حنيش: مشروع مالية 2026 يثبت ركائز “اقتصاد المستقبل” ويرسخ الدولة الاجتماعية

أكد الدكتور عمر حنيش أستاذ التعليم العالي، في الاقتصاد والتدبير، ونائب رئيس جامعة محمد الخامس بالرباط، أن مشروع قانون المالية لسنة 2026 يتميز عن سابقيه بالغلاف المالي الهام المخصص للاستثمار العمومي، بزيادة ناهزت 12 في المئة مقارنة بسابقه، ما يبرز مساعي جعل الاستثمار العمومي محركاً لنظيره الخاص.
كما أوضح رئيس “مركز البحث المتعدد التخصصات في الأداء والتنافسية”، في حوار خص به جريدة “مدار21″، أن المشروع يُراهن بشكل خاص على المقاولات الصغيرة جدًا والصغرى والمتوسطة، معتبراً أن ذلك يمثل خطوة استراتيجية في اتجاه تحقيق العدالة المجالية وتعزيز دينامية التشغيل المحلي.
وأضاف أن تخصيص 140 مليار درهم لقطاعي التعليم والصحة، بزيادة تقارب 16 في المائة مقارنة بسنة 2025، يعد خطوة مفصلية في مسار ترسيخ نموذج الدولة الاجتماعية بالمغرب.
في ما يلي نص الحوار كاملاً…
كيف تقيّمون التوجه العام لمشروع قانون المالية 2026 في ما يتعلق بتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني وجاذبيته للاستثمارات؟
يُظهر مشروع قانون المالية لسنة 2026 توجهاً واضحاً نحو ترسيخ الاستثمار كقاطرة أساسية للنمو الاقتصادي، في انسجام مع توجهات نموذج التنمية الجديد ومع الأولويات التي حددتها الحكومة في إطار الإصلاح الهيكلي للمالية العمومية. فقد خُصص حجم استثمار عمومي غير مسبوق يُقدَّر بـ 380 مليار درهم، أي بزيادة تناهز 12% مقارنة بسنة 2025، ما يعكس إرادة الدولة في جعل الاستثمار العمومي محفزاً مباشراً للاستثمار الخاص، ومحرّكاً لدينامية الاقتصاد الوطني الذي يعرف طفرة نوعية من حيث الاستحقاقات الوطنية القادمة والحاجة لتطوير قطاعات حيوية والدفع بالمغرب الى مصاف الدول الصاعدة.
يراهن المشروع على تثبيت ركائز “اقتصاد المستقبل” القائم على القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، وفي مقدمتها الهيدروجين الأخضر والطاقات المتجددة، باعتبارهما محوريْن استراتيجييْن في مسار التحول الطاقي العالمي. وقد أطلق المغرب فعلياً مشاريع كبرى في هذا المجال، بشراكات دولية مع دول عديدة تنتمي للاتحاد الأوروبي، مما يجعل الميزانية المقبلة أداةً لتعزيز السيادة الطاقية والصناعية للمملكة. كما يدعم المشروع الابتكار والبحث التطبيقي عبر آليات تمويل جديدة لصالح المقاولات الناشئة في مجالات الرقمنة، والصناعة الخضراء، والتكنولوجيات الحديثة، وهو ما ينسجم مع رؤية الدولة لاقتصاد تنافسي متنوّع ومستدام.
أما على المستوى المالي، يحرص مشروع قانون المالية 2026 على تعزيز الثقة في الاقتصاد الوطني عبر التحكم في التوازنات الماكرو-اقتصادية، إذ يتطلع إلى تقليص عجز الميزانية، ويُرسل إشارة قوية للمستثمرين المحليين والأجانب حول جدّية الإصلاح المالي واستدامة النموذج الاقتصادي المغربي. كما يستمر مشروع الميزانية في تفعيل مضامين ميثاق الاستثمار الجديد الذي يربط منظومة التحفيزات العمومية بتحقيق مؤشرات ملموسة على الارض، خصوصاً خلق فرص الشغل ذات القيمة المضافة وتنويع القاعدة الإنتاجية. عبر تبسيط ورقمنة المساطر الإدارية، وتتبع المشاريع الاستثمارية، في إطار إصلاحات أوسع لتحسين مناخ الأعمال تماشياً مع الاهداف الاستراتيجية الكبرى التي وضع قواعدها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
يُمكن القول اذن إن توجهات مشروع قانون المالية 2026، تندرج ضمن مسار استراتيجي متواصل يهدف إلى تعزيز جاذبية الاقتصاد الوطني، من خلال الرهان على تحفيز الاستثمار المنتج وكدا الالتزام بالانضباط المالي بما يمكن المغرب من استمرار تحسين تصنيفه ضمن مؤشرات التنافسية العالمية، و توسيع شبكاته اللوجستيكية والصناعية، خاصة في مجالات السيارات، الطاقات النظيفة، وصناعة الأدوية والعتاد العسكري وأجزاء الطائرات، اذ أن مشروع الميزانية رؤية مالية تجسد إرادة سياسية ملكية لتوطيد مكانة المغرب كوجهة استثمارية إقليمية ودولية.
