سياسة

مبديع.. القصة الكاملة لسقوط سياسي “ادعى” محاربة الفساد عندما كان وزيرا ونقلته خروقاته نحو القضاء

مبديع.. القصة الكاملة لسقوط سياسي “ادعى” محاربة الفساد عندما كان وزيرا ونقلته خروقاته نحو القضاء

رسميا، بات محمد مبديع الوزير السابق ورئيس جماعة الفقيه بن صالح منذ أكثر من عقدين، خلف أسوار سجن عكاشة، بتهم ثقيلة، من أجل إختلاس وتبديد أموال عمومية والتزوير والرشوة والغدر واستغلال النفوذ وغيرها من التهم، لتنطلق بذلك أول فصول متابعته القضائية التي تأجلت كثيرا، لأسباب غير معروفة، قبل أن تسرع منها عودته إلى الأضواء تحت قبة البرلمان.

وأودع قاضي التحقيق محمد مبديع ومعه سبعة متهمين سجن عكاشة في الساعات الأولى من صباح يومه الخميس، بينما أمر بإغلاق الحدود وتشديد المراقبة القضائية على خمسة متهمين آخرين، أغلبهم موظفون عموميون بجماعة الفقيه بنصالح.

مسيرة محمد مبديع ترتبط بكثير من المفارقات، فالوزير الذي ادعى محاربة الفساد لحظة حمله حقيبة الوظيفة العمومية وجد نفسه متابعا على أرضية ملفات فساد واختلالات رصدتها تقارير رسمية، كما أن الشخص نفسه الذي لم تحسم العدالة بعد النظر في ملفاته يجد نفسه، بقدرة إجماع برلماني، رئيسا للجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، ومسؤولا عن التشريع للمغاربة بإحدى أهم اللجن البرلمانية.

في نفس سياق المفارقات، لجأ محمد مبديع، إلى التخلف عن آخر إستدعاء له من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، متحججاً بالمرض، قبل أن يظهر في أنشطة رسمية بصحة وعافية، محاولا بذلك استغباء الأجهزة الأمنية، التي لم تتوان عن اقتياده بالقوة من الرباط نحو الدار البيضاء من أجل التحقيق معه.

مبديع.. مكافحا للفساد بميزانية ضخمة!

دون غوص في تعقيدات التحالفات السياسية التي جعلت محمد مبديع وزيرا منتدبا لدى رئيس الحكومة مكلفا بالوظيفة العمومية بحكومة عبد الإله بنكيران، استحضر كثير من متتبعي الملف أن مبديع كان قد رفع رهان مكافحة الفساد بعد أن وضعت تحت يديه ميزانية ضخمة مخصصة لهذا الغرض تقدر بـ 18 مليار سنتيم لمكافحة آفة الفساد في أفق 2025،  متسائلين عن مصير هذه الميزانية، وما إذا كانت قد أدت الغرض منها.

وكان مبديع قد أكد أن مشروع مكافحة الفساد  يروم أيضا تعزيز ثقة المواطنين في المؤسسات، وكذا تقوية ثقة المجتمع الدولي في المغرب، مشيرا إلى أن الكلفة المالية لهذه الاستراتيجية تقدر بحوالي مليار و800 مليون درهم، موزعة على ثلاث مراحل، ستخصص أساسا للتكوين واقتناء آليات المراقبة والتتبع، موضحا أن تقييما سينجز عند انتهاء كل مرحلة للوقوف على مستوى تقدم إنجاز المشاريع المبرمجة وتحقيق النتائج المسطرة.

من جهة أخرى، يواجه محمد  مبديع انتقادات بكون استمراره في رئاسة جماعة الفقية بن صالح منذ سنة 1997 إلى الأن، كان بسبب توظيفه لشبكة علاقات قائمة على المصالح وتوظيف المال، ما جعله يتحول إلى “إمبراطور” بالمدينة عصي على المحاسبة، وانتقل به إلى ما يشبه “رئيس أبدي” للبلدية.

محاسبة مع وقف التنفيذ..

