تحولات المجتمع والمرأة و”السوشيال ميديا” في قلب الموسم الجديد للدراما المغربية

تنبش مجموعة من الأعمال ضمن الموسم الجديد من المسلسلات والأفلام في قضايا اجتماعية، لا تخرج عن إطار انتقاد ظاهرة مواقع التواصل الاجتماعي، سواء في قالب درامي أو كوميدي، إلى جانب التركيز على تيمتي العائلة والمرأة، اللتين تحضران بقوة في السنوات الأخيرة، من خلال تجسيد المرأة القوية أحيانا، أو تلك التي تعاني تحت سلطة الرجل ومحاولاته كبح طموحها.
ويفضل صناع هذه الأعمال استلهام مواضيعهم من الواقع المغربي، بهدف تحقيق القرب من الجمهور، وعكس تعقيدات المجتمع، في محاولة لجذب المشاهد عبر طرح قضايا حساسة أو إحداث صدمة تولد الفضول وتدفع للمتابعة.
وتتميز هذه الإنتاجات في السنوات الأخيرة بجرأتها في الطرح، وكسرها للطابوهات التي طالما ظلت مسكوتا عنها في المجتمع.
وفي هذا السياق، يركز مسلسل “فطومة” على شخصية امرأة، في استمرار لتوجه الأعمال الدرامية التي جعلت من قضايا المرأة محورا أساسيا يعكس تحولات المجتمع ونقاشاته الراهنة.
ويتناول مسلسل “فطومة” معاناة امرأة بسيطة تحاول فك خيوط ماض مثقل بالتجارب، بينما تواجه في حاضرها سلطة المال وغياب الضمير، في سعيها للعيش الكريم وتحقيق الاستقرار، إذ سيتابع المشاهد تفاصيل الحياة اليومية لبطلة المسلسل، التي تكافح من أجل فرض ذاتها، رغم العراقيل التي تواجهها من أطراف ترفض وجودها، مما يدخلها في صراعات متتالية، ويؤدي نبشها في الماضي إلى إحياء أزمات قديمة، تقلب حياتها رأسا على عقب.
وسيتناول فيلم تلفزيوني بعنوان “مامات”، عزيمة امرأة تسعى إلى “محاربة الأمية”، في الستينات من عمرها، إذ تجري أحداث العمل في قلب دوار منكوب، تنعدم فيه أبسط مقومات الحياة، من غياب الماء وعزلة على جميع المستويات.
ومن رحم المعاناة تسطع امرأة بسيطة، لا تحمل شهادات ولا سلطة، لكنها تحمل عزيمة صلبة وحلما بسيطا يتعلق برغبتها في تعلم القراءة والكتابة.
وسيتناول فيلم “باكالوريا” أيضا قصة مشابهة لا تختلف كثيرا عن “مامات” إذ سيرصد عزيمة وإصرار امرأة تجاوزت الستين من عمرها، تقرر العودة إلى صفوف الدراسة من خلال اجتياز امتحان البكالوريا، رغم التحديات والصعوبات الاجتماعية التي تعترضها، خاصة وأن هذا الحلم ظل مؤجلا بسبب زواج هذه السيدة في سن صغير، وتفرغها لسنوات للاهتمام بأسرتها.
وسيتناول مسلسل “وليدات رحمة” تيمة المرأة من زاوية مختلفة، إذ يتناول ظاهرة الاتجار في الرضع من قبل سيدة، مسلطا الضوء على الجوانب المظلمة لهذه القضية، المنتشرة في بعض هوامش المجتمع، إلى جانب طرحه قضايا اجتماعية أخرى قريبة من الواقع المغربي، من بينها تفشي المخدرات، خاصة “الحشيش”، في الأحياء الشعبية، في قالب درامي واقعي.
ويركز المسلسل الأمازيغي “فصول الألم” أيضا على قضية امرأة تُدعى كريمة، توفي زوجها وترك لها ثلاث بنات، إلى جانب العديد من العقارات والمشاكل المرتبطة بها، لتكشف أحداث العمل عن العديد من الحقائق، من بينها ظهور عصابات إجرامية تنكشف معها أسرار متعددة.
وتتميز بنات كريمة بشخصيات مختلفة، لكل واحدة منهن مشاكلها الخاصة، إذ سيعيش المشاهد تفاصيل كل قصة على حدة، إلى جانب تناول العمل قصة عائلة منافسة تعاني بدورها من مشاكل، في سياق صراع حول النفوذ والمال والطمع داخل المجتمع.
بدوره المسلسل الأمازيغي “أفاذار”، الذي سيستمر عرضه في جزء ثان، يستعرض عزيمة امرأة تدعى لويزة، التي تدخل في صراع ومواجهة مع “عمار”، المنتخب المحلي الذي يسعى لإفشال مشروعها في تأسيس تعاونية نسائية، خوفا من اكتسابها شعبية ونفوذا في المجتمع.
وتبرز لويزة، الحاصلة على شهادة في القانون، كشخصية قوية تخوض مجال السياسة، بينما يحاول عمار محاربتها عبر دسائس تستهدف تفكيك دعم النساء لها، بحسب تصريح مخرجه للجريدة.
واختار صناع المسلسل الأمازيغي الذي يحمل عنوان “علاش يا غزالي” تسليط الضوء على العائلة، من خلال رصد يوميات زوجين من الطبقة الراقية، يجدان نفسيهما مضطرين لمغادرة المدينة والانتقال للعيش في البادية، نتيجة صعوبات ومشاكل تهدد استقرارهما، إذ سيواجهان تحديات التأقلم مع نمط عيش مختلف تماما، بعيدا عن ضغوط المدينة وإيقاعها السريع.