2. يراهن المشروع على المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة كمحرك رئيسي للتشغيل وتحقيق العدالة المجالية. برأيكم، ما الشروط المؤسساتية والمالية التي يجب توفيرها لضمان فعالية الدعم الموجه لهذه الفئة؟
رهان مشروع قانون المالية لسنة 2026 على المقاولات الصغيرة جدًا والصغرى والمتوسطة (TPE/PME) هو حقيقة خطوة استراتيجية في اتجاه تحقيق العدالة المجالية وتعزيز دينامية التشغيل المحلي. فهذه الفئة من النسيج الاقتصادي تمثّل أكثر من 95% من مجموع المقاولات بالمغرب، وتساهم بحوالي 40% من الناتج الداخلي الخام، فضلاً عن كونها تُشغّل ما يقارب 73% من اليد العاملة. ومع ذلك، ما تزال مع الأسف تواجه تحديات تمويلية وإدارية وهيكلية تحدّ من قدرتها على النمو والاندماج في السوق الوطنية والدولية. لذلك، فإن تحقيق الفعالية الحقيقية للدعم العمومي الموجه لهذه الفئة يقتضي الانتقال من منطق المساعدة الظرفية إلى منطق المنظومة المندمجة للمواكبة والتأهيل.
وفي هذا الصدد يشكّل الولوج إلى الصفقات العمومية أحد أهم مفاتيح تطور المقاولات الصغيرة والمتوسطة، بالنظر إلى حجم الاستثمارات العمومية التي يفوق سقفها 380 مليار درهم في 2026. غير أن استفادة هذه المقاولات من هذا الرصيد لا تزال محدودة بسبب غياب آليات إلزامية وشفافة لتخصيص حصص حقيقية في الطلبيات العمومية. لذا يمكنني القول أنه من الضروري أن يتم اعتماد مقتضيات واضحة وملزمة تُحدّد أليات جديدة تمكن هذه الفئة من الولوج الى الصفقات العمومية، مع تفعيل الخصوصية الجهوية لتدبير العروض والمنافسات. هذا التوجه سيساهم في إدماج المقاولات المحلية في سلاسل الإنتاج الجهوي، ويخلق قيمة مضافة مباشرة داخل الأقاليم الأقل استفادة من دينامية الاستثمار الوطني.
غير أنه لابد من الاعتماد على الرقمنة الامنة والتبسيط الجبائي كركيزتين ضروريتين لتمكين المقاولات الصغيرة من العمل في بيئة شفافة وسريعة وبدون مخاطر سيبرانية. فالمقاولات الصغرى تعاني في أغلب الاحيان من التعقيدات المسطرية الإدارية وتراكم المتأخرات الضريبية الناتجة عن تأخر الأداء الحكومي وضعف التتبع الرقمي. لذلك يجب تسريع تنفيذ برامج التحول الرقمي للمصالح الجبائية والجمركية، لدى ربما قد يعتبر تجويد النظام الخاص بالتصريح والأداء الضريبي إلكترونياً، بما يضمن شفافية أكبر والحد من البيروقراطية. كما ينبغي تفعيل آلية تقليص آجال الأداء العمومي، انسجامًا مع ما تنص عليه توصيات المجلس الأعلى للحسابات ومبدأ “القدرة التنافسية العادلة” الذي أقرّه ميثاق الاستثمار الجديد.
