سياسة

وزارة للتواصل دون نتائج.. فهل يعيد التعديل المرتقب التسويق الحكومي للناطق الرسمي؟

وزارة للتواصل دون نتائج.. فهل يعيد التعديل المرتقب التسويق الحكومي للناطق الرسمي؟

عندما تم إعلان تشكيلة الحكومة قبل سنة، استبشر الكثيرون خيرا عندما ضمت من جملة الحقائب، واحدة تهم التواصل الحكومي المسندة إلى الوزير محمد مهدي بنسعيد؛ بالإضافة إلى الشباب والثقافة، والتي إن أضيفت إلى حقيبة الناطق الرسمي، نصبح أمام وزارتين. لكن مع مرور الأيام اختفى التواصل الحكومي أو على الأقل سجِّل عجز كبير فيه.

وبسبب غياب التواصل وجهت انتقادات كثيرة للحكومة، بسبب ما يصفه البعض بالصمت المبالغ فيه الذي واجهت به مجموعة من الملفات، ففي كل مرة يُطرح موضوع على ساحة النقاش العمومي، يختفي المسؤولون الحكوميون وتغيب الرواية الرسمية والتفسيرات اللازمة تاركة مساحة للخطاب المضاد، ما يطرح علامات استفهام حول التواصل الحكومي الغائب.

ويستغرب الكثير من المتتبعين من الأسلوب التواصلي الذي تعتمده الحكومة، الذي افتقر في كثير من الأحيان إلى القرب من المواطنين والقدرة على الإقناع، حتى أصبحت خرجة رئيس الحكومة أو أحد الوزراء مطلبا جماهيريا وحدثا في حد ذاتها، بغض النظر عن الموضوع الذي تناقشه، الشيء الذي أثار انتقادات كان بالإمكان تفاديها بخرجات منتظمة تجيب على الأسئلة التي تؤرق بال المتتبعين للوضع السياسي.

ويجمع متتبعون على أن التواصل الحكومي شبه مفقود، ما جعله محل انتقادات، حتى من طرف الذين يعقدون الأمل على النَفَس الإصلاحي للحكومة. ولعل المثير هو أن طرح هذه الانتقادات يتم في ظل توفر الحكومة على كل من وزارة الشباب والثقافة والتواصل التي يرأسها محمد المهدي بنسعيد من جانب، إضافة إلى الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، والمعول عليه هو أن ينهي التعديل الحكومي هذه الإزدواجية لإعادة التواصل إلى “لسان الحكومة” وناطقها الرسمي كما كان في جل التجارب الحكومية السابقة.

وبالرغم من الخرجات التي قام بها عدد من الوزراء، وأكثرها كان لقراءة بلاغات المجلس الحكومي أو سرد أرقام جافة حول الإنجازات، إلا أن التواصل الحكومي ظل غير مقنع في الغالب. إضافة إلى أن أغلب وزراء حكومة أخنوش يفضلون الابتعاد ما أمكن عن ساحة الأضواء والنقاش العمومي، مبالغين بذلك في الاختفاء، علما أن المسؤولية السياسية تقتضي خروج هؤلاء إلى الضوء وتحمل المسؤولية في نتائج التوجهات الحكومية.

وتذهب بعض التحليلات إلى أن تسجيل غياب الوزراء عن ساحة النقاش العمومي، وحضور حسابات تحمل الكلفة التواصلية من طرف أحزاب التحالف الحكومي، يجعل ثقل التواصل على رئيس الحكومة أكثر من غيره، لا سيما بعد أن أصبح تواصل هذا الأخير مطلبا من طرف المواطنين، بعد تسجيل غيابه عن ساحة النقاش وحضوره القليل ضمن جلسات المساءلة الشهرية بالبرلمان، الأمر الذي كان مصدر نقاشات حادة بين فرق الأغلبية والمعارضة بالبرلمان.

نقاشات غابت عنها الحكومة

وغابت الحكومة عن النقاشات التي أثيرت حول تسقيف أسعار المحروقات، التي توجت بحملة إلكترونية استمرت لأسابيع، في وقت تعاملت الجهات الرسمية ببرود شديد مع هذه الأزمة، مفسحة المجال أمام خرجات برلمانيين التي زادت من تعقيد الوضع بتصريحات غير محسوبة وإطلاق اتهامات مجانية أعطت في الكثير من الأحيان مفعولا عكسيا، إضافة إلى غياب الحكومة عن نقاش أزمة غلاء الأسعار التي أطلق نشطاء هاشتاج “لا لغلاء الأسعار بالمغرب” بسببها، دون أن تقدم الحكومة أي توضيحات في الموضوع.

