دولي

المغرب والجزائر لأول مرة بدون سفير بباريس.. إلى أين يقود ماكرون دبلوماسية فرنسا؟

المغرب والجزائر لأول مرة بدون سفير بباريس.. إلى أين يقود ماكرون دبلوماسية فرنسا؟

بشكل غير مسبوق تمضي العلاقات الفرنسية مع كل من المغرب والجزائر من إحدى أعقد فتراتها، ذلك أن البلدين الذين يوجد بينهما خلاف عميق اتخذا قرارا متزامنا بسحب سفريهما لدى باريس، وهو أمر لم يتكرر على عهد الرؤساء السابقين بفرنسا الذين طالما انتعشوا من شِقاق الجارين، ومن لعبة التوازنات بالمنطقة التي لم يفلح فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مما يسائل مستقبل الدبلوماسية الفرنسية، التي فقدت الكثير من بريقها في السنوات الأخيرة، خاصة مع البلدان الإفريقية.

وبالرغم من السياقات المختلفة للأزمة مع فرنسا، بين المغرب والجزائر، إلا أن التزامن الحاصل بين سحب البلدين سفريهما، سواء بطريقة معلنة في حالة الجزائر، أو بطريقة أقل حدة في الحالة المغربية، يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول نجاعة الدبلوماسية الفرنسية التي نجحت في تحويل بلاد الأنوار إلى بلد منبوذ بإفريقيا.

المؤشرات التي تجعل الحالتين مختلفتين هو أن العلاقات المغربية الفرنسية تمر منذ فترة غير قصيرة بكثير من التوترات، عكس العلاقات الفرنسية الجزائرية التي مرّت ب”شهر عسل” وتبادل للزيارات والمكالمات في الفترة الأخيرة وصولا حد التعاون العسكري والأمني، قبل أن ينهار كل شيء بسبب تدخل الديبلوماسية الفرنسية لتهريب معارضة جزائرية من تونس نحو فرنسا.

موقف واحد وسياقات مختلفة

وفي حين يخوض المغرب صراعه ضد فرنسا دفاعا عن سيادته وصحرائه، يتضح أن الجزائر تخوض نفس الصراع لغايات أخرى متعلقة برغبتها في التحكم بالمعارضة السياسية داخل البلاد وكتم الأصوات المنتقدة لعبد المجيد تبون ونظامه، وهو ما جعل عبد العالي باروكي الخبير في العلاقات الدولية، يذهب في تصريح ل”مدار21″ إلى أن “السياق بين المغرب والجزائر فيما يتعلق بسحب سفيريهما لدى فرنسا مختلف”.

المتحدث نفسه أشار إلى أن السياق الجزائري مختلف عن السياق المغربي، موضحا أن الأول جاء رغبة من الجزائر في اعتقال معارضة هاربة، في حين أن موقف المغرب لديه أسباب، غير مرتبطة بالتأشيرة كما تم الترويج لذلك من قبل، إذ أن هذا الإجراء كما قال وزير الخارجية ناصر بوريطة قرار سيادي، بل مرتبطة أساسا بالقضية الوطنية المتجلية في الصحراء المغربية، ما يجعل الموقف المغربي مختلف عن الموقف الجزائري.

وفي العموم يؤكد الخبير المغربي أن سحب السفير في الأعراف الدبلوماسية يعتبر بمثابة خطوة سابقة لقطع العلاقات بين البلدان في الغالب، وهي طريقة من طرق الاحتجاج من طرف دولة على دولة معينة.

رسالة غير مشفرة لفرنسا

بعد تجاذب استمر طيلة أشهر، من موضوع التأشيرات إلى توصية البرلمان الأوروبي التي تبرأت منها فرنسا علنا، وبعد التحذيرات التي وجهه الملك محمد السادس للشركاء التقليديين لتحديد الموقف من مغربية الصحراء، جاء أول رد رسمي بإنهاء مهام محمد بنشعبون سفيرا للمغرب في فرنسا، الذي أوضح بلاغ لوزارة الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج أنه جاء بتعليمات ملكية، وأصبح ساري المفعول ابتداء من 19 يناير الماضي، وهو اليوم ذاته الذي أصدر فيه البرلمان الأوروبي توصية تدين المغرب بخصوص حرية الصحافة ومحاكمة الصحافيين.