من جهة أخرى، الولوج إلى التمويل لا يزال يمثل أحد أكبر التحديات أمام المقاولات الصغرى والمتوسطة بالرغم من وجود عدة برامج تمويلية مثل صندوق محمد السادس للاستثمار وبرنامج “انطلاقة”، إلا أن محدودية الضمانات البنكية وضعف التأطير المالي يعيق تطوير مجال عمل هذه الفئة من المقاولات. لذا يُستحسن تطوير التمويل البنكي الى تمويل ذكي ليكون قادرا على ربط التمويل بالنتائج والتكوين والمواكبة. ويمكن تفعيل ذلك عبر إحداث مراكز جهوية للمواكبة التقنية تعمل بتنسيق بين الوكالة المغربية لتنمية المقاولات والمراكز الجهوية للاستثمار، لتقديم الدعم في مجالات التسيير، والتسويق، والتحول الرقمي، لدى فان نجاح مشروع قانون المالية في تحقيق رهانه على المقاولات الصغيرة والمتوسطة يبقى متعلقا بمدى اعتماد مقاربة نسقية متكاملة تجمع بين الدعم المالي، والإدماج في السوق العمومية، والمواكبة التقنية، والعدالة الجبائية.
3. مشروع قانون المالية يخصص 140 مليار درهم لقطاعي التعليم والصحة، مع خلق حوالي 37 ألف منصب مالي. هل ترون أن هذا التوجه كافٍ لإحداث تحول هيكلي في المنظومتين؟ وما هي معايير قياس أثر هذه الاستثمارات في المدى المتوسط؟
ان تخصيص 140 مليار درهم لقطاعي التعليم والصحة في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2026، بزيادة تقارب 16 في المائة مقارنة بسنة 2025، هو في الحقيقة خطوة مفصلية في مسار ترسيخ نموذج الدولة الاجتماعية الذي ارسى دعائمه صاحب الجلالة الملك محمد السادس وهو غلاف مالي ضخم، يضاف اليه إحداث 36,895 منصباً مالياً جديداً، وهذا دليل على وجود إرادة سياسية واضحة لترميم المنظومتين وتحسين مردوديتهما وتجاوبا مع المطالب الشعبية الأخيرة والتي نادت بضرورة تحسين التعليم والصحة بما يكفل تحقيق متطلبات العدالة الاجتماعية والعيش الكريم للمواطن المغربي. غير أن ضخ الموارد المالية وحده لا يمكن أن يحدث تحولاً هيكلياً ما لم ترافقه إصلاحات مؤسساتية هيكلية وجذرية تمس الحكامة، والعدالة في التوزيع، وربط الإنفاق العمومي بالأثر الاجتماعي الفعلي. فالتجارب السابقة أثبتت أن محدودية النتائج تعود إلى ضعف التنسيق وتشتت آليات التتبع والتقييم وضعف الحكامة.
ففي قطاع الصحة، يمثل تعميم التغطية الصحية الشاملة أحد الأوراش الكبرى التي تراهن الحكومة على استكمالها في أفق سنة 2026، وهو ورش بنيوي يرمي إلى تمكين جميع المواطنين، ولا سيما الفئات الهشة، من الاستفادة من خدمات طبية متكافئة. لكن نجاح هذا المسار رهين بمدى قدرة المنظومة الصحية على ضمان توزيع عادل للموارد البشرية والمعدات بين الجهات، وتعزيز الشبكات الجهوية للرعاية الأساسية والمستشفيات الجامعية. كما أن تحسين الحكامة الصحية يقتضي تسريع إصلاح آليات التدبير الجهوي وربط الميزانيات القطاعية بمؤشرات نجاعة واضحة تقيس جودة الخدمات وسرعة الاستجابة وحجم الاستفادة.
أما في قطاع التعليم، فإن التحول الهيكلي المنشود يمكن أن يتحقق عبر التوسع الكمي في البنية التحتية أو توظيف أعداد إضافية من الأساتذة، بالإضافة الى تحسين جودة التعلم وتأهيل الموارد البشرية. عبر تكوين المدرسين وتطوير المناهج الدراسية وادماج الكفايات والابتكار الرقمي قصد الارتقاء بالمدرسة العمومية. وبالتالي فان تنفيذ خارطة طريق جديدة سيكون فرصة لترسيخ مبدأ العدالة التعليمية وتقليص الفوارق المجالية، شريطة أن يُقترن ذلك بتقييم دوري النتائج والمؤشرات، لا بالنفقات وحدها.
