مجتمع

صرخات المغرب العميق تضع مشاريع المغرب التنموية في اختبار العدالة المجالية

صرخات المغرب العميق تضع مشاريع المغرب التنموية في اختبار العدالة المجالية

في وقت تتجه أنظار المغاربة والعالم نحو الاستعدادات الجارية لتنظيم مونديال 2030، تتصاعد في المقابل تساؤلات حول مدى قدرة هذه النقلة الاقتصادية الكبرى على تحقيق عدالة اجتماعية تشمل كل مناطق المملكة، وخاصة المغرب العميق الذي يشكو ضعف التنمية والتهميش.

وبجمع متتبعون على أن تركيز الجهود الحكومية حاليا على تطوير البنى التحتية والمرافق الرياضية في المدن المستضيفة لمباريات المونديال، يعكس تبني أولوية تنموية ذات طابع واجهي واقتصادي متمركز، بيد أن هذا التوجه يسلط الضوء، في الآن ذاته، على التباين المجالي العميق بين المدن الصاعدة والمناطق القروية والجبلية التي ما زالت تكافح من أجل حقوقها الأساسية في الصحة والتعليم والماء والطرق.

وشهدت مناطق مختلفة بالمغرب خلال شهري يوليوز وغشت مسيرات احتجاجية، أبرزها مسيرة آيت بوكماز بالأطلس الكبير ومسيرة العطش بالأطلس المتوسط، في صرخة إنسانية أعادت التذكير بالهوة التنموية بين “مغرب يسير نحو الريادة” و”مغرب آخر ما يزال يطالب بمستوصف وطريق وماء صالح للشرب”.

صرخة استغاثة الهامش أعقبتها احتجاجات “جيل زد”، التي وسعت دائرة المطالب لتشمل أيضا المجال الحضري. إذ أعاد هذا الجيل النقاش حول ترتيب الأولويات الوطنية، متسائلا عن جدوى إنفاق ميزانيات ضخمة على تنظيم تظاهرات رياضية كبرى، في وقت يعاني فيه قطاعا التعليم والصحة من اختلالات صارخة تفجرت بـ”مستشفى الموت” بأكادير.

وكان الملك محمد السادس قد نبه في خطاب العرش الأخير إلى تفاوت وتيرة التنمية بين مناطق المملكة، وقال: “ما تزال هناك بعض المناطق، لاسيما بالعالم القروي، تعاني من مظاهر الفقر والهشاشة، بسبب النقص في البنيات التحتية والمرافق الأساسية، وهو ما لا يتماشى مع تصورنا لمغرب اليوم، ولا مع جهودنا في سبيل تعزيز التنمية الاجتماعية، وتحقيق العدالة المجالية، فلا مكان اليوم ولا غدا، لمغرب يسير بسرعتين”.

وفي خطاب افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان نهاية الأسبوع الفارط، عاد الملك لتأكيد أن تحقيق تنمية ترابية منسجمة يتطلب تضامنا فعليا بين الجهات، مؤكدا أنه لا ينبغي أن يكون هناك تناقض بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية، مادام الهدف المشترك هو تنمية البلاد وتحسين ظروف عيش المواطنين أينما كانوا.

بهذا الصدد، يرى محمد الديش، المنسق الوطني لـ”الائتلاف من أجل الجبل”، أن العالم القروي لن يستفيد بشكل مباشر من الاستثمارات المخصصة لمونديال 2030، باستثناء القرى والمناطق الجبلية القريبة من المدن المستضيفة.

وأوضح الديش في تصريح لجريدة “مدار21” أن “هذه المناطق قد تستفيد من انتعاشة سياحية مؤقتة، غير أن ضعف البنية التحتية من طرق وفضاءات استقبال قد يحول دون ذلك”.

ودعا المؤسسات المنتخبة إلى تأهيل هذه المناطق وتمكينها من فرصة اقتصادية مستحقة، مستبعدا في الوقت نفسه أن توجه العائدات المالية المنتظرة لتنمية العالم القروي، مبرزا أن موقفه مبني “على الواقع التنموي والاجتماعي والاقتصادي وليس على تشاؤم أو نظرة سلبية”.

واسترسل المنسق الوطني لـ”الائتلاف من أجل الجبل”، موضحا أن الموارد المالية يتم توجيهها مرارا نحو الحواضر على حساب المجال القروي، “وهو ما يجعل الهوة المجالية تتسع سنة بعد أخرى”.

في المقابل، يؤكد المحلل الاقتصادي إدريس العيساوي، أن الاستثمارات الخاصة بمونديال 2030 “لا تهم القطاع العام فقط، بل تشمل أيضا القطاع الخاص”، مردفا أن “القطاع الخاص ربحي، وبالتالي فإن الاستثمار في المجال القروي والجبلي رهين بالعائدات المالية المتوقعة”.

وشدد العيساوي في حديثه لجريدة “مدار21” على أن “العالم القروي والمناطق الجبلية سيستفيدان بطريقة غير مباشرة من العائدات التي ستضخ في خزينة الدولة من تنظيم كأس العالم”، مشيرا إلى أن “الحصيلة الاقتصادية للمونديال لن تشمل المدن المستضيفة فقط، لأن تدبير الموارد المالية عملية مركبة ومندمجة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News