، تلقي التبليغات والشكايات والمعلومات المتعلقة بحالات الفساد ودراستها والتأكد من حقيقة الأفعال والوقائع التي تتضمنها وفق المسطرة المنصوص عليها في الباب الرابع من هذا القانون وإحالتها عند الاقتضاء إلى الجهات المختصة.

وأمام صمت الهيئة المعنية بمحاربة الفساد، طالبت البرلمانية عن فيدرالية اليسار فاطمة التامني ، بتفعيل مدونة الأخلاق داخل البرلمان، وإسقاط الحصانة البرلمانية من مجموعة من البرلمانيين المتابعين في قضايا لها علاقة بشبهة الفساد المالي، معتبرة  ضمن جلسة دستورية سابقة حضرها رئيس الحكومة عزيز أخنوش، أن البرلمان “ليس مكانا للاحتماء من المتابعة القضائية”.

وأوضحت البرلمانية، أنه انطلاقا من كون النظام الداخلي هو الإطار المحدد لنجاعة العمل البرلماني ولمبادئ وقوانين العمل بالمجلس، فهذا يقتضي ربط الفكر بالممارسة، فـ”الممارسة الديمقراطية لا يمكن أن تستقيم بدون تخليق للحياة السياسية، فلما نكون أمام قضايا فساد معروضة على القضاء، نكون أمام استفهام من يشرع لمن؟ لذلك فإن البرلمان ليس مكانا للاحتماء من المتابعة، ومن تم، وجب تفعيل مدونة الأخلاق”.

جيوب مقاومة الفساد

من جهته أوضح نبيل الأندلوسي، رئيس منتدى الكرامة لحقوق الانسان، أن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، كمؤسسة دستورية، أوكل لها المشرع أدوارا مهمة وأساسا على مستوى “التنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة”.

وأوضح الأندلسي وهو رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، في حديثه لـ”مدار21″، أن  النص، ورغم ما يتضمنه من مهام وأدوار في غاية الحساسية والأهمية، “يصطدم بواقع عنيد، وبجيوب مقاومة مرتبطة أساسا بقواعد وممارسات بنية النسق السياسي، وبتراكمات تجعل الفساد “محميا”، ليس فقط على مستوى الدولة، بل حتى على مستوى الأحزاب السياسية والنقابات العمالية.”

ويرى الأندلوسي، محاربة الفساد، ” يجب ألا يرتهن إلى مواسم وحملات، أو أن  يوجه ضد فئة دون غيرها، وإنما يجب أن يتبلور كخيار استراتيجي للدولة، اعتبارا لأن التمكين للفساد وعدم محاربته فعليا، هو إضعاف للإقتصاد الوطني وعائق أمام الإستثمار، وتكريس لغربة المواطنين عن مؤسسات الدولة وللاثقة فيها، وإهدار للمقدرات الوطنية ولفرص التنمية”.

وسجل رئيس منتدى الكرامة لحقوق الانسان، أنه رغم الانتقادات المشروعة التي يمكن توجيهها للهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة ومحاربتها، فإنه يتعين عدم إغفال أن مهمة محاربة الفساد مهمة مشتركة وتحتاج تضافر جهود جميع المؤسسات المعنية ووجود إرادة سياسية حقيقية لدى الدولة والفاعلين السياسيين على حد سواء.

وأشار رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، إلى أن  القانون المنظم للهيئة يشير بوضوح إلى أن هذه الأخيرة “تقوم بمهامها في إطار العمل المشترك والتكامل المؤسساتي والوظيفي بينها وبين السلطات والمؤسسات والهيئات الأخرى المعنية”، وعلى رأس هذه الهيئات، يأتي القضاء ولا شك.

ونبّه الأندلسي، إلى أن سحب الحكومة لمشروع القانون رقم 10.16 المتضمن لمقتضيات متعلقة بتجريم الإثراء غير المشروع، “أعطى انطباعا سيئا بكون الحكومة غير منخرطة بجدية في مسار محاربة الفساد”، مضيفا أن “هذا ما يؤكد أن هذه المهمة حتما يجب أن تتمثلها جميع المؤسسات الدستورية والقطاعات الحكومية وغير الحكومية المعنية بهذه المهمة”.

تعليقات الزوار ( 2 )

  1. هاته الممارسات نراها في اغلب الجماعات من الغرب الى الشرق ومن الجنوب إلى الشمال وليس اسفي أو المحمدية أو الرباط وحدهم وترى مكونات المجالس معارصة موالاة يحولون مقرات المجالس المنتخبة الى حلبة للاتهام و الاتهام المضاد. لهذا في نظري علينا أن نرجع إلى كيفية تسيير مهام المجالس كما كان يقوم به في السابق رجال السلطة خلال قبل السبعينات، أقول نعود إلى إسناد مهمة رئاسة المجالس الجماعية لأشخاص مدنيين لهم تكوين إداري و مالي وتجربة في الميدان ولما لا يتم اختيارهم من ضمن قضاة المجالس الجهوية للحسابات وكذلك مفتشو الإدارة العامة لوزارة الداخلية على الأقل في منصب رؤساء المجالس المنتخبة سواء محليا أو اقليميا أو جهويا و أن يكون النائب الأول للرئيس موظف في مرتبة مدير مصالح مختص في الشأن الاداري والمالي والباقي من أعضاء المجلس تكون لهم صفة ممثلي الدوائر الانتخابية وممكن أن تسند لهم مهمة رئاسة مختلف اللجن داخل المجالس دون أي تفويض لهؤلاء.

  2. يجب محاربة الفساد الذي يستغل الثغرات في المساطير الإدارية لنهب المال العام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News