إن قياس أثر هذه الاستثمارات في المدى المتوسط يتطلب التحول من منطق “تتبع الميزانية” إلى منطق “المحاسبة على النتائج”. أي أنه بدلاً من التركيز على حجم النفقات، ينبغي اعتماد مؤشرات دقيقة لقياس الأداء، سواء من خلال تحسن ترتيب المغرب دوليا، أو من خلال انخفاض معدلات الانقطاع الدراسي، أو تحسين نسب تغطية الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية وارتفاع نسب الشفاء وانخفاض نسبة الوفيات نتيجة الامراض وعند الولادة. كما يُفترض أن يشمل التقييم مدى فعالية الإصلاحات في تقليص الفوارق بين الجهات وضمان تكافؤ الفرص في الولوج إلى الخدمات الأساسية.
4. تحدث المشروع عن “جيل جديد من برامج التنمية المجالية المندمجة”، انطلاقاً من التجارب السابقة، ما التحديات التي ينبغي تداركها لضمان عدم تكرار نموذج التدخلات القطاعية غير المتكاملة؟
يشكّل الحديث في مشروع قانون المالية لسنة 2026 عن “جيل جديد من برامج التنمية المجالية المندمجة” اعترافاً ضمنياً بحدود النماذج السابقة التي اعتمدت على مقاربات قطاعية متفرقة افتقدت إلى الانسجام والالتقائية. فقد أظهرت التجارب أن غياب التنسيق بين القطاعات الحكومية، وتداخل الاختصاصات بين المستويات المركزية والترابية، حالا دون تحقيق الأثر المنتظر في التنمية المحلية وتقليص الفوارق المجالية وبلوغ الأهداف المسطرة لهذه البرامج على الأمد القصير والمتوسط. لذلك، فإن التحدي الأساسي الذي تطرحه هذه المرحلة الجديدة يتمثل في إرساء مبدأ “الالتقائية الترابية” والتنسيق التام بيم ممثلي الوزارات على المستوى الترابي كمنهج للتخطيط والتمويل والتنفيذ، بما يضمن أن تُدار المشاريع التنموية وفق رؤية موحدة تجمع بين الفاعلين الوطنيين والجهويين والمحليين في إطار من التنسيق والتكامل لبلوغ اهداف الرؤية الملكية السديدة حول الدولة الاجتماعية.
ولتحقيق هذا التحول المنهجي، اعتقد في نظري انه ينبغي منذ البداية تفعيل مبدأ التوطين الجهوي للسياسات العمومية من خلال ربط التمويلات الحكومية، الموجهة إلى المناطق القروية والجبلية، بخطط تنموية جهوية تعاقدية تُبرم بين الدولة والمجالس المنتخبة. ويُفترض أن تندرج هذه الخطط ضمن عقود برامج جهوية تُلزم الجميع بتحقيق أهداف محددة زمنياً ومجالياً، حتى يتحول الاستثمار العمومي من منطق “المشاريع المبعثرة” والمتعثرة إلى منطق “البرامج المندمجة” التي تُحدث أثراً تراكمياً ومستداماً على التنمية المحلية.
اضف الى ذلك ضرورة نقل سلطة اتخاذ القرار التنموي إلى المستويات الجهوية والمحلية ضمانا لفعالية هذا الجيل الجديد من البرامج. أن استمرار مركزية القرار يُفرغ الجهوية المتقدمة من مضمونها الحقيقي، لذلك أرى أن استعجالية تمكين الجهات من تدبير جزء أكبر من ميزانياتها التنموية، ومنحها صلاحيات حقيقية في تحديد أولويات الاستثمار وفقا لخصوصياتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. غير انه لابد من آليات دعم تقني ومؤسساتي مركزية، تضمن التنسيق بين الجماعات الترابية والإدارات اللاممركزة، على اساس شراكة مبنية على الثقة والمسؤولية المتبادلة تمكن من نجاح هذه البرامج الجديدة وإرساء قواعد منظومة شفافة للمحاسبة المجالية وتقييم الأثر. عبر أدوات موضوعية لقياس النتائج لتفادي ضعف النجاعة كما كان في التجارب السابقة.
