رأي

الصواب والخطأ في واقعة إسقاط برلمانيي الحسيمة

الصواب والخطأ في واقعة إسقاط برلمانيي الحسيمة

قررت المحكمة الدستورية بتاريخ 19 ماي إلغاء انتخاب أربعة برلمانيين بمجلس النواب، على إثر الاقتراع المجرى في 8 شتنبر 2021 بالدائرة الانتخابية المحلية ”الحسيمة” (إقليم الحسيمة)، وأمرت بتنظيم انتخابات جديدة بالدائرة المذكورة عملا بأحكام المادة 91 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب.

وقد أثار هذا القرار الذي يحمل رقم 22/179 في الملف عدد 196/21، حفيظة مجموعة من الأساتذة الباحثين والمهتمين بمجال القانون الدستوري، على اعتبار أن هذا القرار قد استعمل مصطلحات غريبة عن مجال القضاء الدستوري من قبيل “تنظيم انتخابات جديدة”، واستناده إلى المرسوم بقانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية من أجل إلغاء المقاعد المذكورة.

علاقة بهذا، وبغية المساهمة في هذا النقاش الصحي، ارتأينا معالجة هذه النازلة من خلال مدخلين رئيسيين وفق مقاربة تحليلية قانونية كما يلي:

المدخل الأول: توظيف المحكمة الدستورية لعبارة “انتخابات جديدة”

البداية من نهاية هذا القرار، الذي استعمل عبارة “انتخابات جديدة” وليس “انتخابات جزئية”. فهل يتعلق الأمر فعلا باستعمال المحكمة الدستورية قاموسا لغويا غريبا عن القاموس اللغوي المعتمد في النصوص القانونية المؤطرة للمنازعات الانتخابية كما جاء في بعض كتابات الباحثين والجامعيين؟

إن الجواب عن هذا السؤال يستلزم العودة للمنظومة القانونية المؤطرة للمنازعات الانتخابية والتحري عن المواد المنظمة للوضعية القانونية لأعضاء البرلمان، وخاصة الفرع السادس من الباب الثاني من القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، والمعنون بـ”المنازعات في انتخاب أعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين”.

فبتحري مواد هذا الفرع (المواد من 32 إلى 39) يتضح خلو مواده الثمانية من عبارة “انتخابات جديدة”، حيث تنص المادة 39 مثلا على أنه “للمحكمة الدستورية إذا قضت لفائدة الطاعن، إما أن تلغي الانتخاب المطعون فيه، وإما أن تصحح النتائج الحسابية التي أعلنتها لجنة الإحصاء وتعلن عند الاقتضاء، المرشح الفائز بصورة قانونية”، فهل هذا يعني أن قرار المحكمة الدستورية 179.22 شابه “عوار” مس بمنطوقه من الناحية الشكلية؟

إن الحكم على صواب أو خطأ منطوق هذا القرار يستوجب التحري والبحث في باقي المنظومة القانونية المؤطرة لعضوية مجلسي البرلمان وعدم الاكتفاء والاعتماد فقط على القانون التنظيمي المنظم لاختصاصات وعمل المحكمة الدستورية.

علاقة بهذا، وبالعودة للقانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، وبالرغم من عنونة بابه العاشر بـ”تعويض النواب والانتخابات الجزئية”، فإن البند الرابع من الفقرة الأولى من المادة 91 من هذا الباب نصت على أنه “تباشر انتخابات جزئية في الحالات التالية: 4- إذا أمرت المحكمة الدستورية بتنظيم انتخابات جديدة على إثر إبطال انتخاب نائب أو عدة نواب”، وبالتالي فإن من حق المحكمة الدستورية حسب هذا البند أن تأمر بتنظيم انتخابات جديدة، وهي حالة من ضمن الحالات الست (6) الحصرية التي تباشر فيها انتخابات جزئية حسب منطوق هذه المادة، عكس الحالات الأخرى التي تباشر فيها عملية التعويض والمحددة حصرا بموجب الفقرة الأولى من المادة 90 من ذات القانون التنظيمي رقم 27.11 سالف الذكر.

وبالتالي، يمكن القول أن منطوق قرار المحكمة الدستورية رقم 179.22، هو منطوق سليم ولا تثريب عليه من الناحية القانونية، وأن الرأي القائل باستعمال المحكمة لقاموس لغوي غير وارد في المنظومة القانونية المؤطرة للمنازعات الانتخابية هو قول قد جانبه الصواب.

المدخل الثاني: واقعة ثبوت خرق حالة الطوارئ الصحية وعلاقتها بإلغاء الانتخاب

الكتابات نفسها تناولت بالتحليل واقعة خرق المرسوم بقانون رقم 2.20.292، المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، المصادق عليه بالقانون رقم 23.20، واستناد المحكمة الدستورية على واقعة الخرق تلك من أجل إلغاء الانتخاب المجرى في 8 شتنبر 2021 بالدائرة المحلية الحسيمة، ومقارنة هذا القرار بالقرار 170.22 المؤرخ في 12 أبريل 2022، الذي دفع فيه الطاعن أيضا بخرق المرسوم بقانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية، لكن دون أن ينتج عن ذلك إلغاء الانتخاب في الدائرة الانتخابية المحلية لإقليم الحاجب”.

