رأي

حيرة جدلية دولة الحق والقانون في وطننا الحبيب

العزوزي

حين ترجع بنا الذاكرة إلى رحاب الجامعة حيث كانت مرجعياتنا في كل شيء قبل أن يسحب منها كل هذا الشيء، نكاد نعيش حقا نوعا من النكوص الفكري الذي لا ندري كيف سلب منا في زمن قياسي بطرق مباشرة وغير مباشرة، ربما مفسدة الاصلاح الجامعي يتحمل وزعماؤه مسؤوليات جسام وهم يحصدون أمال اجيال وجدت نفسها تشبه كما تقول الحكمة:” تبحث عن قطة سوداء في حجرة مظلمة ولا وجود للقطة على الاطلاق..” أكيد درسنا عند جهابذة المفكرين الكبار، وأحالونا على مراجع كونية من خلالها تعلمنا وأدركنا مفهوم” دولة الحق والقانون في الغرب أولا، وحاولنا، عفوا حاولوا استنساخه في العالم العربي بشكل غرائبي..

أكيد أن دولة الحق والقانون في الغرب اعتمدت على ركائز وأسس أساسية لا يحق لكائن من كان تجاوزها، ففي مثل هذه الدول يسود حقا مبدأ التدرج القانوني بعيدا عن الاعتباطية الفجة، وفي هذا الاطار ومع الأسف الشديد، شببنا على الطوق على مرجعية واحدة تتمثل في النموذج الفرنسي الذي تبين مع مر الأيام أنه بدأ نفسه يعترف أنه أصبح متجاوزا، وخير دليل على ما نقول ما عاشته من أحداث أخيرة مع السترات الصفراء؛ أجل،علمتنا أن من ينظر بعين واحدة عليه أن يتريث قبل أن يصاب بعمى الألوان. وهكذا نهلنا ما نهلناه في كل ما يتعلق بحقوق الانسان الفرنسية وما اصدرته في هذا الشأن الثورة الفرنسية، والذي اعترف حينها للفرنسيين بحقوق طبيعية غير قابلة للتنازل عنها لأنها تدخل في المقدّس، وبعد هذا الحدث الاستثنائي آنذاك أتي دستور عام 1958 للجمهورية الخامسة، ثم تلاه تنزيل القانون، وصولا إلى قرارات الهيئة التنفيذية؛ وحين نتدبر هذه التفاصيل من الترسانة القانونية بل ونتبجح بها ونحن نستشهد بفرنسا، ففي حقيقة الأمر كنا ولا زلنا نجتر نفس هوس القانون الفرنسي ومخرجاته، فغالبا ما تجدنا نستشهد بها في مواقف شتى وبطرق ببغاوية، والحال أننا نكون بصدد مقارنات غريبة تقربنا من النموذج الذي لا نشعر فيه بغربة ولا غرابة، وهذا لا يمت بصلة لواقع الحال، أقصد واقعنا طبعا، لأن الأمر وبكل شفافية مطلقة يدخل في شأن كل دولة كانت مستعمرة بأخرى ورسخت فيها ما رسخت، إن طوعا أو كرها وغالبا ما يكون الأمر كرها علما أن فاقد الشيء لا يعطيه؛ وكلنا يعلم أن هناك مبادئ أثرت فينا وفي حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والقانونية، والثقافية، حيث لا تترك لنا صحوة الاجتهاد انطلاقا من مرجعياتنا دون الانسلاخ عن المرجعيات الكونية شأننا شأن الدول التي تسعى أبدا إلى تطويع هذه المبادئ لواقعه المتميز عن غيره بخصوصيات نعتبرها عادية بل هي بمثابة استجابة شرطية لهذه الخصوصيات، ويستحيي المرء أن ينعتها بالاستجابة الشرطية البافلوفية..

ولعل التدرج في هذا الشأن شأنه شأن التحريم فيما يخص الخمر إذا ما جاز لنا القيام بالقياس على اعتبار أنه مصدر من مصادر التشريع في الاسلام والذي يعتمد أصلا على الاجتهاد؛ وكلنا يعلم أن التحريم في هذه النازلة جاء بالتدريج نظرا لتشبث العرب به، والتدرجية للقوانين تضمن أن السلطة تكون مقيّدة بقواعد الدستور، فالحاكم لا يمارس سلطته إلا طبقا لأحكام الدستور، وعليه احترام ما فوّض له من صلاحيات وعدم تجاوزها، وإلا اعتبرت أفعاله غير دستورية وباطلة لعدم خضوعها للقواعد الشرعية، والتحريم كما نعلم لم يكن صريحا في كثير من النوازل، بل كان اجتهاديا، والحال أن النحو فصل فيه بدقة على حد قوله: صيغة الأمر تفيد التحريم ” فاجتنبوه لعلكم تفلحون”.