ومن هنا تبرز أهمية اعتماد مؤشرات كمية ونوعية تقيس مدى مساهمة البرامج في تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتحسين مستوى الخدمات الأساسية، وتعزيز خلق فرص الشغل المحلية كما أسلفنا. مع ضرورة ُنشر نتائج هذه التقييمات بشكل علني ومنتظم لضمان الشفافية، على أن تُربط الميزانيات المستقبلية بتحقيق هذه المؤشرات فعلياً في الأقاليم المعنية، وفق مبدأ “التمويل مقابل النتائج”.
5. في ظل السياق الدولي المتقلب، كيف يمكن الحفاظ على توازنات المالية العمومية دون التأثير سلباً على وتيرة الإصلاحات الاجتماعية والتنموية التي جاء بها المشروع؟
يحتم السياق الدولي المطبوع بارتفاع التضخم، وتقلب الاسعار، ومخاطر الجفاف، اتباع مقاربة مالية مرنة تُوازن بين ضبط العجز والمديونية من جهة، والحفاظ على زخم الإصلاحات الاجتماعية والتنموية من جهة أخرى. مشروع قانون المالية يقوم على تحرير هوامش مالية عبر إعادة هيكلة دعم الأسعار والانتقال التدريجي إلى الدعم الاجتماعي المباشر المبني على الاستهداف عبر السجل الاجتماعي الموحد؛ وهو ما يسمح بتحويل موارد كبيرة نحو التعليم والصحة والحماية الاجتماعية دون تضخيم الحاجة إلى الاقتراض. هذه تؤسس لعدالة إنفاقية تُوجّه الاعتمادات إلى الأسر المستحقة بدل دعمٍ أفقيّ يستفيد منه الجميع بلا تمييز.
كما يقتضي الحفاظ على التوازنات اعتماد إصلاح جبائي فعّال يوسع الوعاء الضريبي ويحد من التهرب والقطاع الغير مهيكل، مع تبسيط المساطر ورقمنتها قصد تحسين الامتثال الطوعي وتقليص الكلفة الإدارية على المقاولات، خصوصًا الصغرى والمتوسطة. لدى كان من الاجدر توسيع القاعدة الجبائية بدل الرفع من الضغط على نفس الفئات، مع تحسين استرداد الدين الضريبي، وتعزيز التقاطع بين قواعد البيانات، وتسريع تعميم وتفعيل آليات الفوترة الإلكترونية والتصريح الموحّد. مع ترشيدٌ مدروس للإعفاءات والتحفيزات، والقيام بتقييم دوري لأثرها على الاستثمار والشغل.
ومن جهة النفقات، يرتكز الحفاظ على الاصلاحات دون الإخلال بالتوازنات اهم لمرتكزات القانون التنظيمي لقانون المالية القائمة على برمجة متوسطة المدى، وربط الاعتمادات بـنجاعة الأداء لا بحجم النفقة. واعتماد عقود أهداف ووسائل مع القطاعات الاجتماعية، وتفعيل محاسبة النتائج على المستوى الجهوي في افق قياس الأثر الفعلي للخدمات على المواطنين. ما يساعد على إنشاء هوامش احتياطية داخلية وصناديق للتقلبات المناخية والكوارث، إلى جانب أدوات تدبير المخاطر قادرة على امتصاص الصدمات دون اللجوء إلى تقليصٍ مفاجئ في البرامج الاجتماعية.
التوازن المالي يتطلب بالأساس تحسين حوكمة القطاع العام والمؤسسات والمقاولات العمومية وذلك بربط العقود بالأداء، وتقليص تقاطعات المهام وتراكمها، وتسريع برامج الإصلاح وإعادة الهيكلة والحكامة، بما يخفف الضغط على الميزانية العامة ويُحسّن عوائد الاستثمار العمومي. وعلى صعيد التمويل، يتيح تنويع ادوات التمويل المبتكرة الى تعبئة موارد طويلة الأجل لتمويل البنيات الأساسية والمشاريع الخضراء دون إثقال كاهل الميزانية. مما يضمن استدامة خدمة الدين ويحافظ على الحيّز المالي للسياسات الاجتماعية.
إن الحفاظ على توازنات المالية العمومية في نظري يمر عبر ثلاث رافعات متكاملة: تحرير مواردٍ مستدامة من خلال إصلاح المقاصة وتوجيهها للدعم الاجتماعي المستهدف؛ ومداخيل عدالة عبر توسيع الوعاء ومحاربة الغش والقطاع الغير مهيكل؛ وإنفاق عمومي منضبط قائم على نجاعة الأداء ومراجعات الإنفاق.