سياسة

بوعيدة “المغرد خارج السرب” يعود للبرلمان.. دخول للصف أم تفجير للأغلبية؟

بوعيدة “المغرد خارج السرب” يعود للبرلمان.. دخول للصف أم تفجير للأغلبية؟

أثار قرار عودة عبد الرحيم بوعيدة إلى البرلمان عقب قرار المحكمة الدستورية، الذي وصفته بعض الأوساط السياسية بـ”التاريخي”، قراءات متباينة حول خلفيات ومآلات هذا القرار الذي أثلج صدور داعمي بوعيدة وقيادة حزب الاستقلال التي تعززت كتيبتها داخل البرلمان، سيما أنه يأتي في أعقاب استعادة رئيس فريق “الميزان” بمجلس النواب، نور الدين مضيان، لمقعده البرلماني في الانتخابات الجزئية المجراة أخيرا بدائرة الحسيمة.

ويرى مراقبون أن عودة بوعيدة، المعروف بمواقفه المناهضة لحكومة أخنوش، إلى قبة البرلمان سيكون له ما بعده، لاسيما أن الأخير اشتهر ببث فيديوهات يوجه فيها انتقادات لاذعة لسياسات الحكومة في عدد من المجالات، ما دفع النشطاء إلى التساؤل حول ما إذا كان قرار المحكمة الدستورية الأخير، ذو “حمولة سياسية” تمهد الطريق لاحتواء غضب بوعيدة تجاه حزبه السابق الذي يقود اليوم الحكومة المغربية.

وفي المقابل، ذهبت قرءات أخرى لقرار عودة بوعيدة عن حزب الاستقلال، أحد أحزاب التحالف الحكومي الثلاثي، إلى المؤسسة التشريعية، محاولة لتفجير الأغلبية الحكومية، لاسيما في ظل خروج خلافات حزب علال الفاسي الداخلية إلى العلن بسبب مواقف بعض قيادة الحزب من سياسات حكومة أخنوش، فضلا عن استمرار غضب هذه الأخيرة من طبيعة الحقائب التي حصل عيلها الحزب في مفاوضات تشكيل الحكومة والتي جعلت منه الخاسر الأكبر في هذه المفاوضات.

انتصار حقيقي للديمقراطية

مباشرة عقب صدور المحكمة الدستورية، الذي حظي بمتابعة واسعة من لدن الأوساط السياسية الوطني، اعتبر حزب الاستقلال عودة النائب البرلماني عبد الرحيم بوعيدة إلى قبة البرلمان نائبا عن إقليم كلميم، انتصارا حقيقيا للديمقراطية في بلد يؤمن بالحق والقانون.

جاء ذلك، في مقال نشرته جريدة العلم؛ لسان حال حزب الميزان، مؤكدة أن خبر عودة بوعيدة أثلج صدر حزب الاستقلال قيادة وقاعدة، وأضاف المصدر ذاته أن هذا الأمر قد تحقق من خلال الجهود المبذولة من طرف كل مكونات الحزب بقيادة أمينه العام نزار بركة، بعد تقديم كل الطعون اللازمة لهيئة المحكمة، التي أنصفت بوعيدة.

وأشار حزب الاستقلال، إلى أنه من المنتظر أن يلتحق النائب البرلماني، عبد الرحيم بوعيدة، لمزاولة مهامه نائبا استقلاليا عن إقليم كلميم في الأيام القليلة المقبلة، لتعزيز صفوف الفريق الاستقلالي الذي يقوده نور الدين مضيان.

قراءات سياسية متباينة

عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستورية بجامعة القاضي عياض، يرى أن كل القراءات التي تفاعلت مع قرار عودة بوعيدة إلى البرلمان، واردة، وتخضع لمنطق أنها صائبة تحتمل الخطأ، بمعنى أن من ذهب إلى القول إن قرار المحكمة الدستورية يمهد الطريق لاحتواء بوعيدة لكي “يدخل إلى الصف” وألا يظل “يغرد خارج السرب” هو احتمال ممكن، وفي نفس الوقت من يرى أن هذه العودة تشكل خطرا على تماسك عقد الأغلبية الحكومية المهدد بالانفراط هو أيضا أمر يحتمل الصواب.

