اقتصاد

عمال توصيل “غلوفو”.. مقاولون ذاتيون أم أجراء مُقنّعون؟

عمال توصيل “غلوفو”.. مقاولون ذاتيون أم أجراء مُقنّعون؟

لا تمثل الاحتجاجات الأخيرة لعمال التوصيل التابعين لشركة “غلوفو” على هشاشة أوضاعهم المهنية حالة معزولة، فإذا كان هؤلاء قد تجرؤوا على رفع أصواتهم بسبب تكبدهم لمخاطر شديدة أثناء مزاولة أعمالهم، على غرار عرضتهم لحوادث السير، فإن تحايل بعض المقاولات على قانون الشغل، عبر توظيف عمال بعقود المقاول الذاتي بات عملة رائجة وظاهرة مقلقة تحتاج تدخلا مستعجلا للسلطات المسؤولة عن إنفاذ قوانين الشغل بالمغرب.

وتستغل بعض المقاولات، وبينها مقاولات عمومية، تفشي البطالة في صفوف الشباب وحاجتهم الملحة إلى دخل، لتوظيفهم بنظام المقاول الذاتي؛ حيث تفرض عليهم علاقة تعاقدية لا تتيح لهم أيا من الحقوق الاجتماعية والقانونية التي تضمنها لهم مدونة شغل؛ من تقاعد وتغطية صحية واستقرار مهني… مستقوية بعقد ينص على أنهم ليسوا بأجراء تابعين لها بل مقاولون مستقلون يقدمون لها خدمات مأجورة فحسب.

غير أن هذه العلاقة التعاقدية، تصطدم في الوقت ذاته بواقع لا يتناسب معها، فالمشتغلون عن طريقها يُعامَلون من قبل الشركات المشغلة بوصفهم أجراء؛ وفي هذا الصدد، يرى الخبير في قانون الشغل، ياسر السملالي، أنه رغم توقيعهم لعقد تجاري، فإن هؤلاء الموزعين ينفذون أوامر دقيقة، ويتعرضون أحيانًا لعقوبات في حال رفض تأدية الأوامر أو التأخير، ولا يملكون أي استقلالية حقيقية في تنظيم عملهم.

وأضاف الخبير أن الموزعين (مندوب توصيل) مثلا كنموذج لهذه الحالة يحملون شعار الشركة، ويتقاضون أجورهم من طرفها؛ كما أنهم يشتغلون حصريًا مع منصة واحدة. “هذه العناصر تبيّن وجود علاقة تبعية، وهي المعيار الأساسي لعقد الشغل في القانون”؛ ما يجعل من هؤلاء الموزعين المستقلين في الواقع عمالا مقنَّعين.

وتستفيد الشركات التي تلجأ إلى هذا النوع من العقود من الإعفاء من تحمل التبعات الاجتماعية لعقود الشغل؛ كونها تستطيع طرد العمال تعسفياً دون تحمل أي تبعات قانونية، ودون منح أي تعويضات كانت. كما أنها تستفيد ماديا من خلال عدم أداء الضرائب المهنية المترتبة عن عقود الشغل ولا المساهمات في الصناديق الاجتماعية بما يضمن للأجير معاش التقاعد والتغطية الصحية والتأمين عن فقدان الشغل وغير ذلك.

وتنص قواعد نظام المقاول الذاتي على أن يؤدي الأجير بنفسه ضريبة ربع سنوية تتراوح قيمتها بين 1 و2 في المئة، حسب نشاطه المهني، من “رقم المعاملات” الذي حققه خلال الشهور الثلاثة المعنية. كما يكون مطالباً بتأدية واجبات الـCNSS التي قد تصل إلى 600 درهم كل 3 أشهر، للاستفادة من التغطية الإجبارية على المرض فقط دون بقية حقوق الضمان الاجتماعي.

وفي المقابل، أوضح السملالي أن العقد قد يبدو “مستقلاً” في ظاهره، لكن الواقع هو المحدّد الحقيقي للعلاقة التعاقدية؛ “ففي حال وقوع نزاع، يمكن للمحكمة إعادة تكييف العلاقة على أنها عقد عمل، مع ما يترتب عن ذلك من تبعات اجتماعية وضريبية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News