دراسة برلمانية: الأسر المغربية لا تثق في “الحلول السلطوية” لتسوية الخلافات العائلية

كشفت دراسة سوسيولوجية حديثة أعدها مجلس النواب، حول “القيم وتفعيلها المؤسساتي تغيرات وانتظارات لدى المغاربة”، أن الأغلبية الساحقة من المغاربة يفضلون تسوية الخلافات الأسرية عبر أسلوب الحوار، بدل اللجوء إلى الحلول الأمنية والقضائية أو ما أسمتها الدراسة “بالحلول السلطوية”، لتجاوز المطبّات العائلية.
الدراسة الميدانية، التي تُعتبر الأول من نوعها في تاريخ المؤسسة البرلمانية، أوضحت أنه “عندما نتساءل حول المؤسسات والأطراف التي يُمكن أن تلجأ إليها المرأة لحماية نفسها من عنف زوجها، نجد أن المجيبين يضعون على رأس القائمة الأسرة وبوجه خاص الحوار مع الزوج مقترف الجرم، ثم أفراد عائلة الزوجة، فيما مثلت نسبة المقترحين لهذا الحل الأسري أكثر من ضعف نسبة المقترحين للحل الأمني والقضائي.
ويتمثل موضوع هذه الدراسة في تحديد أهم التغيرات القيمية التي حصلت في المجتمع المغربي الراهن، إضافة إلى اتجاهات وانتظارات المواطنات والمواطنين بخصوص مدى تفعيل القيم في المؤسسات العمومية والخاصة والمدنية من قبيل الأسرة، والمستشفى، والمدرسة، والمقاولة، والإدارة، والمحكمة، والجامعة، والإعلام، والجمعية.
وتشمل عينة الدراسة كافة جهات المملكة، وقد تم تقسيمها على خمسة مجالات بحثية يتضمن أربعة منها جهتين، ومجال بحثي خامس بجنوب المغرب يتضمن أربع جهات، مع مراعاة متغيرات الجنس، والوسط وفئة السن، كما تم توزيع أفراد العينة وفقا للحجم السكاني للمدن والجماعات القروية، مع الأخذ بعين الاعتبار مبدأ “الكثافة المؤسسية”.
ورأت الدراسة البرلمانية، التي تم إعدادها على على امتداد 10 أشهر تقريبا، بدء من شهر فبراير 2022، في تفضيل “الحل الأسري” على “الحل السلطوي”، دعوة ضمنية موجهة للقضاء، من خلال واجهة الأسرة، كي يقوم بتأطير ودعم الوساطة الأسرية التي بدونها سيكون من الصعب ضمان فعالية الحوار في نطاق الأسرة.
ومن المثير للانتباه أن من اقترحوا اللجوء للجيران والأصدقاء، وفق معطيات الدراسة، التي حصل “مدار21” على نسخة منها، لا تتعدى نسبة كل منهم 0.9 بالمائة، ومن المفاجئ كذلك حسب معطيات الدراسة البرلمانية، أن من اقترحوا اللجوء للجمعية لا تتعدى نسبتهم 5 بالمئة بالرغم من أن عدد الجمعيات النشيطة في هذا الميدان ليس بقليل.
وتعني مثل هذه الاتجاهات المعبر عنها تجاه الجيران، والأصدقاء والجمعيات، حسب المصدر نفسه، أن الأسرة تنكمش على نفسها وتفقد الثقة أو على الأقل تضع نفسها حدودا مع أشخاص كانوا إلى عهد قريب ملجأ بقصد المشورة والمساعدة وإزاء مؤسسات تتطوع وتتضامن خدمة للنساء ضحايا العنف.
وفيما يخص اتجاه أفراد العينة بخصوص ما يتوجب أن تكون عليه علاقات النوع بين الجنسين، فقد اتفقوا على مجموعة من الآراء من بينها، توزيع الأدوار بين الزوجين على أساس أن الرجل يبحث عن المال والمرأة تقوم برعاية البيت والأطفال، ومساهمة الزوجين معا في مصاريف البيت وأن حصول الزوجة على دخل أعلى من دخل الزوج يخلق مشاكل بينهما.
كما اتفقت عينة الدراسة التي تضم 1600 فرد، على أن الحصول على شغل هو وسيلة حصول المرأة على استقلاليتها، مع ضرورة تحمل الرجال لنفس مسؤوليات النساء في العناية بالبيت والأطفال، وعند قلة فرص الشغل، تعطى الأولوية للرجال في الحق في الشغل أكثر من النساء.
في المقابل، سجلت الدراسة أن المجيبين لم يدرجوا عددا من الآراء ضمن انتظاراتهم وآرائهم، حيث لم يتفقوا معها كما يتبين من خلال تحديد أفراد العنية، أن إعطاء الرجال الأولوية في التعيين في مناصب المسؤولية أكثر من النساء، مع ضرورة أن تكون القيادة السياسية وبشكل كبير بيد الرجل، ومنح الرجل الأب إجازة من العمل عند الولادة لرعاية الطفل مثل الأم، كما لم يتفق المجيبون عن أسئلة الدراسة البرلمانية على أن النساء هن المسؤولات عن التحرش الجنسي.
وقالت الدراسة، إنه بموازاة المكون الأسري التقليدي، بدأت الأسرة المغربية تشهد تنامي بعض مؤشرات الفردانية في نطاقها والتي نتجت عن انفتاح المجتمع المغربي على الحداثة في ميادين بناء هياكل الدولة وتشييد البنى التحتية واتساع نطاق العمل المأجور وانتشار التعليم والمؤسسات الصحية والإعلامية الكلاسيكية والجديدة وخروج المرأة للفضاء العام ومشاركتها في الحياة العامة والهجرة والتحضر.
وفي هذا السياق الجديد، يُلاحظ حسب الدراسة البرلمانية، أنه إذا كانت قيمة الطاعة تعلو فيما تحظى به من تأييد على قيمة التفاهم عندما يتعلق الأمر بالعلاقة القائمة بين الأطفال والوالدين، فإن الكفة تنقلب لصالح قيمة التفاهم عندما يتعلق الأمر بالعلاقة بين الكبار والصغار في الأسرة، وخصوصا بالعلاقة بين الزوجين حيث يصير التفاهم القيمة الأكثر تأييدا.
وبخصوص القيّم التي يتعين تنشئة الأطفال عليها، كشف الدراسة السوسيولوجية، أنه يتم تفضيل قيمة مدعمة لسيرورة الفردانية مثل المسؤولية والتسامح واحترام الآخر، و الاستقلالية والعمل بجدية، على أنه لم يتم اختيار التربية على المساواة بين الجنسين وتجنب الأنانية سوى لدى نسبة محدودة من المجيبين.
وبالنظر إلى أن تنمية المجتمع تقتضي تقليص الفوراق بين الجنسين ومراعاة مشاعر وحاجيات الآخرين، رأت الدراسة البرلمانية، أنه من اللازم تكثيف التوعية بأهمية قيم المساواة والغيرية وتنشئة الأطفال عليهما.
وينتظر أغلب المجيبين، وفق للدراسة المذكورة، ألا تظل الحياة الأسرية محصورة في المجال المنزلي، بل أن تصير منفتحة وممتدة نحو الفضاء الخارجي، في شكل خرجات جماعية أسبوعية في الأغلب أو شهرية عند الضرورة، وتتعدى نسبة المعبرين عن هذا الانتظار بالنسبة للأسرة ثلاث مرات نسبة المعبرين عنه بالنسبة لجماعتي الدراسة والعمل.