سياسة

استقالات مسؤولين ووزراء بعد الفواجع..ما لا يحدث بالمغرب!

استقالات مسؤولين ووزراء بعد الفواجع..ما لا يحدث بالمغرب!

جرت العادة في البلدان العريقة ديمقراطيا أن يتحمل الوزراء والمسؤولين نتيجة وجودهم على رأس قطاعات أو مؤسسات عمومية، ومعها بات مشهد تسليم المفاتيح والتنحي عن المسؤولية مألوفا في حال الفشل أو وقوع أخطاء كارثية، لكن الحال بالمغرب يشذ عن هذا المنطق، وسط تطبيع من الرأي العام الذي لم يعد يتفاجأ من إطلالة وزير أمام عدسات الكاميرات لتوزيع ابتسامات مجانية، بعد أيام من حدوث فاجعة أو كارثة بقطاعه، حتى وإن أدت إلى إزهاق أرواح بريئة، دون أن تطاله المحاسبة.

طيلة عقود من الزمن تابع الرأي العام بالمغرب عدد من التحقيقات التي تم فتحها حول حوادث وفواجع كان ضحاياه بالعشرات، وهي تطوى لتوضع على الرفوف بعد أن تطال في أقصى ما يمكن موظفين بسطاء أو أشخاص بمسؤوليات محدودة، دون أن يمتلك وزراء او مسؤولون كبار جرأة اتخاذ قرار الاستقالة وكأنهم غير معنيين أو آخر من يتحمل المسؤولية.

شهدت الساحة الوطنية خلال هذا الأسبوع فاجعة خريبكة التي بلغ عدد ضحاياها 25 قتيل إثر انقلاب حافلة عمومية. وبينما اعتقل سائق الحافلة، لم يتحرك أي مسؤول لتقديم استقالته، سواء محمد عبد الجليل، وزير النقل واللوجيستيك، أو نزار بركة، وزير التجهيز والماء، أو خالد أيت الطالب، وزير الصحة، أو مسؤولي الدرك والأمن، رغم المسؤولية الجماعية لهؤلاء في رفع عدد الضحايا.

في هذا الصدد أورد عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في تصريح ل”مدار21″، أن هناك ثلاث وزارات على الأقل مسؤولة بشكل مباشر، منها وزارة التجهيز بالنظر إلى حالة الطريق التي لا تتوفر على المعايير، وهناك مسؤولية إدارة الدرك الملكي والأمن الوطني الذين سمحوا للحافلة بحمل 20 راكب إضافي على العدد المسموح به، ثم أخيرا مسؤولية وزارة الصحة لأنه عندما تم نقل المصابين إلى المستشفى أوضحت مجموعة من الفيديوهات الحالة المزرية التي يوجد عليه، وفق غالي.

المتحدث نفسه أضاف أن هناك إذن ثلاثة مسؤولين كبار يتحملون مسؤولية، ليس على الحادثة في حد ذاتها، ولكن تبعاتها وظروفها، لكن، حسب غالي، “للأسف لا زلنا لا نمتلك ثقافة المحاسبة وتحمل المسؤولية، لأن كل شيء يربطه المسؤولون بالمؤسسة الملكية، هي التي تقيل وتقوم بكل شيء، وكأن استقالة مسؤول إساءة لها”.

أرشيف من الفواجع

أرشيف الفواجع بالمغرب غني بالأحداث المؤلمة التي تابعها المغاربة بحسرة، دون أن تفرز أي استقالات. فقبل حادثة خريبكة قتل 7 ركاب في انقلاب قطار “بوقنادل”، في شهر أكتوبر 2018، فكانت النتيجة سجن سائق القطار لأشهر. وقبلها لقيت 15 امرأة مصرعها، إثر تدافع خلال توزيع إعانات غذائية بمنطقة “بولعلام” نواحي إقليم الصويرة، بينما بقي المسؤولون كل في مكانه.

حوادث أخرى مؤلمة لم يتحمل وزراء أو مسؤولون مسؤوليتها، ولم يقدموا استقالتهم بعدها رغم فجائعيتها، منها مصرع 16 شخصا تحت الأتربة فيما يعرف بفاجعة “إجوكاك” نواحي إقليم الحوز، ومصرع 28 شخصا أغلبهم نساء بوحدة صناعية قيل عنها “سرية” بطنجة، وقبلها مصرع 9 أشخاص فيما يعرف بفاجعة ملعب تزيرت ضواحي تارودانت سنة 2019، وفاجعة حافلة “تيشكا” التي راح ضحيتها 42 شخصا.

