فن | مجتمع

التنمّر على المشاهير.. انهيار قيمي يغذّيه فراغ قانوني بمواقع التواصل الاجتماعي

التنمّر على المشاهير.. انهيار قيمي يغذّيه فراغ قانوني بمواقع التواصل الاجتماعي

يتعرّض عدد من المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي للتنمر الإلكتروني، الذي أضحى ظاهرة منتشرة على شبكة الأنترنت، حيث يعد شكلا من أشكال العنف، ويمكن أن يكون “مضايقات لفظية” أو “إساءات متعمدة” من خلال التعليقات أو الرسائل.

وفي ظل اختيار “المتنمَّر بهم” عدم متابعة “المتنمِّر” قانونيا، وفي غياب وعي هذا الأخير بخطورة فعله، يزداد منسوب التنمر الإلكتروني يوما بعد يوما، ويرتفع معه عدد الضحايا.

جريدة “مدار21” قرّرت التنقيب في موضوع “التنمر الإلكتروني” في “السوشل ميديا”، من أجل معرفة أسباب استهداف فئة من الجمهور لبعض المشاهير، وقذفهم بعبارات “لا أخلاقية” و”قاسية” أحيانا، من قبيل؛ “موهبة تستحق الدفن”، و”غليظة” تعليقا على الشكل الجسماني، بالإضافة إلى الاقتراب من الآثار النفسية والاجتماعية، وكذا عرض الجانب القانوني الذي يؤطر هذه “الجريمة الإلكترونية”.

“سي مهدي”.. غيض من فيض

الفنان المغربي المعروف بـ”سي مهدي”، واحد من المشاهير الذين أصبحوا عرضة للتنمر وضحيته بشكل شبه يومي، إذ كثيرا ما تضجّ صفحته الرسمية بموقع “فيسبوك” بتعاليق مسيئة وعبارات مشينة، ضمن موجة التنمر التي تستهدف الفنانين.

وفي هذا الصدد، قال “سي مهدي”، في حوار مع جريدة “مدار21″، إنه لا يهتم بما يتعرّض له، ولا تقف “عبارات التنمر” حاجزا أمام سعيه إلى تحقيق نجاحات في المجال الفني، ولا تؤثر أيضا في نفسيته، مؤكدا أنه عندما يتصفّح هذه التعليقات لا يشعر بأي شيء.

وأكد “سي مهدي” أنه لا يفضّل الرد على هاته التعليقات أو الرسائل السلبية، أو اتخاذ أي إجراءات قانونية في حق هؤلاء الأشخاص، لأنه “يشفق” عليهم، مبرزا أن السبّ أو التنمر يعبّر عن الشخص “المتنمِّر” الذي يعلّق على الصورة أو الفيديو فقط، وعن ما يعانيه في حياته من مشاكل.

وبرّر المتحدّث نفسه تصرفات هؤلاء الأشخاص بالظروف “الاجتماعية والاقتصادية” التي يعيشونها، مضيفا في الوقت ذاته أن المرة الوحيدة التي أثّر فيه هذا الأمر، كانت حينما “تنمّر” مجموعة من المعلّقين على صورة والده المتوفي.

ظاهرة تعكس الواقع القيمي “المتدني”

التنمر ظاهرة تنخر جسد المجتمع المغربي، هذا ما أكده الطبيب النفسي فيصل طهاري، إذ قال إن “التنمّر موجود في الواقع المجتمعي المغربي، وتتعرّض له مختلف الفئات العمرية، وهو الأمر ذاته في العالم الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت جزءا لا يتجزّأ من العالم الواقعي الخاص بنا”، مشيرا إلى أنه “في كثير من الأحيان يمكن أن نجد فيها بعض الظواهر أكثر من الواقع، وتتلخص في مجموعة من المواقف سواء عبر الفيديوهات أو الصور”.

وأبرز طهاري، في حديث لجريدة “مدار21″، أن التنمر ظاهرة متفشية في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير، ويمكن أن تطال الأشخاص من حيث أشكالهم وطريقة كلامهم وصورهم وفيديوهاتهم وغيرها، مضيفا أن الظاهرة تبرز بشكل كبير في منصات التواصل الاجتماعي، كونها تعطي للمتنمِّرين راحة أكبر من خلال استعمال هؤلاء الأشخاص لحسابات بأسماء وصور مستعارة، لإخفاء هوياتهم وحماية أنفسهم من المساءلة القانونية، مما يولد له الراحة والحق في نعت الناس بما يشاء.

طهاري يرى كذلك أن هذه الظاهرة لا ترتبط فقط بالمشاهير المغاربة، وإنما تمتد عبر العالم، بل ويكون أثرها أكبر، حيث رصدت مجموعة من حالات الانتحار التي لحقت نجوم ومشاهير غربيين، الذين حاولوا الانتحار نتيجة الضغوط النفسية التي يتعرضون لها، لافتا إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل كبير في تفاقم ظاهرة التنمر، وإشباع رغبات المتنمرين، إذ في كثير من الأحيان لا يستطيع هؤلاء الأشخاص القيام بالأفعال نفسها في الواقع، وبالتالي يجدون الفرصة من خلال حساباتهم الوهمية بمواقع التواصل الاجتماعي.