العلام، قال أيضا إنه بغض النظر عن بُعده القانوني والحيثيات التي استند عليها قرار المحكمة الدستورية، من أجل قبول عريضة الطعن التي أسقطت نائبا برلمانيا عن فريق الأحرار، في مقابل إعلان بوعيدة عن حزب الاستقلال فائزا بهذا المقعد، فإن هذا القرار يردّ ضمنيا على عدد من الانتقادات التي وجهها فاعلون سياسيون للقضاء الدستوري، بمناسبة بتّه في الطعون الانتخابية، خاصة حزب العدالة والتنمية الذي شكك ولا يزال في نتائج الانتخابات وآخرها تلك المجراة في دائرة مكناس، التي اكتسحها حزب التجمع الوطني للآحرار.

توظيف القضاء الدستوري

لكن أستاذ العلوم السياسية، استبعد إمكانية توظيف القضاء الدستوري لخدمة أجندات سياسية، وقال إن هذا القرار يندرج برأيه ضمن القرارات العادية، بمناسبة البت في المنازعات الانتخابية، وأنه ليس القرار الأول من نوعه، وأنه ما يميزه هو السياق الذي صدر فيه، في ظل الحديث عن إمكانية إجراء تعديل حكومي بالتزامن مع الدخول السياسي المقبل، بالإضافة إلى طبيعة الخلافات السياسية التي ربطت بين بوعيدة وحزب التجمع الوطني للأحرار والتي أطاحت به من رئاسة مجلس جهة كلميم واد نون.

وقال العلام إنه ليس من الوارد أن يمتلك شخص ما القدرة السياسية الكافية لتفجير تحالف حكومي من 270 نائبا برلمانيا، اللهم إذا كان هذا التحالف “هشاّ”، يبحث عن أي سبب لفك الارتباط بين مكوناته، حينها يمكن لعودة بوعيدة أن تشكل القشّة التي قسَمت ظهر البعير، مستدركا” لكن لا يتعين أن نغفل بأن قيادة حزب الاستقلال تملك الوسائل القانونية للوقوف في وجه أي محاولة من بوعيدة لتوتير الأجواء داخل بيت الأغلبية”.

وتابع رئيس مركز تكامل للدراسات والأبحاث “مما يعني أنه إذا لم يكن لحزب علال الفاسي مصلحة في هذا التوتر ومحاولة استثماره لإحداث نوع موازين القوى داخل التحالف الحكومي، فإن بامكانه أن يدفع بطلب تجريد بوعيدة من عضوية البرلمان في حال خالف توجهات الحزب ذات الصلة بالموقف من مساندة حكومة أخنوش وأغلبيتها البرلمانية”.

السياق السياسي

من جهته، قال رضوان عميمي، أستاذ القانون الإداري بجامعة محمد الخامس بالرباط، إنه لا يتعين الربط بين قرارات المحكمة الدستورية، بشأن المنازعات الانتخابية والسياق السياسي المرتبط بتفاعلات الأغلبية البرلمانية أو الحكومية أو غيرها.

وحجته في ذلك، أن قرار المحكمة الدستورية المتعلق بإعلان فوز بوعيدة بالمقعد البرلماني، صدر داخل الآجال التي حددها القانون التنظيمي المتعلق باشتغال المحكمة الدستورية المحكومة بالنظر في المنازعات الانتخابية داخل آجل سنة ابتداء من رفع الدعوة من طرف الطاعن.

وبالتالي، يرى الأستاذ الجامعي، أن صدور القرار، الذي أعاد بوعيدة إلى قبة البرلمان، داخل الآجال القانونية المحددة، يؤكد أن قرار المحكمة الدستورية غير مرتبط بالسياق السياسي.

بالمقابل، لفت المتحدث ذاته، إلى أن القرار تزامن مع المواجهة بين حزب العدالة والتنمية وخاصة رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنيكران ووزارة الداخلية، لاسيما أن هذه المواجهة ارتبطت بموضوع منازعة انتخابية سابقة لأوانها.

