الخطاب المباشر وضعف الدراما يحبطان فيلم “الوصايا” لعكرود بمهرجان طنجة

فشلت المخرجة والممثلة سناء عكرود مجددا في إقناع الجمهور والنقاد بفيلمها “الوصايا”، رغم محاولتها العودة القوية إلى الساحة السينمائية بعد سنوات من الغياب، إذ بعد جولة محدودة في القاعات المغربية مطلع عام 2025، عاد العمل ليُعرض ضمن المهرجان الوطني للفيلم بطنجة دون أن يحقق تفاعلا يُذكر.
ويُرجع عدد من النقاد هذا الإخفاق إلى هيمنة الخطاب المباشر على البنية الدرامية، وغياب التوازن بين الطرح الاجتماعي للفيلم والمتطلبات الفنية للعمل السينمائي، ما جعله أقرب إلى مرافعة فكرية منه إلى تجربة فنية مؤثرة.
وكانت الممثلة والمخرجة سناء عكرود، قدمت فيلمها الطويل “الوصايا” في القاعات السينمائية الوطنية بداية فبراير 2025، بعد جولة في عدد من المهرجانات المغربية.
ورغم اهتمام وسائل الإعلام بعودة سناء عكرود إلى الإخراج بعد سنوات من الغياب، إلا أن “الوصايا” لم يحقق الإقبال المنتظر في القاعات، فعدد العروض كان محدودا، وتراجع الحضور الجماهيري بعد الأسبوع الأول من العرض التجاري.
وبعد عرضه من جديد ضمن فعاليات المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، لم يتمكن الفيلم من إقناع النقاد، الذين وجهوا إليه ملاحظات تتعلق بالمعالجة الدرامية وتوازن الإيقاع بين الفكرة الاجتماعية والتنفيذ الفني.
وتشير آراء أخرى إلى أنه ورغم أن العمل يحمل نية نبيلة في الدفاع عن قضايا المرأة، لكنه يفتقر إلى العمق السينمائي والجرأة الفنية في المعالجة، لاعتماده خطابا مباشرا ووعظيا، ما جعله أقرب إلى عمل تلفزيوني منه إلى تجربة سينمائية متكاملة.
ويروي الفيلم حكاية الضاوية، امرأة مطلقة تخوض صراعا قانونيا مع طليقها حول حضانة ابنتها بعد زواجها مجددا، وتتفرع هذه القصة إلى مشاهد تتناول قضايا متشابكة مثل زواج القاصرات، الطلاق، إسقاط الحضانة، وتحديات النساء في التعاونيات والجمعيات المحلية.
وتجري الأحداث في فضاء اجتماعي واقعي، تبرز فيه المخرجة الجانب القانوني والإنساني من تجربة النساء المغربيات اللواتي يجدن أنفسهن أمام منظومة معقدة من الأعراف والقوانين.
واعتمدت سناء عكرود على سرد بطيء وإيقاع درامي هادئ، قائم على الحوارات الطويلة والمشاهد اليومية، مفضلة اعتماد أسلوب بصري بسيط يميل إلى الواقعية، مع تصوير خارجي في مناطق قروية، دون الاعتماد على المؤثرات أو الإبهار البصري.
لكن هذا التوجه، بحسب نقاد، يجعل الفيلم يفتقر إلى الترابط الدرامي، حيث بدت الخطوط الثانوية كثيرة ومتشعبة، مما أثر على تماسك الحكاية الأساسية، إلى جانب اعتبار أن بعض المشاهد أُدرجت لإثارة النقاش الاجتماعي أكثر من خدمتها للسياق الفني.
والعمل من كتابة وإخراج وتمثيل عكرود نفسها، وشارك فيه كل من خديجة عدلي، ودعاء بن خالد، وصفاء ختامي، ويوسف العربي وناصر أقباب.
وحاولت عكرود من خلال فيلم “الوصايا” تناول قضايا المرأة المطلقة في المغرب من زاوية اجتماعية وقانونية، لكنها واجهت صعوبة في تحويل هذا الطرح إلى عمل سينمائي مؤثر أو جماهيري، إذ بطموح فني واضح ورؤية تنفيذية محدودة، ظل الفيلم بعيدا عن تحقيق الصدى الذي رافق الترويج له.
ورأى الناقد عبد الكريم واكريم أن الفنانة سناء عكرود أظهرت حماسة زائدة في فيلمها “الوصايا”، حيث اختلط لديها ما تقوله في بثاتها المباشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع ما يجب أن يكون عليه فيلم سينمائي حقيقي، لتنجز عملا تظهر فيه من البداية إلى النهاية وهي تلقي خطابات طويلة وتقدم وصاياها، ما جعل الفيلم يغرق في الخطابة والمباشرة ويبتعد عن جوهر الفن القائم على التلميح والتكثيف بدل الإسهاب والتكرار.
وأشار واكريم في نقده الذي شاركه على حائط حسابه بـ”فيسبوك” إلى أن شخصية الضاوية سيطرت على باقي الشخصيات دون مبرر درامي واضح، وإنما لأن المخرجة وكاتبة السيناريو أرادت أن تكون هي “نجمة” الفيلم المطلقة، فيما تحول الآخرون إلى مجرد شخصيات ثانوية للتأثيث.
ورغم ذلك، يرى واكريم أن الممثلين أدوا أدوارهم الصغيرة بكفاءة، لكنهم لم يجدوا مساحة حقيقية وسط حضور المخرجة الطاغي في كل مشهد، موضحا أن غياب البعد السينمائي كان واضحا في العمل، مع وفرة في الحوار والمشاهد الكلامية التي لا تحرك الدراما إلى الأمام، بل تجعل الأحداث تدور في حلقة مفرغة تتمحور حول شخصية رئيسية تنفس كرهها للرجال بشكل مبالغ فيه، إذ حتى حين يتعاطف بعضهم معها، لا يسلمون من غضبها أو لسانها الحاد.
وأضاف أن الفيلم يكدس القضايا الاجتماعية، من صراع البطلة مع طليقها حول حضانة ابنتها إلى مشاكلها مع مسؤولي الجماعة القروية، مرورا بتبنيها لمعاناة نساء أخريات وأطفال مظلومين، حتى بدت البطلة أشبه بـ”سوبر الضاوية” التي تحارب في كل الجبهات.
وفي ختام رأيه، أكد واكريم أن كل ذلك لا ينتقص من نوايا سناء عكرود الحسنة ولا من الجهد التشخيصي للممثلين، لكنه يعتبر أن ما قدمته المخرجة كان أقرب إلى مرافعة خالية من الفن، وأن غياب نص متماسك وإخراج قوي جعل الفيلم يفتقد مقومات العمل السينمائي الحقيقي.





