رأي

بعد دخوله حيز التنفيذ.. الرميد يقدم ملاحاظاته على قانون العقوبات البديلة

بعد دخوله حيز التنفيذ.. الرميد يقدم ملاحاظاته على قانون العقوبات البديلة

تشهد العدالة الجنائية المغربية حدثًا هامًا، حيث يمثل اليوم 22 غشت 2025، بداية تطبيق قانون العقوبات البديلة، ونظرًا لأهمية هذا الحدث القانوني، تجدون أدناه هذا المقال المختصر الذي يتعرض لـ: العقوبات البديلة: مقتضيات وملاحظات.

إن العقوبات المقررة حاليًا، تتكون من:

عقوبات أصلية؛ وهي تلك التي يمكن الحكم بها وحدها دون أن تضاف إلى عقوبة أخرى، وهي إما عقوبة جنائية أصلية، وعددها خمسة: أولها الإعدام، ثم السجن المؤبد، والسجن محدد المدة، والإقامة الإجبارية، فالتجريد من الحقوق الوطنية.
أو عقوبات جنحية أصلية، وهي اثنتان: الحبس والغرامة.
أو عقوبات ضبطية أصلية، وهي أيضًا اثنتان: الاعتقال والغرامة.

عقوبات إضافية، حينما لا يمكن الحكم بها وحدها، حيث تضاف إلى عقوبة أصلية أو بديلة، أو حينما تكون ناتجة عن الحكم بعقوبة أصلية، وعددها سبعة، من مثل الحجر القانوني، والتجريد من الحقوق الوطنية وغيرها.

أما الجديد، فهو إضافة نوع جديد من العقوبات، وهي العقوبات البديلة، التي صدر بها القانون 43.22، الذي أحدث نسخًا وتعويضًا وتتميمًا لبعض فصول القانون الجنائي، وخاصة الفصل 14، وأحدث الباب الأول المكرر، ويتكون من 14 فصلًا، تفرعت كلها عن الفصل 35 منه. ومن جهة أخرى، فقد تضمن القانون المذكور، تتميم أحكام القسم الأول من الكتاب السادس من قانون المسطرة الجنائية بالباب الخامس المكرر، الذي تضمن 20 مادة، كلها متفرعة عن المادة 647 من القانون نفسه.

وجدير بالذكر، أن المادة الأخيرة من القانون، كما هو منشور بالجريدة الرسمية ليوم 22 غشت 2024، تنص على أن هذا القانون يدخل حيز التنفيذ بعد صدور النصوص التنظيمية اللازمة لتطبيقه بالجريدة الرسمية في أجل أقصاه سنة، وهي التي سيكون تمامها اليوم 22 غشت من هذه السنة (2025).

إن الملاحظ أن الأمر يتعلق فقط بنصين تنظيميين، وليس بنصوص تنظيمية كما ورد خطأ بالقانون، ويتعلق الأمر بما أوردته المادة 647.1 من قانون المسطرة الجنائية، التي نصت على ما يلي: “تختص الإدارة المكلفة بالسجون مركزيًا أو محليًا أو من تفوض له ذلك، بتتبع تنفيذ العقوبات البديلة. وتوضع رهن إشارتها الوسائل اللازمة للقيام بذلك. ويحدد تطبيق هذه المادة بنص تنظيمي”)”.

كما أوردت المادة 647.13 من القانون نفسه الآتي: “تحدد بنص تنظيمي كيفيات تدبير القيد الإلكتروني والمصاريف التي يمكن فرضها على المحكوم عليه بهذا الخصوص”.

والملاحظ أن مجلس الحكومة صادق بتاريخ 22 ماي 2025 على ما أطلق عليه المرسوم المتعلق بكيفيات تطبيق قانون العقوبات البديلة، حيث تم إدماج المرسومين في مرسوم واحد. مع العلم أن النص على المرسومين في المادتين أعلاه، ليس له ما يبرره، باعتبار أن الصيغة الواردة في المادة 647.1 مستوعبة لكلا النصين.

وتجدر الإشارة إلى أن العقوبات البديلة يجري بها العمل في أغلب الدول الأوروبية، فضلًا عن بعض الدول العربية، منذ سنوات عديدة، وذلك تبعًا لتوصيات المؤسسات المختصة بالأمم المتحدة، وكذا المؤتمرات المتخصصة. وقد سبق للمناظرة الوطنية المنعقدة بمكناس حول السياسة الجنائية سنة 2003 أن أوصت بذلك، كما أن ميثاق إصلاح منظومة العدالة تضمن عدة توصيات بهذا الشأن. غير أن الأهم من ذلك، هو النص على ذلك في الخطاب الملكي السامي ليوم 30 غشت 2009.

