اقتصاد

تقرير: التصدير يزدهر بالمغرب والفلاحون الصغار خارج دائرة المكاسب

تقرير: التصدير يزدهر بالمغرب والفلاحون الصغار خارج دائرة المكاسب

يبرز تقرير حديث صادر عن مؤسسة “فريدريش ناومان” أن المغرب شهد تطوراً كبيراً في الانفتاح التجاري خلال العقود الثلاثة الماضية، خصوصاً مع الشركاء الأوروبيين، لكنه يوضح أن صغار الفلاحين لم يستفيدوا بالشكل الكافي من هذه المكاسب.

يشير التقرير إلى أن الانفتاح التجاري بدأ بحذر في التسعينيات، ثم تحول إلى اعتماد استراتيجي للاتفاقيات الحرة للتجارة (FTAs)، التي تشمل أكثر من 54 اتفاقية مع أوروبا وإفريقيا والأمريكيتين، لتصبح محفزاً لجذب الاستثمارات الأجنبية وتحديث الصناعة، رغم محدودية استفادة المناطق الريفية.

يشرح التقرير أن تجربة المغرب مع الاتفاقيات الحرة انطلقت باتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي عام 2000، حيث ارتفعت حصة التجارة من الناتج المحلي الإجمالي من 59% سنة 2000 إلى نحو 79% عام 2019، ما يعكس نجاح الانفتاح التجاري في تعزيز النمو الاقتصادي، لكنه لم يترجم إلى دعم متكافئ للفلاحين الصغار.

يسلط التقرير الضوء على قطاع السيارات كمثال على النجاح الصناعي، إذ أصبح مصنع رينو-نيسان في طنجة رمزاً للسياسات المفتوحة، بإنتاج نحو 400 ألف سيارة سنوياً وارتفاع صادرات السيارات من 300 مليون دولار إلى 14.2 مليار دولار، فيما ظل العديد من الفلاحين الصغار خارج دائرة الفوائد الاقتصادية المباشرة.

يعرض التقرير المكاسب في قطاع الفواكه والخضروات، خصوصاً في مناطق سوس-ماسة والعرائش والقنيطرة، حيث استفادت الشركات الكبرى من النفاذ إلى السوق الأوروبية من خلال تطوير مرافق اللوجستيات، والري بالتنقيط، والحصول على أسعار أعلى عند البيع بالجملة والتجزئة، بينما بقيت غالبية صغار الفلاحين معزولة عن هذه الفوائد.

يوضح التقرير أن ثلاثة أرباع المزارع المغربية تقل مساحتها عن خمس هكتارات، وأن 12% فقط من صغار الفلاحين يمتلكون وسائل نقل مبردة، ما يؤدي إلى خسائر بعد الحصاد تصل إلى 30%، مؤكداً أن التركيز على المدن الساحلية والمناطق المزروعة بشكل مكثف يفاقم الفجوة بين الساحل والمناطق الداخلية.

كما يبين التقرير أن الموقع الجغرافي وحده لا يكفي لضمان النجاح التجاري، بل تلعب البنية التحتية، بما فيها الممرات اللوجستية وتمويل الصادرات، دوراً حاسماً في تحديد المستفيدين من الاتفاقيات الحرة للتجارة.

يسرد التقرير تجربة قطاع النسيج المغربي مع الاتفاقية الحرة مع تركيا عام 2006 كمثال على المخاطر المحتملة إذا لم تصحب الاتفاقيات الحرة بإعداد محلي قوي، إذ أدى ضعف القدرة التنافسية المحلية إلى تراجع العمالة من 200 ألف إلى نحو 140 ألف بحلول 2023.

يوصي التقرير بأن الحل لا يكمن في تقييد الاتفاقيات، بل في تطبيق سياسات وطنية شاملة ترافق الانفتاح التجاري، تعمل على دعم الفلاحين الصغار، وتوفير البنية التحتية المناسبة، بما في ذلك شبكات السلسلة الباردة وتحسين الطرق الثانوية لضمان وصول المنتجات بأمان إلى الأسواق، كما يمكن الاستثمار المشترك مع دول إفريقية لتعزيز الاتصال الإقليمي وتسهيل التجارة البينية.

يختم التقرير بالإشارة إلى أن النجاح التجاري الشامل يتطلب رؤية موحدة تربط ‘الساحل بالداخل، المزرعة بالمصنع، السياسة بالشعب”، مع إرادة سياسية واستثمارات في البنية التحتية، لتكون الاتفاقيات الحرة أداة للتنمية الشاملة وليس عاملاً لتكريس التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News