يبدو من الصعب حصر مختلف الفواجع التي حولت الموت إلى طقس جماعي يطال المواطنين بسبب تقصير المسؤولين، لكن من السهل جدا استنتاج أن المسؤولين والوزراء ظلوا في جميع هذه الحالات بعيدا عن المحاسبة ولم يقدموا أي استقالة كما لم تتم إقالتهم.

عدم تحمل المسؤولية ظاهرة شائعة

ظاهرة عدم تحمل المسؤولية وتقديم الاستقالة من طرف المسؤولين أصبحت عادية وشائعة، في نظر عزيز غالي، في تصريحه ل”مدار21″، مؤكدا أن “العديد من الأمثلة تؤكد ذلك”، والأكثر من ذلك، وفق المتحدث، هو أن هناك وزراء ثبت أنهم يكذبون على المغاربة دون أن تتم محاسبتهم، ومنهم الوزير مولاي حفيظ العلمي الذي قال أنه سيتم تصنيع الكمامات وتصديرها إلى العالم وآلات تنفس طبية، وفضيحة وزير “الكراطة” محمد أوزين وغيرهما، يضيف غالي.

وأفاد غالي بأن الوزير ليس موظف بل لديه مسؤولية سياسية، وعندما نستحضر حالات من البلدان الأوروبية هناك العديد من الحالات لتحمل المسؤولية، مثلا الوزيرة التي استقالت بالسويد بعد أن اقتنت ما يعادل مئة درهم من الشكولاتة، واضطرار بوريس جونسون للاستقالة من رئاسة الحكومة بعد أن أقام حفل في منزله خلال فترة الحجر الصحي.

وقال رئيس أكبر جمعية لحقوق الإنسان أن الرأي العام بعيد عن القدرة على محاسبة المسؤولين، لأنه ليس من يصنع هؤلاء المسؤولين، ما دام الانتخابات مزورة والبرلمان مزور والتعيينات مزورة فهذا يفيد أن الرأي العام لا معنى له، متسائلا حول وجود أحزاب كانوا متصارعة خلال الانتخابات في حكومة منسجمة، في تحالفات غير منطقية، لأن هناك من يتحكم في خيوط اللعبة.

غياب الديمقراطية

بالنسبة لعزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في تصريحه ل”مدار21″، فإن سبب عدم تقديم الاستقالات من طرف الوزراء أو المسؤولين، ناتج أساسا عن عدم وصولنا إلى دولة ديمقراطية، وعن عدم تمتع الأحزاب المغربية بالديمقراطية الداخلية.

فحسب غالي “ليس المسؤول وحده من لا يتحمل المسؤولية بل حتى الحزب الذي رشحه، لأنه في الدول الديمقراطية الحزب يفرض على المسؤول تقديم الاستقالة في حال فشله، حتى يضمن مصداقيته مع المواطنين، لكن عندنا وفي غياب الديمقراطية وفي غياب أي علاقة بين الحزب والمسؤولين المرشحين باسمه فلا أحد يحاسبه”.

وتابع غالي أنه في المغرب لا يوجد قانون يمنع المسؤولين من تقديم استقالتهم بل الأمر مرتبط بالثقافة السياسية، وبغياب الجرأة على تقديم الاستقالة، مضيفا أنه في تاريخ المغرب لم تحدث استقالات نتيجة الفعل السياسي باستثناء وزير واحد استقال نظرا لاختلاف وجهات النظر السياسية وهو وزير الفلاحة الأسبق عثمان الدمناتي.

وأضاف غالي أن الأحزاب هي التي يجب أن تتدخل لتفرض على المسؤولين تقديم الاستقالات، لأنه باستثناء وزراء السيادة لأنهم حالة شاذة في المغرب، تبقى تمثيلية الأحزاب على المحك بسبب الأخطاء، مضيفا أنه مع الأسف غياب الديمقراطية سواء داخل الأحزاب السياسية أو داخل الجو السياسي العام يسبب هذا الوضع.

رئيس الحكومة.. المسؤول الأول

ومن جهته أورد حسن أشهبار، أستاذ القانون الدستوري، في تصريح ل”مدار21″، أن المسؤولية السياسية للوزير أو للحكومة بشكل عام هي من المواضيع المعقدة على مستوى القانون الدستوري، لأن في هذا الأخير نتحدث عن المسؤولية السياسية للحكومة، لأن المفروض حسب رأيه “أن تتحمل الحكومة المسؤولية كاملة حتى إن وقعت الفاجعة في قطاع معين”، مضيفا أن من يجب أن توجه له أصابع المسؤولية في مثل هذه الحالات هو رئيس الحكومة.

وتابع أشهبار الوزير المعني مسؤول ويجب أن يحاسب لكن في النظام القانوني المغربي ليس هناك ما يجبر على إقالة الوزير في حال حدوث خطأ أو تقصير، لأن الأمر هنا يخضع للسلطة التقديرية، وإقالة أو إعفاء هو اختصاص بيد جلالة الملك، الذي يمكنه أن يعفي وزيرا من الوزراء بطلب من رئيس الحكومة.

