اقتصاد

“مغرب السرعتين”.. رؤية ملكية لكسر الفوارق المجالية وقلب موازين التنمية

“مغرب السرعتين”.. رؤية ملكية لكسر الفوارق المجالية وقلب موازين التنمية

في ذكرى عيد العرش، أكد المغرب وحدة مساره التنموي، مستندًا إلى رؤية ملكية بعيدة المدى وخيارات استراتيجية صائبة ضمن إطار سياسي ومؤسساتي مستقر، وقد حقق الاقتصاد الوطني نسق نمو ثابت ونهضة صناعية متسارعة انعكست في مضاعفة الصادرات منذ عام 2014، غير أن القلق الملكي ظل حاضرًا بشأن استمرار الفوارق المجالية والاجتماعية، خصوصًا في القرى والمناطق النائية التي ما تزال تعاني من هشاشة البنية التحتية وضعف الخدمات الأساسية.

وفي هذا السياق، شدد العاهل المغربي على أن “لا مكان لمغرب يسير بسرعتين”، داعيًا إلى مقاربة تنموية جديدة تقوم على الاندماج المجالي وإحداث تحول حقيقي في التأهيل الشامل للمجالات الترابية، بهدف تعميم ثمار التقدم الاجتماعي والاقتصادي على كل الجهات، وإطلاق مسار قوي للإقلاع الشامل يضع حدًا للفوارق ويحقق نموذجًا وطنيًا متوازنًا، لتصبح التنمية شاملة ولا تقتصر على الأقطاب الكبرى.

ويعتبر أمين سامي، الخبير في التخطيط الاستراتيجي، أن تقليص الفوارق بين مراكز النمو والمناطق الداخلية يمثل رافعة إنتاجية مباشرة للاقتصاد الوطني، ويوضح أن الأثر الاقتصادي لهذه العملية يظهر أولًا في تحسين تخصيص عوامل الإنتاج من خلال توجيه جزء من الاستثمارات إلى جهات ذات تكاليف أقل وبنية تحتية مناسبة، ما يرفع كفاءة الأرض والعمل ورأس المال ويعزز مردودية الاقتصاد.

ويضيف سامي أن توسيع قاعدة المقاولات في الجهات المتأخرة مكانيًا يمثل خطوة ثانية، إذ تظهر الخرائط الاقتصادية تمركز المؤسسات في الأحزمة الحضرية الكبرى، بينما تتيح المناطق الداخلية فرصًا ضخمة للتنمية، كما أن خفض اختناقات السلاسل اللوجستية عبر ربط هذه المناطق بموانئ الأطلسي والمتوسط يؤدي إلى نمو غير فلاحي أعلى واستدامة أكبر في التشغيل، مما يفتح آفاقًا جديدة للنشاط الاقتصادي.

ويرى الخبير، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب سياسات عملية لتوزيع النمو بشكل متوازن، من أبرزها تفعيل الحوافز الترابية ضمن ميثاق الاستثمار عبر اعتماد آلية تلقائية لصرف المنح حسب تصنيف الأقاليم وربطها بمؤشرات الناتج المحلي والتشغيل والقيمة المضافة القابلة للتصدير، مع مراجعة سنوية للتصنيف، كما يقترح اعتماد عقود أداء جهوية للاستثمار تربط كل جهة بسلة مشاريع ممولة بمزيج من المنح والقروض التنموية والصناديق القطاعية.

ويشدد سامي على أهمية بناء ممرات لوجستية وصناعية تربط الداخل بالموانئ، مستفيدة من مشاريع طنجة المتوسط والناظور ويست ميد والدخلة–أطلنتيك، لما تمثله من خطوة أساسية لتعزيز الربط الصناعي والطاقي، كما يوصي بتخصيص حِزم مهارات وابتكار مكانية مثل “قسيمات مهارات” للمستثمرين خارج الأقطاب، وإنشاء “مسرّعات قطاعية” مرتبطة بالطاقة المتجددة والصناعات التصديرية، إضافة إلى حوكمة بيانات ترابية بمؤشرات موحدة لتوجيه الحوافز ومتابعة الأثر على المؤسسات والساكنة والتشغيل.

ويشير الخبير أيضًا إلى ضرورة استثمار الموقع الجغرافي المتعدد الأقطاب للمغرب عبر ربط الموانئ بالمناطق الداخلية لدعم الاقتصاد البحري والصناعات المرتبطة بالتبريد والتصنيع السمكي والطاقة، كما يدعو لتطوير مشاريع شرق المتوسط كمراكز صناعية–طاقية تشمل وحدات LNG عائمة وصناعات بتروكيميائية خضراء ومعدات كهربائية، مع ربطها بممرات الهيدروجين والطاقة الداخلية.

ويرى أن تعزيز سلسلة القيمة في الطاقات المتجددة سيمكن من إقامة مصانع مكونات الطاقة والبطاريات ومحطات التحلية المعتمدة على الشمس والرياح حسب خصوصية كل جهة، وهذا التوجه، إلى جانب الحفاظ على الانضباط الماكروي ودعم التنويع الاقتصادي، سيسمح بتوجيه الحوافز الإقليمية دون المساس بالاستدامة المالية، ويعزز قدرة البلاد على المنافسة على الصعيد الإقليمي والدولي.

ويخلص أمين سامي إلى أن مضاعفة حصة الاستثمارات الخاصة الموجهة إلى ست جهات داخلية على الأقل، ورفع نسبة الصادرات الصناعية من خارج محور الدار البيضاء–طنجة إلى 30 في المئة، وإنشاء ممرين لوجستيين داخليين مكتملين، ليست مجرد رفاهية اجتماعية، بل رافعة إنتاجية مباشرة، فكل درهم يُستثمر ترابيًا في الداخل يخلق قيمة مضافة أرخص وأكثر استدامة، والحل يكمن في عقود أداء جهوية وممرات لوجستية وحِزم مهارات للصناعات الموجهة للتصدير، لتصبح تنافسية المغرب شبكة مترابطة من الأقطاب الاقتصادية تمتد على كامل التراب الوطني، لا ثلاثة محاور حضرية فقط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News