إن تحليل هذا المعطى يستوجب بالضرورة استحضار الحيثيتين الواردتين في القرارين 170 و179 ومقارنة التعليل الوارد فيهما من أجل الوقوف واستكشاف تناغمهما أو تناقضهما.

علاقة بهذا تنص الحيثية الأولى من القرار 170.22 على ما يلي:

“وحيث إنه، لئن رتبت مقتضيات المرسوم بقانون، لاسيما المادتان الرابعة والرابعة المكررة منه، جزاءات على مخالفة الأحكام الخاصة بحالة الطوارئ الصحية، فليس للمحكمة الدستورية أن ترتب جزاء انتخابيا خاصا على مخالفة تلك الأحكام بمناسبة الاجتماعات العمومية المنظمة خلال الحملة الانتخابية، ما لم يقترن ذلك بمناورة تدليسية، أو ترتب عن ارتكاب المخالفة إخلال بالمساواة وتكافؤ الفرص بين المترشحين، وهو أمر تستقل المحكمة بتقديره، وهو ما لم يثبته الطاعن، الذي جاء ادعاؤه عاما مما يكون معه غير جدير بالاعتبار”.

فيما تنص الحيثية الثانية من القرار 179.22 على ما يلي:

“حيث إنه يعود للمحكمة الدستورية، في نازلة الحال، أن ترتب جزاء انتخابيا خاصا على مخالفة الأحكام المتعلقة بحالة الطوارئ الصحية بمناسبة الاجتماعات العمومية المنظمة خلال الحملة الانتخابية، دون الإخلال بما نصت عليه مقتضيات المادتين الرابعة والرابعة المكررة من المرسوم بقانون المشار إليه من جزاءات أخرى، متى ترتب عن ارتكاب المخالفة مساس بالمساواة وتكافؤ الفرص بين المترشحين؛ وحيث إن هذه المخالفة الثابتة، تشكل إخلالا بينا بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص بين المترشحين، مما يتعين معه التصريح بإلغاء انتخاب العضوين المطعون في انتخابهما”.

إن من يقارن الحيثيتين المذكورتين سيلاحظ أن هاجس المحكمة الدستورية ليس هو عملية خرق حالة الطوارئ الصحية بحد ذاتها، وإنما تأثير عملية الخرق تلك وإخلالها بمبدإ المساواة وتكافؤ الفرص بين المترشحين.

علاقة بهذا، فإن واقعة خرق حالة الطوارئ الصحية وترتيب الجزاءات عنها هو شأن قضائي بناء على إحالة من وزارة الداخلية ورئاسة النيابة العامة كل في ما يخصه ولا دخل للمحكمة الدستورية فيه، لكن يجوز لذات المحكمة أن ترتب جزاء انتخابيا خاصا عن عملية الخرق تلك متى تبين للمحكمة أن واقعة الخرق كان لها تأثير وإخلال بين بمبدإ المساواة بين المترشحين، وهو ما ثبت في القرار الثاني رقم 179.22 وانعدم في القرار الأول 170.22.

لكن ما يمكن ملاحظته بهذا الخصوص والتساؤل عنه، هو لماذا لم تبين المحكمة الدستورية في قرارها الأخير رقم 179.22 مكاتب التصويت التي تم فيها خرق حالة الطوارئ وأثرت على مبدإ تكافؤ الفرص بين المترشحين، ولماذا لم تستعمل طريقة خصم الأصوات في تلك المكاتب وتأثير عملية الخصم تلك على فارق الأصوات؟

يبدو أن المحكمة الدستورية كان لها رأي آخر تجلى في كون “النواب البرلمانيين الخارقين للقانون لا يصلحون أن يكونوا واضعين له”، وقد تبدى هذا الأمر جليا عندما ذكرت المحكمة الدستورية بأحكام المادتين الرابعة والرابعة المكررة من المرسوم بقانون رقم 2.20.292، المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية، المرتبتين  لجزاءات خاصة على مخالفة أحكامهما، وذلك من خلال الحيثية التالية الواردة في قرار المحكمة الدستورية رقم 179.22: “… دون الإخلال بما نصت عليه مقتضيات المادتين الرابعة والرابعة المكررة من المرسوم بقانون المشار إليه من جزاءات أخرى..”، دون أن ننسى طبعا في هذا الشأن أن قرارات المحكمة الدستورية تلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية حسب منطوق الفقرة الأخيرة من الفصل 134 من الدستور.

 

-باحث في القانون الدستوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News