مجتمع

جيل المبادرة الحرة والثورة التكنولوجية.. من يكون “جين زد” المُحتج بالمغرب؟

جيل المبادرة الحرة والثورة التكنولوجية.. من يكون “جين زد” المُحتج بالمغرب؟

اختار المحتجون نهاية الأسبوع الجاري بمختلف المدن المغربية، في واحدة من أكبر الحركات الاحتجاجية حجما منذ “حراك الريف” و”20 فبراير” إطلاق مسمى “جين زد” أو “جيل زد” على حركتهم، وهو اختيار لا يخلو من دلالات تشير لتطلعات مغاربة جدد لا استعداد لديهم لدفع ضريبة المشاكل الموروثة عن الماضي.

وقد عكف علماء الاجتماع والأنثربولوجيون على دراسة هذا الجيل منذ فترة غير وجيزة، توصلوا من خلالها إلى عدد من الخصوصيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، التي تميزه عن سابقيه، مؤكدين أن كونه جيل الثورة التكنولوجية يحدث قطائع كبيرة في نظرته للعالم مقارنة مع الأجيال الماضية؛ ويصنع منه جيلا منفتحا، مبادراً ومتمرداً بطبعه، وفق ما تراه الأنثربولوجية الأمريكية روبيرتا كاتز.

وبرز جيل “زد” (Gen Z)، المولود تقريباً بين منتصف التسعينيات وبداية العقد الثاني من الألفية الثالثة، كفاعل أساسي في رسم ملامح الحاضر والمستقبل. ذلك أن هذا الجيل قد وُلد في قلب الطفرة الرقمية، جعلته في موقع ريادي داخل المجتمعات الحديثة على المستوى العالمي وليس بالمغرب فحسب.

“ويميل جيل “زد” إلى البحث عن هوية شخصية وجماعية تتسم بالمرونة والانفتاح، فهو جيل أكثر تقبلاً للاختلافات الثقافية والدينية والجندرية، ويُعلي من قيم الحرية الفردية والتعبير عن الذات”. كما أن حضوره الرقمي الطاغي يجعله أكثر قدرة على بناء شبكات اجتماعية عابرة للحدود، حيث تحوّلت وسائل التواصل إلى فضاء للتفاعل اليومي وصناعة الرأي العام، مما يجعله جيلاً متشبعاً بالقيم العالمية ومتفاعلاً مع مجريات الأحداث حول العالم.

وعلى المستوى الثقافي، يُعرف جيل “زد” بولعه بالمحتوى السمعي-البصري السريع والمتنوع، من مقاطع الفيديو القصيرة إلى البودكاست والألعاب الإلكترونية. هو جيل لا يكتفي بالاستهلاك، بل يشارك في صناعة المحتوى، ما يعزز ثقافة الإبداع الجماعي والمشاركة، كما يتميز بانفتاحه على الثقافات العالمية، دون أن يتخلى عن جذوره المحلية، في توازن لافت بين الأصالة والحداثة.

أما اقتصادياً، فيواجه جيل “زد” تحديات وفرصاً متشابكة. فمن جهة، يعاني من صعوبات الاندماج في أسواق عمل مضطربة بفعل الأزمات الاقتصادية والتحولات التكنولوجية. ومن جهة أخرى، يمتلك مرونة عالية وروحاً ريادية، حيث يُقبل على العمل الحر، التجارة الإلكترونية، والمشاريع المبتكرة. ولعل أبرز سماته الاقتصادية هي بحثه المستمر عن التوازن بين الدخل المادي وتحقيق الذات، بعيداً عن فكرة “الوظيفة التقليدية”.

وفي العالم العربي، يواجه جيل “زد” وضعاً مزدوجاً. فمن ناحية، يعيش في فضاء اجتماعي محافظ نسبياً، تفرض فيه العادات والتقاليد إيقاعها على خيارات الشباب. ومن ناحية أخرى، هو جيل شديد الارتباط بالعالم عبر التكنولوجيا، ما يخلق أحياناً فجوة بين تطلعاته وقيم محيطه.

ويُظهر الجيل اهتماماً متزايداً بريادة الأعمال الرقمية وصناعة المحتوى، خاصة على منصات مثل “تيك توك” و”إنستغرام”، حيث يصنع لنفسه فرصاً جديدة تتجاوز القيود الاقتصادية والسياسية. كما يُعتبر جيل “زد” في المنطقة قوة ديموغرافية مهمة، إذ يشكل نسبة كبيرة من السكان، ما يجعله رافعة أساسية لأي مشروع إصلاحي أو تنموي في المستقبل.

وبذلك يكون جيل “زد” ليس مجرد شريحة عمرية جديدة، بل هو عنوان لتحول جذري في أنماط التفكير والعمل والتفاعل الاجتماعي، هو جيل يسعى إلى إعادة تعريف العلاقة بين الفرد والمجتمع، بين الثقافة المحلية والعالمية، وبين الطموح الشخصي والالتزام الجماعي. وبقدر ما يحمل من تحديات، فإنه يمثل أيضاً فرصة تاريخية لإعادة بناء مجتمعات أكثر مرونة، إبداعاً وانفتاحاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News