وغير بعيد عن ملف المحروقات، سُجّل كذلك ضعف تواصلي فيما يتعلق بمصفاة التكرير “لاسامير”، لا سيما بعد تضارب تصريحات ليلى بنعلي وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، بخصوص أهمية المصفاة وإمكانية إعادة تشغيلها، إضافة إلى ذلك سجل افتقار الحكومة للتواصل الكافي فيما يخص أزمة غلاء الأسعار، الأمر الذي ضاعف من الانتقادات الموجهة للحكومة في سنتها الأولى، مع استحضار عديد النقاشات التي توارى فيها الخطاب الرسمي الحكومي عن المشهد.

“من أجل تقييم السياسة التواصلية للحكومة يجب أولا أن تتوفر على سياسة تواصلية، وهذا لعمري شيء يصعب كثيرا تأكيده في الحالة المغربية”، هكذا يلخص مصطفى اللويزي، الأستاذ الجامعي المختص في علوم الإعلام والتواصل، في تصريحه لـ”مدار21” وضعية التواصل عند حكومة عزيز أخنوش، مضيفا أنه “غالبا ما يتم التعرف على معالم السياسة التواصلية عبر نوعية الآليات المستعملة، طبيعة الفاعلين المتواصلين وكذا طريقة تواصل هؤلاء، كما يتم تحديد ماهية تواصل الحاكمين عبر نوعية حضور المستقبِل، أي المحكوم، في هذا التواصل، أي هل لديه حضور المتفاعل النشيط، أم المستهلك الباهت والسلبي لرسائل الحكومة؟”.

ويتابع اللويزي أنه “سنة من عمر الحكومة الحالية كانت كافية لتقييم سياستها التواصلية، إذ يمكن القول مجملا أنه خلال هذه السنة التي مضت لم تظهر لنا بالملموس أية خطة ولا سياسة في المجال، بل شكل التخبط سيد الموقف”، مضيفا أن هذا “لا يعني أن الحكومة لا تتوفر على أناس متواصلين، بل بالعكس، عدد كبير منهم درس المادة واستعان بخبراء في المجال وساير كبريات المؤسسات في المجال”.

من جهة أخرى يرى الصحفي يونس دافقير، رئيس تحرير جريدة الأحداث المغربية، في تصريح لـ”مدار21″، أن “الحكومة لا تتقن تسويق منتوجها، ولا تدخل في لحظات القلق الاجتماعي لأخذ حصتها من سوق الخطاب للشرح والتوضيح”، مضيفا “هناك تفهم عام للظروف الموضوعية لأزمة الأسعار، لكن الناس سجلت مؤاخذة رئيسية، الحكومة لا تتواصل معهم، لا في الإنجازات ولا في المشاكل المطروحة”.

وأفاد دافقير “هناك شعور ما بالتردد، وغياب الحماس، والاستكانة إلى نتائج الانتخابات والوضعية المريحة للأغلبية عدديا”، مضيفا “ربما هو اختيار سياسي، ينسجم مع مقاربة “العمل في صمت”، لكن هذه القاعدة تصلح في الظروف العادية ربما، بينما نحن في لحظة استثنائية تتطلب منسوب تواصل استثنائي. وهذا غير ملموس حتى الآن”.

هفوات تواصلية

ويشير مصطفي اللويزي، صاحب كتاب “أزمة التواصل وتواصل الأزمة”، أنه “يكفي أن نسوق إشكال المحروقات لكي نسجل عدم وجود تواصل أزمة، في الوقت الذي يكثر فيه الطلب على المعلومة وترتفع الأصوات المتسائلة عن طبيعة الإشكال، وحيثياته الوطنية والدولية”.

الأنكى من ذلك، يضيف الأستاذ المختص في الإعلام والتواصل، أنه “يحصل أن مسؤولين حكوميين يدلون في فترة زمنية قصيرة بتصريحات متناقضة مثل ما حصل مع وزير الصحة، الشيء الذي يخلق تشويشا في عملية الإيصال، وبالتالي خلق غموض، يساهم بدوره في إعطاء صورة قاتمة عن العمل السياسي وينفر أكثر المواطن عن الشأن العمومي”.

ويتابع اللويزي “كما أن التزام الحكومة الصمت في فترات الطلب الشعبي على المعلومة، يغدي أكثر الشائعات”، مشددا أن أخذ مدير وكالة المغرب العربي للأنباء الكلمة، من خلال مقال، لشرح حيثيات ارتفاع الأسعار في مجال المحروقات، شكل “حدثا سلبيا في أسلوب تواصل الحكومة”.

فشل وصفة المؤثرين وشركات التواصل

بالنسبة للصحفي يونس دافقير فالتواصل الحكومي المطلوب “ليس هو ذلك الذي يمر عبر شركات التواصل، أو المكلفين بالمهمة، أو ذلك التي يتم في مناسبات عابرة كجلسات البرلمان”، مشددا على أن “التواصل يجب أن يكون عبر خطاب حكومي بنفس سياسي، ويكون دائما ومستمرا”.

