رأي

التحوّلات الجمالية للرجولة في المغرب:سوسيولوجيا التجمّل الذكوري بين التقاليد والحداثة

التحوّلات الجمالية للرجولة في المغرب:سوسيولوجيا التجمّل الذكوري بين التقاليد والحداثة

لم يعد الجسد الذكوري في المغرب مجرد حامل لوظائف بيولوجية أو رموز سلطوية تقليدية، بل تحول إلى ساحة مفتوحة لتفاوضات جمالية معقدة تعكس تحولات عميقة في تمثلات الرجولة، وتفاعلات النوع الاجتماعي مع شروط التحديث والعولمة. فالمظهر الخارجي، والعناية الجمالية، وتنسيق اللباس، واختيار العطور، كلها عناصر تظهر التوتر القائم بين الموروث الثقافي المحافظ وبين صعود نماذج رجولة هجينة، تتبنى جماليات جديدة دون الانفصال الكلي عن المرجعيات الاجتماعية والدينية.يمكن قراءة هذه التحولات ضمن تصور بيير بورديو لمفهوم الهابيتوس، حيث الجسد ليس كيانا طبيعيا، بل منتوج اجتماعي يُعاد تشكيله وفق أنماط الذوق الطبقي والثقافي.

التجمّل الذكوري وتفكيك التمثلات التقليدية للرجولة

في المخيال الثقافي المغربي، ارتبطت الرجولة لعقود طويلة بالخشونة والبساطة، بل وبالنفور من الزينة باعتبارها من خصائص الأنوثة. إلا أن الممارسات الجمالية الجديدة التي يعتمدها عدد متزايد من الذكور – خاصة في المدن الكبرى – تعيد مساءلة هذه التمثلات وتفكيكها. فالذكورة لم تعد تُقاس فقط بالصلابة والانضباط الجسدي، بل أصبحت تنفتح على معايير جديدة تعطي للجمال، والأناقة، وحتى الحساسية، أدوارا في بناء الهوية الذكورية. هذه التحولات يمكن فهمها من خلال نظرية التمثلات الاجتماعية، حيث يعاد إنتاج معاني الجمال والرجولة وفق السياق، بما يسمح بمساحات جديدة للتأويل والمراجعة والتفاوض.

اقتصاد الجمال: صعود ذوق رجولي جديد

تزامن تحرر الذكورة الجمالية مع صعود السوق الاستهلاكية والثقافة الرقمية (إنستغرام، تيك توك، الفاشن بلوجرز…)، مما أفرز ذوقا جماليا جديدا يتجاوز الحدود التقليدية للجندر. حضور الذكور في صالونات التجميل، استعمالهم للمنتجات التجميلية، ظهورهم المؤثر على المنصات الرقمية، كلها مؤشرات على تزايد الاستثمار الرمزي في الجسد الذكوري كمصدر للهوية والرأسمال الرمزي.وفق تصور بورديو، فإن التجمّل يمكن اعتباره شكلاً من الرأسمال الجمالي الذي يسهم في إعادة إنتاج المكانة الاجتماعية، ويفتح مجالاً للتمايز الرمزي داخل الفضاء العام.

التجمّل بين الشرع والاشتباه: رقابة دينية واجتماعية

رغم تمدد هذه الممارسات، فإنها تظل خاضعة لرقابة أخلاقية ودينية تمارسها السلطة الرمزية للمجتمع والدين. ففي بعض الخطابات الفقهية، يربط التجمل الذكوري بالميوعة أو بالخروج عن الفطرة، ما يجعل الجسد المتجمل متهما ضمنا بالانحراف أو الشذوذ. هذا الصراع يكشف عن التوتر القائم بين مفهوم الحياء الذكوري المحافظ، وبين أشكال الاستعراض الجديدة للجسد في المجال العام.يتقاطع هذا مع مفاهيم ميشيل فوكو حول المراقبة الذاتية للجسد كنتاج للسلطة الاجتماعية والدينية، حيث يُعاد تشكيل السلوك الجسدي وفق منطق الطاعة والامتثال أو التمرّد والانفلات.

التجمّل والتنافس الرمزي مع النساء

بروز الجسد الذكوري المتجمل على الساحة العامة، خلق نوعا من التنافس الرمزي مع النساء، حيث لم يعد الفضاء الجمالي حكرا على الجسد الأنثوي. هذه الدينامية تقلب بعض الثنائيات التقليدية بين الذكورة والأنوثة، وتعيد تشكيل رمزية الجاذبية الجنسية كمعطى موزّع بين الجنسين.هنا، يشكل التجمل الذكوري استراتيجية لتموقع جديد داخل فضاء مرئي مشبع بالتمثلات والإكراهات، حيث يعاد التفاوض حول مفاهيم الجاذبية، القبول، والمكانة الاجتماعية.

التجمّل كعدسة لتحولات الرجولة

يمكن النظر إلى التجمّل الرجالي في المغرب كمرآة تعكس تحولات بنيوية في مفهوم الرجولة، حيث يتراجع النموذج التقليدي لصالح نماذج هجينة. هذه التحولات ليست سطحية أو موضة عابرة، بل هي تعبير عن انتقال اجتماعي يعكس بروز ذات ذكورية تسعى إلى تجاوز الحدود الصارمة للجندر، وإلى إعادة رسم الجسد الذكوري ككيان قابل للزينة، للجاذبية، وللتموقع الجديد داخل الحقل الاجتماعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News