وقد سبق إنجاز تعديل بذلك في ما تضمنه مشروع القانون الجنائي الذي تمت إحالته على مجلس النواب سنة 2016، وقامت الحكومة الحالية بسحبه، وإعداد مشروع القانون عدد 43.22، بعد أن أضافت إليه ما كان مضمنًا بمسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية المنجزة سنة 2015، وأوقعت عليها بعض التعديلات، ونسبته إليها دون وجه حق.

وهكذا فإن العقوبات البديلة، هي:

أولًا: بديلة فقط للعقوبات السالبة للحرية، التي تهم العقوبات ذات الطبيعة الجنحية دون الجنائية.

ثانيًا: تُطبق في حدود ما تنطق به المحكمة من عقوبة حبسية تقل عن خمس سنوات.

ثالثًا: لا تُطبق في حالة عود المتهم إلى ارتكاب الجريمة.

رابعًا: لا تهم ثمان جرائم مستثناة من العقوبات البديلة، من مثل الجرائم المتعلقة بأمن الدولة والإرهاب، وغسل الأموال، والاختلاس والغدر والرشوة وتبديد الأموال العمومية…

وفي هذا الإطار، نؤكد على أن القانون محل المناقشة لم يكن موفقًا في استثناء جرائم الإرهاب من تطبيق العقوبات البديلة، لأنه مستثنى بحكم طبيعة عقوباته الجنائية، باستثناء الفصل 218.2 الذي يتعلق بالإشادة بالأفعال الإرهابية، ويقتصر على عقوبة الحبس من سنتين إلى ست سنوات.

ومعلوم أنه يمكن أن تقف المحكمة (غرفة الجنايات المختصة بالإرهاب بمحكمة الاستئناف بالرباط) على إشادة لا تكتسي خطورة من حيث نتائجها، وقد تتعلق بتهور لفظي، فتحكم على المتهم بالحبس بأقل من خمس سنوات، يمكن أن تُستبدل بذمّ الإرهاب، بأشكال مختلفة… إن ذلك سيكون أفضل للمجتمع من الحبس، خاصة في حالة إبداء الندم وإعلان الاعتذار.

ومثل ذلك، بالنسبة لجرائم الغدر الواردة في الفصل 243 وما يليه من القانون الجنائي، وكذلك ما ورد بشأن جريمتي التبديد والاختلاس، المنصوص عليهما في الفصل 241 من القانون الجنائي. ومعلوم أنه في حالة كون الأشياء المبددة أو المحتجزة أو المخفاة تقل عن مائة ألف درهم، فإن الجاني يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات.

ويمكن أن تكون عقوبة هاتين الجريمتين، كما الحال بالنسبة لجريمة الغدر، محل استبدال بعقوبة مالية مضاعفة مرات عديدة. فالحكم مثلًا على شخص بسنتين حبسًا نافذًا، إذا تم استبداله بعقوبة الغرامة اليومية بـ 500 درهم عن كل يوم، فستكون القيمة الواجب أداؤها 365 ألف درهم. أما إذا كانت الغرامة اليومية بمقدار 1000 درهم عن كل يوم، فستكون القيمة بمقدار: 730 ألف درهم، وهكذا دواليك. فما بالك إذا كانت العقوبة أربع سنوات حبسًا نافذًا، حيث ستكون المبالغ مضاعفة.

غير أنه يلاحظ في المقابل، أن الاتجار في المخدرات سيخضع لمقتضيات العقوبات البديلة على عكس الاتجار الدولي، وكان ينبغي استثناؤه أيضًا، مثل الاتجار في المؤثرات العقلية، نظرًا لخطورة هذه الجريمة.

إنه لا شيء يبرر عدم إيراد جريمة الاتجار في المخدرات ضمن الجرائم المستثناة، إذ إنها خطيرة جدًا على أمن المجتمع وصحة الأفراد. مع العلم، أن جريمة استهلاك المخدرات التي تعج السجون بمرتكبيها ستخضع بدورها للعقوبات البديلة.

كما أن العقوبات البديلة لا تُطبق إلا إذا قبل المحكوم عليه تنفيذها داخل آجال محددة.

وجدير بالذكر أن الكثير من اللغط صاحب مناقشة مشروع هذا القانون، خاصة فيما تعلق بالغرامة اليومية. وقد أصاب وزير العدل بتمسكه بهذا المقتضى، خاصة وأن الفصل 35.14 نص صراحة على أنه لا يمكن الحكم بعقوبة الغرامة اليومية، إلا بعد الإدلاء بما يفيد وجود صلح، أو تنازل، صادر عن الضحية أو ذويه، أو قيام المحكوم عليه بتعويض أو إصلاح الأضرار الناتجة عن الجريمة، وهو ما من شأنه أن يعزز العدالة التصالحية التي تعتبر أسمى صور العدالة المنصفة.