ويؤكد دافقير في السياق نفسه أن “هذا التواصل، لا يجب أن يقتصر على الوزراء أو رئيس الحكومة، لأن هناك سؤالا حول حالة غير مفهومة: نحن أمام غياب شبه تام لأحزاب التحالف ومناضليها، عن إنتاج خطاب سياسي يسوق منتوجها كتحالف”، وهو المعطى الذي يكشف كذلك تقصيرا من طرف أحزاب الأغلبية وأعضائها في البرلمان عن لعب الأدوار المنوطة بهم.

ويسجل مصطفى اللويزي في هذا الصدد أنه “مع النقص المرعب في التواصل، لجأت الحكومة لوصفة شركات التواصل والمؤثرين وغيرها… ما جعلها تسقط دون وعي في البروبغاندا أكثر منه في التواصل، إذ أن هؤلاء غير ملمين وملمات بقواعد المعالجة الصحفية، ولا بتقنية الرأي والرأي الآخر ولا بطرح قضايا الشأن العام في الساحة العمومية للنقاش من خلال استطلاعات، روبرتاجات، حوارات ولما لا تحقيقات”.

مع هذا الوضع، أصبح المنتوج التواصلي وفق مصطفى اللويزي “عبارة عن تلميع لصورة القطاعات الحكومية أكثر منه تسليط للضوء على ملفاته الأساسية”، وهذا يدل مرة أخرى، وفق المتحدث نفسه، على “عدم وجود سياسة تواصلية، بل مجرد بنيات إدارية تتواصل بشكل حدثي ظرفي طارئ. فالهدف إذن هو خلق “الضجيج” الإعلامي حول قضية ما، وليس تفاعل إعلامي مسؤول وفعال”.

فرقعات تواصلية ولغة الخشب

بات من المثير الحديث عن غياب التواصل الحكومي داخل حكومة تتوفر على وزارتين، إذ أن تواجدهما كان من المفروض أن يؤدي إلى وفرة في الرسائل التواصلية تشبع حاجيات المواطنين من المعلومات والرسائل السياسية، بدل حالة النقص المهولة التي يعيشها المشهد السياسي المغربي.

في سياق تشخيص هذه الحالة، يذهب الصحفي يونس دافقير إلى أن “وزارة الثقافة والتواصل هي التجسيد النموذجي لمقاربة تواصلية تعتمد على فرقعات الخطاب التواصلي اللحظي، تلك التقنيات والفرص التي يقدمها خبراء التواصل بمعزل عن محيط للوزارة الاجتماعي والثقافي، وحتى السياقات السياسية للمجتمع”.

ويلخص دافقير الوضع قائلا “في الواقع، لا يقدم وزير الاتصال تسويقا للعمل الحكومي، ولا لمشروع ثقافي متماسك، من الواضح أن السياسة التواصلية للوزارة تقوم على الـbuzz الشخصي”.

وفي المقابل، يضيف دافقير “لم يستطع الناطق الرسمي باسم الحكومة أن يتفوق على الترددات ولغة الخشب التي يفرضها عليه نوع من الفهم للتوازنات”، مشيرا إلى أن الندوات الأسبوعية أصبحت “روتينية، ولا تعكس حرارة ما يجري من نقاشات”.

ويفسر دافقير “يبدو ذلك مفهوما، الناطق الرسمي هو امتداد لرئيس الحكومة وخياراته في تواصل أقل وبدون صدامات، قد يكون هذا اختيارا وتقديرا، لكنه يترك فراغات لانتشار الخطاب المضاد”.

وينتهي دافقير إلى أن الوزارتين لم تعكسا “دينامية العمل الحكومي ولن تشرحا صعوباته”، متسائلا “لما تتعطل هاتان الآليتان، نتساءل: بماذا ستتواصل الحكومة؟ إننا نفهم الآن لماذا ينزل ثقل الانتظارات التواصلية على رئيس الحكومة وحده”.

في السياق ذاته يؤكد مصطفى اللويزي أن “الحكومة تتوفر على بنيتين مسؤولتين عن التواصل، وزارة الاتصال والناطق الرسمي.. دون تحقيق المراد، فالأمر غير مرتبط بعدد وحدات الإرسال، بل بماهية السياسات العمومية المتبعة عموما وطبيعة العلاقة بين المرسل والمرسل إليه”.

ويشدد اللويزي أن “اتباع سياسة تواصلية يستهدف عموما تحسين جودة السياسات العمومية المتبعة وتقريبها من المواطن، كحلقة مركزية لهذه السياسات. فكل تواصل حكومي يعتبر ربطا لعلاقة مع مستقبل يفترض أنه مواطن معني بالسياسات العمومية. لهذا، كان لازما أن يكون هذا التواصل مبنيا على قواعد أساسها الشفافية، البساطة في الإيصال، التركيز حتى لا يتم تعويم القضايا في حشو كلامي غامض”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News