لم يراوح ملف اختلالات وفساد محمد مبديع مكانه منذ سنوات، فرغم الشكاية التي وضعتها ضده من طرف الجمعية المغربية لحماية المال العام، في 28 يناير 2020، فإن ملفه لم يشهد أي تحريك قبل أن يتم ذلك تزامنا مع جدل انتخابه رئيسا للجنة العدل والتشريع، حيث جرى اقتياده بالقوة إلى مقر الشرطة القضائية التي أحالته بدورها، بعد ساعات من الاستماع، على الوكيل العام للملك في ساعات متأخرة من يوم الأربعاء 26 أبريل 2023.

وأحيل مبديع رفقة 12 مشتبها فيهم أخرين، هم مقاولون وموظفون عموميون تابعون لجماعة الفقيه بنصالح التي يرأسها مبديع، على الوكيل العام للملك، الذي ينتظر أن يحيلهم بدوره على قاضي التحقيق بجرائم الأموال ضمن المحكمة نفسه، الأخير الذي سيقرر بشأن المتابعة في حالة سراح أم في حالة اعتقال بالنسبة للمستمع لهم.

ورجح محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام أن تتم متابعة بعض المتهمين، وعلى رأسهم محمد مبديع في حالة اعتقال، أو اتخاذ أحد التدابير القضائية من قبيل إغلاق الحدود أو سحب جواز السفر أو تقديم كفالة، وذلك نظرا لثفل الملفات التي يتابعون على أرضيتها، والمرتبطة بملفات صفقات عمومية ووثائق التعمير وغيرها.

انتخاب مبديع.. إجماع على تأييد الفساد

كان انتخاب مبديع على رأس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، بإجماع من الأغلبية والمعارضة، قد أثار جدلا واسعا وانتقادات، حيث اعتبره متتبعون إجماعا على حماية الفساد، لتنطلق بعدها حملة مطالبة باستقالته من اللجنة المذكورة ومتابعته أمام القضاء على أرضية الملفات الكثيرة والمتشعبة التي يتابع على أرضيتها.

وكان محمد الغلوسي رئيس جمعية حماية المال العام، قد اعتبر في تصريح سابق لجريدة “مدار21”، أن تصويت النواب البرلمانيين، سواء المنتمين للأغلبية أو للمعارضة، بالإجماع على انتخاب محمد مبديع رئيسا للجنة العدل والتشريع تأكيد على أن البرلمان تحول إلى مؤسسة لحماية الفساد، وتأكيد على المقولة التي تذهب إلى أن النواب يتواجدون بقبة البرلمان فقط للدفاع عن مصالحهم.

وأورد الغلوسي أنه في العمل السياسي والبرلماني مجرد الشبهة تقتضي عدم الترشح إلى مثل هذه المسؤولية، إضافة إلى من اتهم مبديع ليس أشخاص بل مؤسسات دستورية، منها المجلس الأعلى للحسابات الذي أصدر تقريرا في الموضوع وأصدر بلاغا يتعلق بحالته، إضافة إلى تقرير المفنشية العامة لوزارة الداخلية أيضا التي أصدر تقريرا يتضمن اتهامات خطيرة، إضافة إلى أن البحث القضائي مفتوح في هذه القضية.

استقالة على مضض..

على الرغم من الحملة الكبيرة التي أطلقها نشطاء وحقوقيون ضد انتخاب مبديع على رأس اللجنة البرلمانية المذكورة، إلا أنه لم يتحرك، هو وحزبه، لتصحيح الوضع، قبل أن تأتي الاستقالة على مضض بعد أن زارت منزل مبديع عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.

وتفاعلا مع الاستقالة خرج حزب الحركة الشعبية في بلاغه  أن “ترشيح محمد مبديع لرئاسة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب جاء من منطلق الإستناد إلى أحكام الدستور، وكذا منطوق قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أن البراءة هي الأصل، وهو المبدأ الذي تؤكده كذلك كل المواثيق الدولية ذات الصلة، وهو حق لفائدة محمد مبديع، كونه كان قيد البحث لدى الشرطة القضائية المختصة، دون صدور أي متابعة في حقه من لدن السلطة القضائية وهو الحق الذي يتمتع به جميع المواطنين المغاربة على قدم سواء”.

