رأي

تدابير وإجراءات احترازية من حرائق الغابات وتعويض الفلاحين

تدابير وإجراءات احترازية من حرائق الغابات وتعويض الفلاحين

تعرف بلادنا خلال كل فصل الصيف حرائق غابوية كثيرة تأتي على العديد من الأشجار والمواشي وأعشاب الرعي، والتي تؤرق عددا من الفلاحين كما هو الشأن بالنسبة لبعض الفلاحين بالجماعات القروية التابعة لكل من إقليم القصر الكبير وإقليم العرائش وإقليم شفشاون وإقليم تازة وقبلهم إقليم طاطا، كل هذه الأقاليم تعرضت خلال هذا الشهر من فصل الصيف لعدة حرائق أجهزت على مجموعة من الزراعات والأشجار المتنوعة والمواشي من أغنام ومعز وأبقار وبهائم (…)، التي تعتبر مصدر موردهم الوحيد إضافة إلى مساكنهم التي تدمرت بسبب لهيب النار المشتعلة في الغابة المجاورة لمنازلهم.

وهكذا أصبحت ساكنة إقليم طاطا وساكنة ضواحي القصر الكبير والعرائش شفشاون وتازة المجاورة للغابات المتضررة من الحريق بعدد من الدواوير، بعد احتراق المنازل والمواشي و آلاف الهكتارات التي شكلت على مدى سنوات فضاء لرعي الماشية، التي أضحت مهددة اليوم بسبب غياب الكلأ وغلائه، علاوة على التهام ألسنة اللهب لمئات الأشجار المثمرة وأعشاب الرعي والأعشاب العطرية…، وهو ما كبد الفلاحين بهذه المناطق خسائر مادية فادحة، ومن بين هؤلاء الفلاحين المتضررين بأحد الأقاليم كإقليم طاطا الذين مازالوا ينتظرون تعويضاتهم في إطار البرنامج الخاص بذلك منذ سنتي 2014 و2015، إضافة إلى احتراق السلاليم المخصصة للصعود إلى النخيل خاصة بدوار أكرض بجماعة تمنارت، ودوار تداكوست بجماعة أيت وابلي، ودوار أشت بجماعة فم الحصن.

كما يجب أن نستحضر تضرر النحالة  بأقاليم الشمال حيث تم إتلاف مئات صناديق النحل التي تشكل مصدر عيش للساكنة المجاورة المفتقدة لزراعات بديلة بفعل الطبيعة الجغرافية للمنطقة.

إن الوضعية الاجتماعية والاقتصادية والبيئة التي يعيشها الفلاح المغربي المجاور للغابات أصبحت مزرية حيث كانت متضررة بآثار الجفاف وزادتها آثار عواقب حرائق الغابات في ظل غياب أية آلية تأمينية عن آثار عواقب حرائق الغابات، علما أن المشرع نظم التأمين عن الحريق لكن جعله اختياريا الأمر الذي جعل أغلب الفلاحين المجاورين للغابات غير مؤمنين عن محاصلهم الزراعية ومنازلهم ومواشيهم إضافة إلى ذلك غياب ثقافة التأمين لدى الفلاح المغربي، فعدم إلزامية التأمين الفلاحي على الفلاحين خاصة فيما يخص تأمين المحاصل الزراعية من الحريق وجعله اختياريا يفرض على الدولة تفعيل نظام التعويضات أو المساعدات كمدخل للتضامن عن الكوارث، فالحريق يعد كارثة بالمفهوم المناخي أو الجغرافي وليس بالمفهوم القانوني رغم أن مصدر الحريق قد يكون بفعل الطبيعية (شدة الحرارة) أو بفعل الإنسان ورغم ذلك فالحريق لا يدخل في نطاق نظام التأمين عن عواقب الوقائع الكارثية المنظم بموجب القانون رقم 110.14 الذي نص بمرسوم خاص على تعداد الوقائع التي تدخل في نطاق الكارثة الطبيعية.

ومن هذا المنطلق فما هي التدابير التي يجب أن تتخذها الحكومة لتعويض الفلاحين المتضررين من حرائق الغابات؟ وماهي طبيعة هذا التعويض؟

وما هي التدابير والإجراءات اللازمة للتفاعل مع هذه الكوارث التي تخلفها آثار حرائق الغابات على الساكنة القروية بصفة عامة؟

أولا: بعض التدابير والإجراءات الاحترازية من مخاطر حرائق الغابات

نلاحظ كلما حدث حريق غابوي نرى أنه رغم تكاتف الجهود المبذولة من طرف السلطات المعنية بإخماد الحرائق تبقى مقاربتها ضعيفة في غياب المقاربة التشاركية للساكنة المحلية والمجاورة للغابة في عملية إخماد الحرائق والاكتفاء بالطائرات فهذه الوسائل غير كافية وغير ذات فعالية في إخماد الحريق الدامس في أرض بعض الغابات، في مقابل ذلك نرى أن التدخل البري أنجع بحكم خصوصية غابات القصر الكبير والعرائش وشفشاون وباقي مناطق الشمال المعروفة بانتشار الحشائش التي تسرع انتشار اللهب.

وفي هذا الصدد أن حريق سنة 2019 بنواحي شفشاون الذي توجهت إليه سواعد أبناء المنطقة بإمكانيات بسيطة مكنت من تطويق النيران من خلال إحداث مسلك ترابي قطع الطريق على الحريق وحد من انتشاره، الشيء الذي يحتم علينا خلق مسالك داخل الغابات مع حرثها بشكل دائم كممرات تأمينية، كما أنه يجب إمداد مياه الوديان وتوجيه مجاريها نحو الغابات، وحفر آبار وسط الغابات للاستعانة بها عند اندلاع الحرائق لتفادي ضياع الوقت ذهابا وإيابا لتوفير الماء لإخماد الحريق.