وهكذا، يظهر لنا وبوضوح في دولة الحق والقانون كائنا من كانت، توجد أولويات من شأنها ضبط السلطة، التي تعمل على منعها من الاعتداء على حرية المواطنين وحقوقهم وواجباتهم، أو الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون. ولعل سعي المفكرين سيما المتخصصين في مجال القانون إلى جانب الباحثين الأكاديميين وجنبا إلى جنب مع السياسيين وصولا إلى المجتمعات المدنية، جلها تبنت مبدأ فصل السلط، وإيجاد آلية العمل كل منها يعتبر ضمانة وصمام أمان  لعدم الإخلال والتجاوز على حقوق الأفراد والجماعات، وعدم تجاوز سلطة على حساب الأخرى كما كان الشأن في السابق حين كانت وزارة الداخلية والإعلام في يد إنسان واحد، فكان ميلاد معجزة ثامنة لا يمكن تصديقها من أي كائن عاقل، حيث أن الإعلام والداخلية شأنهما شأن خطان متوازيان لا يلتقيان أصلا، فما بالك بهذا الزواج الكاثوليكي السريالي؟ وهنا عشنا وعاش المغاربة حقبة استثنائية حيث كانت السلطة مانعة لقيام سلطة أخرى بالنزوع نحو التسلّط وتجاوز صلاحياته. فعاش مغربنا مع الأسف الشديد غرابة السلطة حسب تعبير منتسكيو في فصل السلط. وفي هذا الصدد بالذات، علينا أن نعترف أن للقانون منابع شتى، وكثيرا ما نجبر على عدم المقارنة المطلقة نظرا لخصوصية كل دولة على حدة.

وهكذا، يكون من باب أولى وأحرى التحدث عن دولة القانون حيث مبدأ المساواة أمام القانون ينطلق من كون الإنسان مهما كان أصله أو دينه أو لونه أو رأيه السياسي والفكري أو أصوله الاجتماعية، قيمة في ذاته، ووجود السلطة هو لأجل حمايته وتوفير الحريات له خارج كل التأويلات المجانية؛ وفي هذا الاطار أيضا، لا يمكن انكار أن المغرب عاش هذا شكلا لكن مضمونا وكان يخضع لمزاجية لا يمكن الوقوف عندها طويلا مع استحضار أمثلة لا تشرف أصحابها الذين كانوا يزاولونها وكأنهم خارج القانون الذي يجب أن يخضع له الجميع، وبالتالي تلقي بنا هذه الأشياء إلى ما نعيشه من فوضى الاجتهاد فيما هو لا يقبل الاجتهاد أصلا، وفي كثير من الأحيان المتجاوز لهذه الترسانة القانونية لا يشعر بالمسؤولية التي تقبل إطلاقتيه في أمور هي أصلا مقيدة بفعل القانون الذي يسري على الجميع؛ وهذا بالذات ما يجعل المنظمات الدولية تنتقدنا وكأننا في حل من المواثيق الدولية التي وقعنا عليها أمام أنظار العالم.

ولا غرابة أن نعاين الدول وهي توفر حقا مبدأ القانون المساواة للجميع وترسخه أمام سلطة القضاء أفرادا عاديين ومسئولين، ولا يمكن في هذا المجال الوقوف عند استثناءات معينة أو امتيازات شخصية مبررة، وفي هذا الصدد أيضا يتحتم الوقوف عند مبدأ المساعدات القضائية أو المساعدة المادية للناس العاديين الذين لا يستطيعون التقاضي أمام القضاء لأسباب مادية، وهذا ما يسمى بالقضاء المجان؛ وللإشارة فقط، علينا أن نعترف على أن قانوننا يعتبر من القوانين الرائدة دوليا، لكن المشكل يبقى في التنزيل الذي يبقى لغزا بيزنطيا وهو بيت القصيد.

 

تعليقات الزوار ( 8 )

  1. Peux tu notre cherpro nous traduire certains
    de vos articles..
    Sachant bien que votre présence à Lyon reste pour moi dans la mémoire tatouée

  2. مع الأسف ارسلت ابتسامات طويلة حول الباحث ولم تنشر وهي أصلا تعريفا عميقا بجوانية الباحث المتميز ومدى تعدد ثقافات بالعربية والفرنسية والإسبانية الأمازيغية..

  3. الدكتور عبد السلام، من خلال هذا المنبر الذي أرسله لي اخونا عمر السيد اكتشفت كتاباتك التي غابت عني منذ أن طلقت الفيس الذي كنت تمنعنا به، وحين قرأت مقالك تذكرت مواقفك التي بقيت كما عرفناها فيك أيها المناضل الكاريزمي، ليس غريبا أن تكون كذلك وابوك عمي الحاج رحمه الله كان مقاومة شرسا وأنجب لنا مناضلين السي محمد في الحزن الاشتراكي الموحد، وفاطمة الزهراء مديرة السيدة الحرة بالشئون وعضوة في حقوق الإنسان.. فقط كيف لي أن تتوصل إلى كتبك وانا في الجبهة الجنوبية اواجه غطرسة الأعداء ولا أجد ما اقرا؟

  4. Vraiment c’est un articlequi dévoilé notre réalité déplorable..Dr fizazi que je connaisdepuis les années reste toujoursun
    vraimilitant intelectuel, il n’a jamais besse
    Les bras et sa plume engendre sans cesse ce que revendique les opprimés..

  5. عفوا قيل لي ان التعليقات حول المقالين لا تنشر، ولهذا أتساءل ما جدوى إبداء الرأي سيما إذا تعلق الأمر بباحث نقرأ له في منابر غربية وتصلنا تعليقاتنا كما تصل الباحث.. أخبرت الدكتور وتعجب لهذا الأمر.. ترى البيت لديكم لجنة تقييم المقالات؟

  6. شكرا لصديقي جميلة التي مدانين بهذا الرابط الذي يتعلق بمقال باحثا الكبير الذي مقدره في فرنسا لأنه ينتمي أولا المرصد الهجرة وثانيا المرصد الإعلام وطالما استقبلناه في جامعاتنا وخصوصا بدار المغرب، أنه باحث من العيار الكبير وشكرا لأنك عرفتني على هذا المنبر الذي سأعمل على نشره مع اصدقائي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News