وتابع المتحدث ذاته قائلا: “هناك صفحات خاصة بنشر التعليقات الساخرة من الفنانين والمشاهير، من أجل الحصول على أكبر عدد من الإعجابات والتفاعل من باب الترفيه حسب اعتقادهم”.

وحول ما إذا كانت هذه الظاهرة متفشية بشكل أكبر في الدول الغربية، أوضح طهاري أن الأمر لا يتعلّق بعالم غربي أو عربي، لأن الإنسان واحد في نهاية المطاف، حيث إنه عندما يصل إلى عدم القدرة على تحمل حجم “التنمر والضغط النفسي” الناتج عنه، مثل اضطرابات القلق، والاكتئاب، فعمليا عندما لا يجد هذا الشخص المساندة ينتقل إلى مرحلة “التفكير في الانتحار”.

وأكد طهاري أن عدم الكشف عن محاولات انتحار عدد من الفنانين والمشاهير لا يعني أنه ليس هناك حالات، والتستر عن ذلك راجع إلى كون ذلك “طابو”، مضيفا أن “هناك العديد من المشاهير المغاربة الذين عانوا جرّاء تعرّضهم للانتقادات السلبية والتنمر، الذي يطالهم أو يمس أفراد عائلتهم في بعض الحالات”.

واستحضر المتحدّث نفسه، في هذا السياق، واقعة تتعلق باستقباله أحد الأشخاص في عيادته تعرض والده، الذي يعاني مرضا نفسيا، لموجة من التنمر  عقب مروره في “ميكروطروطوار”، إذ إنه تلقى العديد من العبارات الساخرة، أدت إلى إصابة ابنته بـ”اكتئاب حاد” و”محاولة الانتحار”.

وشدّد طهاري على أن مفهوم  التنمر ليس دخيلا على المجتمع المغربي، بل ظاهرة كونية تدل على المستوى القيمي والأخلاقي الذي يتدنى، وتعكس تربية الفرد الذي أقدم على هذا الفعل، إذ من الطبيعي عندما تبدأ منظومة القيم في الانهيار، تؤدي إلى انتشار مثل هذه الظواهر المؤدية جدّا دون أن يعي الشخص المتنمِّر درجة الألم الذي يسببها للشخص الآخر.

وأضاف الطبيب النفسي أن حدّة التنمر تختلف من شخص إلى آخر حسب طبيعة شخصيته، ومتانة المناعة النفسية التي يتمتع بها، وكذلك حسب حدة التنمر.

ونبّه المتحدّث عينه إلى أن التنمر ظاهرة غير “أخلاقية” تترجم الواقع المعاش لهؤلاء الأشخاص المتنمِّرين ومشاكلهم النفسية، إذ يجب أن يخضعوا لعلاج ومتابعة نفسية إلى جانب هؤلاء المشاهير، الذين يراكمون هذه الضغوطات، معاتبا إياهم أيضا بسبب ما ينشرونه أحيانا من تدوينات وصور وفيديوهات تكون “مستفزّة”، وخاصة وأن بعضهم يسعون إلى خلق “البوز” ما يعود عليهم بعواقب قاسية.

التنمر في القانون المغربي.. ردع محتشم

ولمعرفة الرأي القانوني في هذا الموضوع، تواصلت جريدة “مدار21″ مع المحامي عبد العالي الصافي، الذي أكد أن القانون الجنائي المغربي لم يشِر لـ”التنمر” جريمة مستقلة، مشيرا إلى أنه حسب ما هو معلوم، فإن القاعدة القانونية تقول إنه “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”، لكن هناك نصوص قانونية متفرقة تناولت “التنمر” في مواضيع مختلفة.

وأوضح الصافي، في حديثه لـ”مدار21″، أنه ليس هناك تعريف موحّد ومتفق عليه للتنمر، لكن يمكن الاتفاق على أنه سلوك “عدواني مرفوض” مجتمعيا، عادّاً أن التنمر ليس هو ذلك السلوك العدواني المعزول، بل يتميّز في أغلب الأحيان بـ”التكرار”، والسلوكات التي يمكن تصنيفها تنمرا تختلف من مجتمع إلى آخر، فالسلوك المصنف في المغرب تنمرا يمكن أن يكون في تايلاند أو السويد شيئا عاديا، والعكس صحيح.

وقدّم الصافي، في هذا الصدد، بعض أشكال التنمر، ومنها “العنف اللفظي”؛ من قبيل السب والشتم والسخرية من الضحية، والتهديد بجميع أشكاله بما فيها التهديد بنشر الصور أو الأقوال أو الفيديوهات أو المكتوبات، إضافة إلى “التحرش الجنسي” الذي له أشكال متعددة منها؛ الإبتزاز عن طريق التهديد بالنشر، والتمييز العنصري بسبب الجنس أو اللون أو الهوية، و هذا النوع الأخير يتعرّض له عادة المهاجرين بشكل خاص وذوي البشرة الملونة.