وأوضح أشهبار أنه بالإمكان إقالة الوزير بعد استشارة الملك لرئيس الحكومة، والاستشارة هنا، بحسب أشهبار، شكلية فقط نظرا للمكانة المحورية التي تحتلها المؤسسة الملكية في النظام السياسي المغربي، كما يمكن لرئيس الحكومة، إذا ما أراد أن يتملص من المسؤولية الجماعية للحكومة، أن يطلب من جلالة الملك أن يعفي أحد الوزراء.

الاستقالة.. مسألة أخلاقية وطوعية

وتابع أستاذ القانون الدستوري أن إقالة أو استقالة عضو من أعضاء الحكومة هي مسألة أخلاقية بالدرجة الأولى، لأن واقع الممارسة الديمقراطية يفرض على أي مسؤول عمومي كيفما كان أنت يقدم استقالته في حال فشل في تدبير ملف من الملفات، أو حدوث خلل في القطاع الذي يدبره، لأنه شخصية عمومية.

وأردف أشهبار أن المسؤول العمومي في النظام السياسي المغربي هو مسؤول سياسي، لأن أعضاء الحكومة في غالبيتهم ينتمون إلى أحزاب فازت في الانتخابات، وهذه الأخيرة صوت عليها الشعب، وبالتالي فالشعب من اختارهم، ولهذا فهم لا يستحقون ثقة الشعب في حال فشلهم وبالتالي عليهم أن يتنحوا، لأن هذا ما يقتضيه المنطق الديمقراطي.

الاستقالة هي مسألة يجب أن تتم عن طواعية من طرف الوزير، وفق أشهبار، لكن ليس هناك ما يجبر وزير من الوزراء على الاستقالة، فهذه مسألة مرتبطة بالقناعات الشخصية، وإيمان الوزير بروح الديمقراطية. وهذا الموضوع يجعلنا ننفتح على مواضيع أكثر تعقيدا هي مسألة مدى وجود نخبة سياسية متشربة لثقافة الاستوزار وتعلم ما معنى الخدمة العمومية، وتدرك حساسية منصب الوزير يدير مرفق من المرافق العمومية المهمة التي تؤدي خدمات للعموم.

آليات محاسبة ممكنة

لا زلنا بعيدين عن منطق المحاسبة السياسية، المعمول بها في الأنظمة الديمقراطية الحقيقية، وفق أشهبار، رغم أنه من الناحية الدستورية هناك تنصيص على المسؤولية السياسية وعلى المحاسبة، لأنه حاليا في المغرب هناك عدة طرق لإثارة مسؤولية الوزراء عن الأخطاء التي يرتكبونها.

ورصد أشهبار مجموعة من الآليات الممكنة، لكنها لا تؤدي إلى إقالة الوزير أو تحميله المسؤولية السياسية المؤدية إلى ضرورة استقالته، ومنها آلية الأسئلة الشفهية، التي تبقى من آليات المراقبة التقليدية، وهناك إمكانية إنشاء لجان تقصي الحقائق من طرف البرلمان، التي تقوم بالبحث والتقصي ثم تنجز تقريرا الذي على ضوئه يمكن أن تثار مسؤولية الوزير، مما قد يؤدي إلى إقالته أو إعفائه.

وتابع أن هناك نقطة أخرى أتى بها الدستور الجديد وهي ملتمس مساءلة الحكومة الذي يهم مجلس المستشارين فقط، ويسمح بمساءلة الحكومة في شخص رئيسها عن حدث من الأحداث، أو عن ملف من الملفات الساخنة، لكن حتى رئيس الحكومة في هذه الحالة لا يمكن أن يحاسب بل الأمر يتعلق بمجرد استجواب عادي لا يثير المسؤولية السياسية للحكومة.

ربط المسؤولية بالمحاسبة

الحديث عن المسؤولية السياسية المباشرة للوزير، بعيدا عن مسؤولية الحكومة كجهاز تضامني، حسب أشهبار، مسألة معقدة، لكن الأساس هو أنه على كل وزير استشعار قيمة المسؤولية الملقاة على عاتقه، وأن يدرك أن الخطأ يجب أن يؤدى ثمنه، والثمن في هذه الحالة بالنسبة للوزير ولكل فاعل عمومي مساهم في اتخاذ القرار هو التكفير عن ذنبه من خلال تقديم الاستقالة، دون إغفال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليه في الدستور المغربي، والذي بموجبه يجب أن يحاسب كل مسؤول أخطأ أن يحاسب ويعاقب وتصدر في حقه الجزاءات المناسبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News