إن مما ينبغي ذكره، أن تحقيق الغايات السامية من تشريع هذا القانون، تتوقف على حسن تنفيذه من المؤسسات المعنية به، وهي أولًا: قضاء الحكم الذي ينبغي أن يتحلى بما يجب من استيعاب جيد لمقاصد هذا القانون. ومعه النيابة العامة التي يتعين أن لا تطعن في الحكم الصادر بهذه العقوبة إلا لأسباب استثنائية جدًا، وذلك لكون أي طعن من جانبها يؤدي لا محالة إلى تأجيل تنفيذ الحكم القاضي بالعقوبة البديلة إلى غاية صيرورة المقرر القضائي الصادر بها حائزًا لقوة الشيء المقضي به، وهو ما لا يتلاءم مع طبيعة هذه العقوبة، خاصة إذا تعلق الأمر بمعتقل.

ثم يضاف إلى هاتين المؤسستين مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبة، الذي ستصبح له أدوار حاسمة في الإشراف على تنفيذ مقتضيات هذا القانون، فضلًا عن إدارة السجون، التي ستجسد رأس الرمح في تنفيذه مباشرة أو بالتفويض لمؤسسة عمومية أو خاصة.

ومعلوم أن القوانين مهما كانت جيدة، فإن جودتها تتبخر إذا لم تجد موارد بشرية مؤهلة ومحفزة ونزيهة، تسهر على التنفيذ الصارم لمقتضيات هذا القانون، بحيث لا يكون وسيلة للتهرب من العقاب، خاصة فيما يهم عقوبة العمل للمنفعة العامة، إذ قد تقع تواطؤات بيروقراطية، تجعل من هذه العقوبة مجرد حبر على ورق، كما يقع بالنسبة لتوقيع الحاضر من بعض الموظفين نيابة عن الغائبين منهم.

كما أن التنفيذ الجيد، سيبقى رهينًا بالإمكانات المادية والبشرية التي ستكون رهن إشارة المؤسسات المعنية، وبالأخص منها قاضي تنفيذ العقوبة، والإدارة المكلفة بالسجون وإعادة الإدماج.

إن تطبيق المراقبة القضائية المنصوص عليها في المادة 161 من ق.م.ج لا يُعتمد حاليًا بشكل واسع، سواء من قبل النيابة العامة، أو قضاء التحقيق، أو قضاء الحكم، وهو ما يلاحظ أيضًا بالنسبة لعقوبة الإقامة الإجبارية التي هي عقوبة جنائية أصلية لا يُحكم بها عادة.

لذلك لا بد من حملة تحسيسية وتكوينية مكثفة، تضمن مستوى معقولًا من التنفيذ المطلوب.

كما أنه في هذا السياق، يحق التساؤل عن عدم اعتماد المراقبة الإلكترونية، ضمن إجراءات المراقبة القضائية بقرار من النيابة العامة، أو قضاء التحقيق، عند الاقتضاء.

كما أنه يحق التساؤل عن مدى ملاءمة الإبقاء على العقوبة الموقوفة التنفيذ بعد اعتماد العقوبات البديلة؟
ذلك أن القاضي سيكون أمام امتحانات متعددة، فهو من جهة، ينبغي بعد البت في مدى ثبوت الجريمة من عدمه، الحكم إما بعقوبة حبسية نافذة دون عقوبة بديلة، أو عقوبة حبسية ومعها عقوبة بديلة، أو عقوبة حبسية موقوفة. أليس في هذا إثقالًا على القضاء، وتحميله مسؤوليات مضاعفة، من شأنها أن تثير في مواجهته ردود فعل متباينة، خاصة وأن نصف الناس أعداء للقاضي، هذا إن عدل؟

إنه ينبغي التفكير جيدًا في مدى جدوى الإبقاء على عقوبة الحبس الموقوف، خاصة وأن هذه العقوبة أصبحت مجردة عن الماهية الملموسة. لقد أضحت مجرد عقوبة معنوية، حيث تم تجريدها من معناها الأصلي، والذي يجعل منها عقوبة نافذة في حالة ارتكاب الجريمة داخل أجل 5 سنوات. وستكون مرحلة التنفيذ جديرة بإتاحة الفرصة لنقاش موضوعي مفيد للجواب على هذا السؤال وغيره.

وأخيرًا، إن هذا القانون يتضمن الكثير من التفاصيل، ويثير العديد من التساؤلات، لكنه في النهاية قانون مهم في مسار استكمال إصلاح المنظومة الجنائية، التي ما زالت في حاجة إلى مراجعة عميقة، خاصة على صعيد القانون الجنائي، الذي تم للأسف، سحب مشروع تعديله وتتميمه، دون وجه حق، من قبل الحكومة الحالية.

ومع ذلك، يُحمد لهذه المرحلة، أنها شهدت تعديل وتغيير قانون المسطرة الجنائية، بالرغم من شوائبه المعلومة، وذلك اعتمادًا على مسودة مشروع القانون المنجز سنة 2015.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News