وأضاف المتحدث ذاته، أن كل هذه الأنواع من التنمر تمارس واقعيا في الفضاءات العامة والخاصة، إلى جانب العالم الإفتراضي، وهو ما يمكن وصفه بـ”التنمر الإلكتروني”، مبرزا أنه من أجل “عدم الإفلات من العقاب وتحقيق الردع العام والخاص، فإن التنمر يمكن معاقبته بعد تفكيكه أي بعد تحديد الشكل الذي يتخذه”.

وبخصوص رأي المشرع المغربي في هذا الموضوع، أوضح الصافي أنه تم التطرق إليه بشكل محتشم عكس الدول الأخرى التي جرّمته بشكل صريح وواضح، وأطّرته بقانون خاص مثل الولايات المتحدة و كندا، والنمسا، والفلبين، وتشيلي وغيرها، إذ عالج إحدى صوره من خلال القانون رقم 103.13 المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء، والذي نص على مجموعة من أشكال التنمر التي تمارس على فئة النساء، ثم تدارك ذلك بمقتضى تعديل، ونص في الفصل 447.1 الذي يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2000 درهم إلى 20000 درهم كل من قام عمدا، وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها، ويعاقب بالعقوبة نفسها من قام عمدا وبأية وسيلة بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صور شخص أثناء تواجده في مكان خاص دون موافقته.

وتطرق المتحدث ذاته أيضا، إلى القانون رقم 08.09  المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي وتحديدا في مواده من 52 إلى 66 التي تجرم وتعاقب كل من أنجز ملفا ذو طابع شخصي دون التصريح بذلك أو الإذن له بذلك، وكذا الفصول من 442 إلى 448 من مجموعة القانون الجنائي التي تعالج موضوع الاعتداء على الشرف أو الاعتبار الشخصي وإنشاء الأسرار، وهي نصوص تتعلق بالقذف والسب العلنيين والسب غير العلني.

الصافي أشار في حديثه لـ”مدار21″، إلى أنه لا يجب تبخيس قوة القانون 03.07 المتعلق بنظام المعالجة الآلية، الذي قد تسعف نصوصه في متابعة المتنمر سواء ما يعرف بـ”الهاكرز” أو “الغش الإلكتروني” أو “التزوير المعلوماتي” أو “التدليس المعلوماتي”، مبرزا أن هناك نص مهم في القانون الجنائي المغربي الذي يحمي الشباب والطفولة من التنمر الجنسي، وهو وارد في القانون رقم 03.24، إلى جانب النصوص المتعلقة بتغرير قاصر يمكن أن تدخل في هذا الإطار.

وبالرجوع إلى الوقائع المادية، صرّح الصافي بأنه وفقا لما سار عليه الوضع في أغلب النيابات العامة بالمغرب، وبما أنه ليس هناك نص خاص بالتنمر فهي تكيف الأفعال وفق المتوفر وغالبا ما تكون المتابعة بالتهديد وفقا للفصل 425 وما يليه، والنصب وفقا للفصل 540 من القانون الجنائي، وبهذا  يمكن أن تضاف عقوبات بالنظر لجنس الضحية امرأة أو رجل ونظرا لسن الضحية ما إذا كانت قاصرا أو راشدا.

وأورد المتحدث نفسه، أنه نظرا لعدم توفر المملكة على قانون خاص، بالإضافة إلى تشتت القوانين، أمام ارتكاب هذه الجرائم في أغلب الأحيان على فئات هشة سواء بسبب سنها أو وضعها المادي أو جنسها أو أنها تكون في وضعية صعبة هذا فيما يخص الجانب الموضوعي، أما من حيث الشكل، يضيف الصافي أن إثبات هذه الجرائم يخضع للقواعد العامة في مجال الإثبات، بالنظر إلى خصوصية هذه الجرائم وصعوبة إثباتها مما ينتج مجموعة كبيرة من الشكايات التي تودع لدى النيابات العامة وتلقى الحفظ لانعدام الإثبات.

وعلى مستوى التشكي، فمراكز الأمن والدرك لا تستقبل هذا النوع من الشكايات، ويتم إحالة الضحايا على النيابات العامة لتسجيل شكاياتهم، الشيء الذي يمهد لضياع الإثباتات والأدلة لأن وضع شكاية وتوجيهها للجهة المختصة يكلف جهدا و يهدر وقت الضحية، التي تعيش وضعا نفسيا واجتماعيا متأزما، يؤكد المتحدث ذاته.

وتابع: “جرائم التنمر المنصوص على بعض صورها في التشريع المغربي، تخلق لدى الضحية وضعا نفسيا قد يتسبب لها في أمراض نفسية وعقلية، ربما قد تؤدي وتنتج عنها جرائم أخرى، أي أنه يصبح عاملا لولادة جريمة أخرى، مما يجعل الضحية تعيش حالة من الجحيم بسبب الرضوخ لأوامر المتنمر”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News