رأي

المنتخب الوطني المغربي: دروس في التربية والأخلاق

المنتخب الوطني المغربي: دروس في التربية والأخلاق

أومن دائما أن النجاح هو نتاج وحصيلة جهد متواصل وعمل منظم، وهو ليس ضربة حظ تأتي فجأة وعلى حين غرة من صاحبها.. ولا بد أن يكون هذا الجهد وهذا العمل مشفوعا بالإحساس بالثقة مدفوعا بالإرادة القوية مزودا بالإيجابية والطموح لتحقيق الهدف المنشود.. إنه إحدى رهانات التربية على القيم  أن يكون النجاح تتويجا للمجهودات المبذولة بعيدا عن تلك المدلولات التي تحصره في الجانب المادي فقط ( الثراء، الشهرة…) كمظاهر تعكس اختلال منظومة القيم وسطوة الأنانية والنزعة الفردانية.

لقد قدم المنتخب الوطني المغربي ومدربه الفذ وليد الركراكي نموذجا باهرا للنجاح زحزح تلك النماذج البائسة التي صارت تحتل رقعة أحلام أطفالنا ويافعينا وشبابنا مما باتت تقدمه كائنات عديمة الذمة ـ لا تملك من الحس الوطني والأخلاقي شيئا ـ من صور التفاهة والميوعة بكل أصنافها في العديد من مواقع التواصل الاجتماعي .. لاعبون مدججون بوطنية عالية  وروح جماعية قتالية وإرادة صلبة لتحقيق حلم الفوز بالكأس الذهبية الذي ما عاد مستحيلا .. ومدرب كفء يتحلى بروح التحدي وزرع الأمل ورفع سقف الطموح والأحلام ويمتلك حسا تواصليا سليما ومحفزا للطاقات لا مجال معه للاستعلاء والرياء والنفاق، من حسناته أن رد الاعتبار للكفاءة المغربية ونزع عنها مفعول العقلية المهزومة، مرددا في كل محطة من المحطات التي يقبل عليها في هذا العرس الكروي الكبير لازمة ” النية ” التي لا يقصد بها شيئا غير الإرادة الحرة والطاقة الإيجابية والتفاؤل والإيمان بالنصر كما ترجمتها تلك النتائج المبهرة التي حققها مع الفريق الوطني هنا في قطر قبلة عشاق الكرة المستديرة في العالم كله.

ما قدمه المنتخب الوطني المغربي في لحظات المتعة الكروية التي صنعها مونديال قطر وصنعتها أقدام لاعبينا وهم يواجهون أعتى الفرق الكروية العالمية ويدحرونها، هي دروس رفيعة في التربية والأخلاق أكبر وأقوى مما تقدمه آلاف الخطب والمواعظ الرتيبة عن الوطنية والأخلاق، وأشد وقعا وتأثيرا من عشرات الحكايات والسير عن النجاح ومساراته الوعرة.. فخلف هذه الفنيات البديعة والمراوغات الساحرة التي تشق صفوف الخصم على أرضية الملاعب ووسط هتافات وأصوات الجماهير الصادحة حكايات وحكايات لا يتأفف هؤلاء اللاعبون من سردها فخورين بامتلاكهم للإرادة والعزيمة والقدرة على تحدي الصعاب والمحن التي تمثل أحيانا كثيرة عاملا محفزا للانطلاق نحو تحقيق النجاح. فالنجاح لا يتحقق إلا بالعمل والمثابرة والتسلح بالكفاءة والثقة، ويصعب تحقيقه إذا تسرب إليه التفكير السلبي والتشاؤم والشعور بالدونية وطغيان النزعة الفردانية.. وهي نفسها تلك الدروس والقيم التي لا يمل ولا يكل من بثها وترسيخها في نفوس المتعلمين أولئك المدرسون المبدعون صناع النجاح والأمل يوميا من خلال ممارستهم التربوية المتبصرة وعملهم الجاد و سلوكهم وتصرفاتهم منتصرين بذلك للرهان الذي يتطلع إليه كل وطني غيور على وطنه أن تكون المدرسة ومعها كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية حاضنا للتربية على القيم وترسيخ السلوك المدني، متحدين في ذلك إكراهات ما يفرزه اختلال منظومة القيم في المجتمع وما صار يتسرب إلى فضاءاتها من مظاهر الهشاشة الأخلاقية.

لقد نجح المنتخب المغربي لأن لاعبيه سخروا كل إمكانياتهم وكفاءاتهم ووجدوا مدربا يملك من الخبرة والذكاء والجاذبية الأخلاقية ما جعله يبني فريقا منسجما يلعب بروح جماعية متطلعة إلى الفوز نهاية كل مباراة.

صور أخرى جميلة من هذا المشهد البانورامي المغربي البديع هي تلك التي جمعت اللاعبين بآبائهم وأمهاتهم وزوجاتهم في مدرجات ملاعب الفرجة الكروية العالمية أو على أرضيتها.. لقد رسموا لوحات فنية جميلة تختزل كل معاني الاعتراف والنبل والحب والبر وتستوحي القيم الأصيلة بذلك الصنع المغربي الخالص.. فالأم مدرسة الحب والحياة والعطاء بلا حدود تستوجب تقبيل رأسها وجبينها ويديها على مرأى من العالم كله في لحظة انتشاء بالفوز الذي كان، ولا شك في ذلك، لهؤلاء الأمهات نصيب فيه.

لابد إذا، من التقاط  دلالات هذه اللحظات التاريخية الجميلة بما تحمله من صور الشموخ المغربي  والقيم الأصيلة وما تبثه من رسائل دعم الثقة في طاقات ومؤهلات شبابنا وصقلها والارتقاء بها، وخلق الشروط المجتمعية السليمة التي تضمن استمرارية هذه النجاحات وسريانها في كل مناحي الحياة العامة في بلدنا: في الثقافة والعلم والفن.. في كل شيء تتحقق معه كرامة الإنسان المغربي.

 

-أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News