وكان الملك محمد السادس قد عيّن محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية السابق وسفير المملكة بباريس، مديرا عاما لصندوق محمد السادس للاستثمار وذلك طبقا لأحكام الفصل 49 من الدستور، وباقتراح من رئيس الحكومة، وبمبادرة من وزيرة الاقتصاد والمالية نادي فتاح العلوي، وذلك بعد أسابيع من إعلان هيلين لو غال، سفيرة باريس السابقة، أواخر شتنبر الفارط، مغادرتها منصبها بعد أن شغلته لمدة 3 سنوات، وتكليفها بمهمة دبلوماسية جديدة من قبل “قصر الإليزيه”.

في هذا السياق يشير باروكي إلى أن إنهاء المغرب مهام سفيره محمد بنشعبون بدءا من 19 يناير 2023، وهو الموعد المتزامن مع إصدار البرلمان الأوروبي توصيته حول حرية التعبير والصحافة بالمغرب “رسالة من المغرب إلى فرنسا، لا سيما وأن العديد من المؤشرات تظهر علاقة فرنسا بتوصية البرلمان الأوروبي، رغم نفي فرنسا عبر سفيرها وجود هذه العلاقة، ذلك أن العديد من النواب الفرنسيين كان متحمسين وراء إصدار التوصية المذكورة”.

وأفاد الخبير في العلاقات الدولية نفسه أن إنهاء مهام السفير المغربي بفرنسا “رسالة غير مشفرة وواضحة من المغرب لباريس من أجل أن تحدد موقفها، ذلك أن المغرب وضع قاعدة لمجموعة من الدول مفادها أن قضية الصحراء المغربية هي النظارة التي ينظر من خلالها إلى شركائه، ما يدعو فرنسا إلى توضيح موقفها بشكل رسمي من قضية الصحراء المغربية”.

الجزائر وفرنسا.. نهاية “شهر العسل”

الأزمة الجارية بين الجزائر وفرنسا أبانت على هشاشة كبيرة في التقارب الذي أظهرته تحركات البلدين في الآونة الأخيرة، والذي يؤكد خبراء أنه جاء ردا على التقارب المغربي الإسباني، فعلى الرغم من التفاؤل الذي ظهر بعد اجتماع ماكرون وتبون، شهر غشت الماضي، غير أن العلاقات الفرنسية الجزائرية قوضت مرة أخرى وعادت إلى نقطة الصفر، بعد أن طفت على السطح قضية ترحيل المعارضة الجزائرية أميرة بوراوي من تونس نحو فرنسا بعد تدخل دبلوماسي من هذه الأخيرة.

وأشعلت القضية خلافا دبلوماسيا بين الجزائر وفرنسا، سحب على إثره الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون سفير بلاده، وهي الخطوة التي تأتي بعد أسابيع قليلة من زيارة سعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، إلى باريس وتوقيعه اتفاقية للتعاون العسكري والأمني، غير أن “شهر العسل” بين قصر الإليزيه وقصر المرادية سرعان ما انقلب إلى مأتم عند أول اختبار.

ورغم أن القرار الجزائر مشابه للموقف المغربي، بؤكد عبد العالي باروكي بأنه “لا يمكن بأي من الأحوال مقارنة الدبلوماسية المغربية بالدبلوماسية الجزائرية سواء في عراقتها أو أصولها أو مبادئها لأن الأمران مختلفان تماما”، مضيفا أن “ما قامت به الجزائر يهم الجزائر وما قام به المغرب يهم المغرب، وما قام به هذا الأخير لا علاقة له بالموقف الذي اتخذته الجزائر، خاصة وأن جاء على خلفية قضية ناشطة معارضة”.