إضافةً إلى ذلك يجب على السلطات تبني مقاربة تشاركية غير المقاربة الزجرية، فإشراك الساكنة المحلية في حماية الغابة من خلال تحسيسها بمخاطر حرائق الغابات؛ عبر خلق تعاونيات تشتغل في الغابة ومن أجلها، حيث تعد مقاربة نجاعة، على اعتبار أن الساكنة المستفيدة من الغابة تعتبر هذه الأخيرة بمثابة منزلها ومورد رزقها.

ثانياً: تعويض الفلاحين المتضررين من آثار أو عواقب حرائق الغابات

من خلال ما تواترت عليه الحكومات في التعاطي مع الأضرار الناجمة عن حرائق الغابات، نرى أن طبيعة التعويض الذي تقدمه الحكومة للفلاحين المتضررين يكون عينيًا وليس نقديًا، حيث تقوم الحكومة بتحقيق يهم مختلف الأضرار التي لحقت الفلاحين بسبب حرائق الغابات، وبناء على ذلك التحقيق تحدد الحكومة حصيلة الأضرار والتعويضات العينية التي تقدمها للفلاحين المتضررين، على سبيل المثال تزويد فلاحي المنطقة بالأشجار مع المساهمة في عملية غرسها، من أجل النهوض بالاستثمارات الفلاحية التي تضررت بفعل الحرائق الغابوية تفعيلا لأهداف المخطّط الرئيسي لمحاربة والوقاية من حرائق الغابات إلى اتخاد إجراءات متناسقة وفعّالة من أجل السيطرة على هذه الآفة وذلك عبر:

إطلاق عمليات الجراحة وترميم الأغراس، وتدعيم البنى التحتيّة وتجهيزات الوسط الغابوي كمسالك الولوج، ونقاط المياه، والطرق الغابويّة، وخنادق جذران النار.

إذن، فالدولة الآن مطالبة بتقديم الدعم المادي والعيني  للفلاحين قبل مباشرة أي إجراء أو انتظار صدور تقارير اللجان المحلية للرصد واليقظة، حيث يعد الأمر مستعجلا لا يقبل التأجيل أو التأخير.

ومن هذا المنطلق ندعو الحكومة المغربية العمل على إعادة تفعيل الأنشطة الفلاحية بالمناطق المتضررة في أقرب الآجال، عبر مدخل أساسي وهو تفعيل نظام المساعدة أو تعويض الفلاحين المتضررين المعمول به في نظام التأمين الفلاحي من خلال مساعدتم بمواد عينية لتمكينهم من مزاولة أنشطتهم الفلاحية في ظروف ملائمة.

وفي هذا السياق نقترح على الحكومة أي وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات (قطاع المياه  الغابات) التخفيف من آثار حرائق الغابات، عبر تقديم المساعدة العينية والمادية لكافة الفلاحين المتضررين حالا، كالاستعانة بصندوق  التنمية القروية من أجل تقديم تعويضات للمتضررين من دون الحاجة إلى تقديم ملف التأمين للمحصول، من خلال تحويل الاعتمادات المرصودة لصندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية المحدث بموجب مقتضيات المادة 44 من قانون المالية رقم 32.93 في 28 فبراير 1994 والمعدل بموحب المادة 20 من قانون المالية لسنة 2012، على اعتبار أن هذا الصندوق هو بمثابة آلية مالية تساعد المجالات القروية بشكل شمولي، ولذلك أمام توالي الحرائق الغابوية وآثارها المدمرة للساكنة وفي غياب صندوق التضامن عن عواقب الحرائق الغابوية يستوجب إدخال تعديلات تنص بشكل صريح على نظام تقديم المساعدة أو التعويض عن آثار حرائق الغابات التي تمتد إلى المحاصل الزراعية والماشية والمنازلة القروية،” وبهذا فالتعويض يجب أن يشمل المؤمّنين وغير المؤمّنين لمحاصيلهم ومساكنهم وأراضيهم الفلاحية”، علما بأن استراتيجية التنمية القروية تحوي بطريقة شمولية على تأهيل العمران بالمجالات القروية وتوفير شروط الاستدامة البيئية لكن في غياب نص قانوني يؤطر هذه الآثار الكارثية الناجمة عن حرائق الغابات تبقى الوزارة المسؤولة عن القطاع الفلاحي والمجال الغابوي والقروي غير ملزمة بالاعتماد على تفعيل أهداف ومقاربات استراتيجية التنمية القروية في ضوء أهداف صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية.

لأن هذه كارثة ألمت بعدد كبير من الفلاحين ومست مختلف أنشطتهم الفلاحية المتنوعة ومن واجبنا الأخلاقي المتمثل في التضامن كمغاربة وكذلـك تفعيلا لمقتضيات الفصل 40 من الدستور الذي يفرض علينا جميعا أن نتضامن في مثل هذه الكوارث من خلال آليات التضامن المتمثلة في التكتل لتعويض المضرورين عن الخسائر حتى يتمكنون من الاستمرار في نشاطهم”.

وفي ختام هذه المقالة نحث الحكومة الآن، بتبيان القرارات والإجراءات التي ستتخذها بخصوص مخلفات الحرائق التي أتلفت محاصيل ومواشي ومنازل الفلاحين.

 

-محام متمرن بهيأة الدار البيضاء وباحث بسلك الدكتوراة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News