وتابع دفاعه عن قانونية ترشيح مبديع لرئاسة لجنة التشريع والعدل بالقول: “وأيضا لكون الاشتباه لم يكن يرقى إلى مصاف المتابعة أو الإدانة، وهو الأساس الذي جعل تحمل محمد مبديع لهذه المسؤولية النيابية عاديا غير خاضع لأي قيد أو تقييد ما دام يتمتع بكامل حقوقه السياسية والمدنية المكفولة قانونا”.

ونوه حزب “السنبلة” بـ”القرار الشجاع والحكيم” لمبديع بتقديم استقالته من رئاسة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب بعد صدور تعليمات عن السلطة القضائية بمتابعته بغاية الدفاع عن حقوقه من موقع البراءة بتجرد من مسؤوليته على رأس هذه اللجنة النيابية والتي كانت محط حملة إعلامية ممنهجة لبعض المنابر الإعلامية لم تراع قرينة البراءة إلى أن يقول القضاء كلمته الفصل”.

مبديع.. خروقات رصدتها تقارير رسمية

من بين الخروقات التي يتابع على أرضيتها محمدج مبديع تلك المتعلقة بالتصميم المديري للتطهير السائل الخاص بالمدينة، الذي رُصد للدراسات المتعلقة به مبلغ 800 مليون سنتيم، حيث أكد التقرير أنها لم تراع مبدأ المساواة في التعامل مع المتنافسين، خلافا لأحكام المادة الأولى من المرسوم 349-12-2 المتعلق بالصفقات العمومية، حيث منحت الأفضلية لمكتب الدراسات “BIECTRA”.

وأشار التقرير إلى أن الصفقة المذكورة كانت في طور التنفيذ عند الإعلان عن  طلب العروض، إضافة إلى ذلك، فالأعمال اللازمة لإنجاز الدراسات الخاصة بالتطهير، والمبرمجة في إطار الصفقة، أنجزها سابقا نفس مكتب الدراسات، ولا تستوجب سوى تحيينها وملاءمتها مع الدراسات المطلوبة في الصفقة 2-2015، كما أن الفائز بالصفقة، توصل طبقا لمقتضيات المادة 7 من دفتر الشروط الخاصة بالصفقة 8-2013، بكل الوثائق والمعلومات الضرورية، لإنجاز التصميم المديري للتطهير السائل بالمدينة.

صفقة بدون آجالها ومبلغها

وجرى إبرام صفقة الدراسات رقم 05-2006 دون تحديد مبلغها ولا أجل تنفيذها، خلافا للمقتضيات القانونية، وهكذا فإن الصفقة المذكورة تم إبرامها مع تجمع “BIECTRA” و”FABER” منذ 2006 ومازالت مفتوحة، فيما دفتر الشروط الخاصة لم يحدد أجلا ومبلغا لإتمام الصفقة، ما يتعارض مع مقتضيات المادة 75 من مرسوم الصفقات العمومية.

ورغم أداء مبلغ 8 ملايين درهم بالنسبة للدراسات، التي تخص التصميم المديري للتطهير السائل، فإن الأشغال لم تنجز، ما يطرح تساؤلات حول الجدوى من الدراسة والتي كلفت الجماعة أموالا طائلة.

وهمت الاختلالات المسجلة كذلك الصفقة 2-2015، المتعلقة بدراسات التأهيل الحضري لمدينة الفقيه بن صالح. فقد تم إعداد ملفات طلبات العروض سلفا، أي قبل تاريخ فتح الأظرفة، الذي تم بتاريخ 13 غشت 2014، وأبرمت الصفقة لتسوية أعمال تم الشروع في إنجازها سلفا.