وسبق للرئيسين الفرنسي والجزائري، أن أجريا مكالمتين هاتفيتين رفيعتي المستوى، مشيدين بـ”الصداقة” التي تجمع بين البلدين، وهي المكالمات التي توجت بإعلان الرئاسة الجزائرية عن زيارة مرتقبة لرئيس البلاد عبد المجيد تبون، إلى فرنسا في ماي القادم، هي الأولى من نوعها له منذ وصوله الحكم في 2019، لكن هذه الزيارة باتت قاب قوسين من الإلغاء بسبب المستجدات الأخيرة.

في نهاية غشت 2022، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجزائر، حيث ترقب الجميع أن تطوي الزيارة صفحة الخلاف العميق بين المستعمِر والمستعمَر السابقين، لكن التصريحات الرسمية حول التعاون بين البلدين سرعان ما تلاشت، حيث اتضح أن الصراعات الخفية بين البلدين لا تزال قائمة.

وفي الوقت الذي برز الخلاف بين الجزائر وباريس إلى السطح مع قضية المعارضة أميرة بوراوي، يتضح أن هذه الحادثة ليست سوى الشجرة التي تخفي غابة من العوائق وسوء الفهم الذي يقوض العلاقات الثنائية مرة أخرى، وذلك بالرغم من التقارب الذي حدث بينهما على حساب المصالح المغربية.

وتطرح أسئلة كبيرة حول مستقبل العلاقات الجزائرية الفرنسية، وما إذا كان مصير الزيارة الرئاسية لعبد المجيد تبون إلى باريس سينتهي إلى الإلغاء، لا سيما وأن مثل هذه الزيارات تسبقها بالضرورة العديد من الترتيبات الضرورية والاجتماعات، وهو الأمر الذي لن يتأتى في ظل ما سيخيم على العلاقات من جمود بسبب ما أفرزته قضية أميرة بوراوي.

دبلوماسية فرنسية غير مهيكلة

وحول التوجه الفرنسي الذي بات يخلق مجموعة من الأزمات في الآونة الأخيرة، تابع باروكي أن “الدبلوماسية الفرنسية باتت ترتكب مجموعة من الأخطاء، ومنها أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن خلال زيارته للجزائر بأنه سيزور المغرب، وهذا أمر لا يليق، لأن المغرب ليس ضيعة وإنما بلد ذو سيادة، إضافة إلى أن أعلى سلطة بالبلاد متمثلة في الملك هي التي تقرر من يزور المغرب ومن لا يزوره”.

ويرتكب ماكرون العديد من الهفوات التي أفقدت فرنسا كثير من نجاعة دبلوماسيتها، وذلك ما تجلى في رفض العديد من البلدان الإفريقية للتواجد الفرنسي، وتوجه بلدان إفريقية إلى الشراكات مع بلدان أخرى، خاصة مع كل من الصين وروسيا، إضافة إلى أن المغرب والجزائر الذين يعدان من أكثر البلدان ارتباطا بفرنسا أصبحا يرفضان العنجهية الفرنسية.

وبهذا الخصوص يوضح عبد العالي باروكي أن “دبلوماسية الرئيس ماكرون غير مهيكلة بشكل جيد وغير مبنية على أسس، وهذا ما تترجمه علاقات باريس مع الرباط، فبالرغم من أنهم أرسلوا سفيرهم إلى الرباط، وقامت وزيرة الخارجية الفرنسية بزيارة المغرب، ورغم العلاقات الاقتصادية التي يؤكد الفرنسيون أنها جيدة وأنها ارتفعت ب24 في المئة، لكن يبقى من الضروري أن توضح فرنسا مواقفها من الصحراء المغربية، وتفادي الوقوف وراء القرارات المناوئة للمغرب بالبرلمان الأوروبي.

وأوضح المتحدث أن “التصريح الفرنسي حول انعدام علاقتها مع توصية البرلمان الأوروبي وأن هذه القرارات نابعة من البرلمانيين الفرنسيين، إلا أن هؤلاء يمثلون الفرنسيين ويمثلون بشكل أو آخر الدولة الفرنسية داخل البرلمان الأوروبي، رغم أن مجلس أوروبا هو الذي يتكون من البرلمانات الوطنية، غير أن مواقف الكثير من الفرنسيين ورائها ما ورائها، ما يمكن أن نفهم منه أن هذا موقف شبه رسمي للدولة الفرنسية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News