واختار صناع فيلم “المخطوط” التركيز على قوة المرأة من خلال إيقاعها بالرجل في شباكها والانتقام لصالح العائلة، التي تعد جزءا من هذا العمل، إذ ستنفذ جيهان انتقامها من أجل العائلة، من خلال دفع زوجها الذي أوهمته بالوقوع في حبها عن طريق مخطوطوات تسير حياته، إلى الانتحار.
وركز صناع أعمال أخرى على ظاهرة صناعة المحتوى غير الهادف في واقع التواصل الاجتماعي، وما يخلفه في المجتمع، إذ ينبش مسلسل “ليلي طويل” في ظاهرة المؤثرين، بتسليط الضوء على حياة المشاهير والتحولات الاجتماعية المرتبطة بهم، بمتابعة يومياتهم وتفاصيل ما يحيط بعالمهم.
ويرصد المسلسل مسار فتاة تجد في منصات التواصل الاجتماعي، وتحديدا “تيك توك”، بوابة نحو الشهرة والانتشار، لكن مع انتشار محتواها في المنصة، تنقلب حياتها رأسا على عقب، لتواجه سلسلة من التحولات العميقة والتحديات المعقدة، في ظل صراع متصاعد بين واقعها الافتراضي والتزاماتها الاجتماعية والعائلية.
ويطرح فيلم “مودافيون” أزمة “مواقع التواصل الاجتماعي” من منظور آخر، مسلطا الضوء على عائلة مغربية تستخدم حيلة ذكية لإنقاذ طفليها من الإدمان الرقمي، وإعادتهما لاكتشاف جمال الحياة الواقعية.
وستدور أحداث الفيلم حول خطة هذه العائلة لإنقاذ ابنيها، طه وهبة، اللذين تراجع مستواهما الدراسي بشكل ملحوظ، وبدأت العزلة تحيط بهما، مبتعدين عن الحياة الحقيقية، إذ ستنطوي الخطة على اختلاق أزمة مالية وهمية، والانتقال للعيش في الريف عند امرأة مسنة تعرف بصرامتها، حيث يُجبر الطفلان على التأقلم مع أسلوب حياة بسيط وصارم بعيدا عن التكنولوجيا.
وعلى الرغم من الصعوبات في البداية، يتمكن طه وهبة من التكيف مع الحياة القروية بعد أن تُركا وحدهما، ليكتشفا من جديد شغفهما واهتماماتهما التي كانت مهملة بسبب إدمانهما الرقمي، إذ ستتحول تجربتهما من معاناة إلى فرصة للنضج والتعلم، إذ سيُفاجئان والديهما بقرارهما الاستمرار في العيش مع “مي طامو” حتى نهاية العطلة، مع إدراكهما لأثر الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي واتخاذهما قرار اتباع استخدامها باعتدال.
وفي السينما، يُعرض حاليا فيلم “الربحة” الذي يناقش أيضا جوانب خفية من عالم مواقع التواصل الاجتماعي، مسلطا الضوء على الآثار السلبية الناجمة عن الانغماس فيها، معريا جانبا من المخاطر التي تعترض مستعملي هذه المنصات، وراصدا طرق البحث عن الانتشار السريع (البوز) والشهرة الزائفة، إضافة إلى عرضه نتائج سلك هذه الطريق.
ويسلط العمل الضوء على تحولات اجتماعية واقتصادية يعيشها ثلاثة شبان من حي شعبي، لا يعرفون شيئا عن سبل الربح من الإنترنت، لكن حياتهم ستنقلب رأسا على عقب بعد لقاء سيدة تدعى “سمية سطار”، مؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، تقترح عليهم نقل تجاربهم اليومية إلى هذه المنصات لتحقيق دخل مادي، إذ يبدأ الثلاثة في إطلاق بث مباشر والتفاعل مع الجمهور، ليحظوا بمتابعة واسعة وأرباح مالية مهمة.
لكن النجاح لا يقف عند هذا الحد، فسرعان ما يدخل على الخط شخص يدعى “سيمو كريبتو” يؤدي دوره (رفيق بوكر)، ويقترح عليهم الانخراط في عالم المضاربات الرقمية والتلاعب بالبورصة، ما يدر عليهم أرباحا ضخمة، قبل أن يورطهم في قضايا تمس بالأمن المالي الوطني، إذ تكتشف الشرطة هذا المسار وتبدأ في ملاحقتهم.
واختار صناع مسلسل “البراني” تناول قضية بعيدة عن القضايا السابقة، تجمع بين البعد الاجتماعي والنفسي، إذ داخل قرية معزولة في جبال الأطلس، تنطلق بوصول رجل غريب يحمل أسرار الماضي لكشف الحقائق، وطرح تساؤلات حول الهوية والانتماء.
وتنطلق أحداث المسلسل من لحظة وصول رجل غريب لا يعرفه أحد، لكنه يبدو على دراية بالجميع، حاملا معه تفاصيل من الماضي تهدف إلى قلب الحاضر، ولن يكون مجرد غريب يقتحم عالما منغلقا، بل شرارة تضيء عتمة الصمت، وتكشف خيوط الخيانة، وتثير أسئلة جوهرية حول الهوية والعدالة والانتماء، ومع ظهوره، تبدأ التوازنات الهشة في التلاشي، وتخرج الحقيقة من تحت الركام، لتعيد إلى السطح ما حاول الجميع نسيانه.