ورصد التقرير تقديم شواهد مراجع تقنية تشتمل على معلومات خاطئة، وأخرى مسلمة من طرف مكتب الدراسات الذي يسيره عضو مؤسس لشركة الأشغال “ADAMISTITMAR”، التي قدمت شواهد مراجع تقنية تشتمل على مبالغ تفوق المبالغ المؤدى لها، كما أن بعضها مسلم في إطار تعاقد من الباطن (sous-traitance)، رغم أن صاحب المشروع (بلدية الفقيه بن صالح ) لا تربطه أي علاقة قانونية مع المتعاقدين من الباطن، طبقا لمقتضيات المادة 158 من مرسوم الصفقات العمومية.

وتبين أن بعض المراجع التقنية المقدمة من طرف شركة “DREAMINGENEERING”  نائلة الصفقتين عدد 14-2014 و7-2016، حصلت عليهما من مكتـب الدراسات “DREAMINGENEERING”، الذي يسيره (م.م) وهو عضو مؤسس، ويشتغل في فريق الهندسة للشركة المذكورة.

تأدية مبالغ صفقات لم تنجز

وبمراجعة الصفقات التالية 12-2014 و14-2014 و 6-2016، و7-2016 و9- 2016، فإنه يتضح أن بلدية الفقيه بنصالح أدت مبلغا إجماليا قدره خمسة ملايين درهم، مقابل أشغال لم يتم إنجازها من طرف نائلي الصفقات “ADAMISTITAMAR” و “LACONTRALE ROUTIERE”، مع العلم أن مكتب الدراسات المكلف بتتبع ومراقبة الأشغال وتقنيو الجماعة قاموا بالإشهاد على صحة ومصداقية الأشغال المنجزة، كما أن أتعاب مكتب الدراسات المكلف بالمراقبة والمؤداة لهذا الأخير غير صحيحة، لعدم قيامه بمهمته على الشكل الأمثل، ودون احترام مقتضيات دفتر الشروط الخاصة بصفقة الدراسات.

وتضمنت شكاية حماة المال العام إشارة إلى خروقات وتجاوزات شابت الصفقات، منها عدم توقيع الوثيقة الخاصة بالثمن التقديري من قبل صاحب المشروع (بلدية الفقيه بنصالح)، وعدم تدوين هذا الثمن بمحضر لجنة طلب العروض خلافا للمقتضيات التنظيمية، والاكتفاء فقط بتوقيع مكتب الدراسات، ويتعلق الأمر بطلبات العروض 23- 2014 و24-2014 والصفقة 06-2016، ما يخالف المادة 5 من المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية، بالإضافة إلى تعديل غير مبرر لإعلان طلب العروض من أجل تخفيض قيمة الضمان المؤقت.

وسجلت الشكاية تجاوز الأجل الأقصى لتبليغ المصادقة على الصفقة دون تطبيق المقتضيات التنظيمية (المادة 79 من مرسوم الصفقات العمومية)، وعدم توقيع محضر فتح الأظرفة من طرف أحد أعضاء لجنة طلب العروض، بالإضافة إلى توقف الأشغال لمدة طويلة بالنسبة للصفقتين رقم 3- 2015 و11-2015 دون اتخاد التدابير اللازمة، وتسجيل عدة عيوب تخص الأشغال المنجزة وضعف جودة أشغال إنجاز الطريق بحي المخزن المتنقل، وقبول شهادة الضمان المؤقت المقدمة من طرف نائل الصفقة رغم أنها تتضمن تحفظا خلافا للمقتضيات التنظيمية.

ورصدت الشكاية كذلك إسناد صفقة تكملة شارع علال بن عبد الله لشركة لا تتوفر على مراجع تقنية كافية تتناسب مع طبيعة وأهمية الأشغال المزمع إنجازها، ذلك أنه تم الإدلاء بمراجع تخص التطهير والطرق والأرصفة، في حين لا تشتمل أي شهادة على أشغال الإنارة العمومية وتهيئة الأماكن العامة والتي تعتبر جزءا لا يتجزأ من الأشغال المبرمجة، فضلا عن أداء التموينات بأثمنة جد باهظة مقارنة مع الأثمنة المتداولة، كالإسمنت الذي قدر بـ 4000 درهم للطن الواحد، والذي لا يتجاوز ثمنه 1000.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News