وسجل عميمي أنه شكك في مقتضى دستوري والمتعلق بحياد الإدارة، من خلال عدم تسليمه بنتائج الانتخابات الجزئية بدائرة مكناس وفي سير العملية الانتخابية، داعيا إلى فتح تحقيق قضائي في الموضوع، والحال أن هناك مؤسسات دستورية مختصة في الأمر.

وأكد أن توقيت صدور المحكمة الدستورية، جاء متزامنا مع هذا المعطى، وبالتالي أعطى إجابة مباشرة لرئيس الحكومة السابق على اعتبار أن هناك مساطر قضائية وقانونية يمكنها إعادة الاعتبار لمبدإ المشروعية الانتخابية وحماية الممارسة الديمقراطية بالمملكة.

اختبار تماسك الأغلبية

من جهة أخرى، أن قرار المحكمة الدستورية، سيكون له ما بعده على اعتبار أنه ألغى مقعدا برلمانيا لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود الأغلبية الحكومية والبرلمانية، في مقابل منحه لفائدة شخصية تنتمي سابقا لنفس الحزب، وكانت لها خلافات عميقة مع هذا الإطار السياسي قبل أن تلتحق بحزب الاستقلال خاصة في ظل مواقف الرجل تجاه حزب التجمع الوطني للأحرار، بشكل خاص وتجاه الحكومة وأغلبيتها بصفة عامة.

واسترسل أستاذ القانون الإداري بجامعة الرباط، وبالتالي عودة عبد الرحيم بوعيدة ستشكل تحديا خاصا بالنسبة للأغلبية الحكومية، بحيث هل ستتمكن من احتواء الرجل وإعادة النظر في مواقفه السياسية، خاصة تجاه الحزب الأغلبي الذي يقود الحكومة ورئيسه عزيز أخنوش.

وأشار عميمي، إلى أن عددا من البرلمانيين، ومناضلي حزب الاستقلال يتبنون إلى حدّ قريب، نفس مواقف بوعيدة، لاسيما في ظل وضعية الصراع التي عاشها حزب الاستقلال خلال الآونة الأخيرة بين تيار ولد الرشيد ونزار بركة، وظهور مجموعة من الأصوات من داخل الحزب المعارضة للحكومة بين الفينة والأخرى، خاصة على صعيد المؤسسة البرلمانية.

ويرى الأستاذ الجامعي، أن السيناريو الأقرب، هو  أن حزب الاستقلال سيخلق بعض المتاعب على مستوى الأغلبية الحكومية، إن لم نقل أنه سيؤدي في النهاية إلى عودة الحزب إلى صفوف المعارضة ودخول أحزاب للأغلبية الحكومية خاصة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

وسجل أن الدخول البرلماني المقبل سيؤشر على تحولات على مستوى الأغلبية الحكومية، حيث سيكون التحدي الأكبر هو تماسك الأغلبية وسط هذه التحديات الجديدة، لاسيما في ظل مؤشرات يمكن قراءتها من تصريح بوعيدة الذي أكد أنه سيستمر في مواقفه المعهودة.

وأشار إلى ترحيب حزب الاستقلال، بعودة مقعد بوعيدة البرلماني، بالإضافة إلى سكوت حزب التجمع الوطني خاصة في أعقاب اجتماع هيئة الأغلبية الأخير الذي تجاهل الحديث عن الموضوع، والتي تعد نقطة خلاف عميق داخل التحالف الحكومي.

وخلص عميمي، إلى أن عودة بوعيدة للبرلمان، في أعقاب قرار القضاء الدستوري الأخير، ستؤدي إلى إما تفجير الأغلبية من الداخل أو ستضعف موقف التجمع الوطني للأحرار لصالح حزب الاستقلال الذي يظهر أن عددا مناضليه غير راضين عن موقع الحزب داخل الأغلبية الحكومية، بالنظر إلى نتائجه الانتخابية خلال اقتراع الثامن من شتنبر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News