حبر فرنسي على ورق سري يكشف عداءً مبكرا للجزائر تجاه المغرب

تكشف برقية دبلوماسية فرنسية، مؤرخة في 19 شتنبر 1962 وموسومة بعبارة “سري – محظور”، عن ملامح مبكرة للعداء الجزائري تجاه المغرب، وذلك بعد أقل من ثلاثة أشهر على استقلال الجزائر.
وتوثق هذه الوثيقة، الصادرة عن السفارة الفرنسية في الرباط، تحركًا ميدانيًا غير اعتيادي لضابط من جيش التحرير الوطني الجزائري نحو منطقة حدودية شديدة الحساسية، بهدف إقامة تنسيق مباشر مع القوات الإسبانية التي كانت تسيطر آنذاك على أجزاء من الصحراء المغربية.
وبحسب نص البرقية، توجه ملازم جزائري، يوم 16 شتنبر 1962، على رأس دورية عسكرية إلى المركز الإسباني في المحبس. هناك التقى قائد الموقع الإسباني، وكان برفقته عنصر يُدعى “الحمراء”.
وأوضح الضابط الجزائري خلال اللقاء أن هدفه هو “إقامة علاقات ودية” مع السلطات الإسبانية في المنطقة المحاذية لتندوف، وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية قصوى في حسابات الأمن الإقليمي.
الوثيقة تشير إلى أن الضابط لم يكتفِ بطرح فكرة التعارف، بل قدم عرضًا متكاملًا للتعاون العسكري والأمني. وشمل العرض تبادلًا منتظمًا للمعلومات حول المغرب، وإنشاء خط اتصال إذاعي مشترك، واعتماد رمز اتصال موحد، إضافة إلى تنظيم دوريات ميدانية مشتركة بين الجانبين الجزائري والإسباني. وهي مقترحات تكشف بوضوح سعي الجزائر، منذ البداية، إلى بناء شراكة أمنية مع قوة استعمارية فاعلة في المنطقة.
ووفق ما ورد في البرقية، صنفت هذه المعلومات على أنها “يجب حمايتها”، في إشارة إلى حساسية ما كشفه اللقاء. وتزداد أهمية هذا المعطى إذا وضع في سياقه الزمني، إذ جاء قبل عام واحد فقط من اندلاع حرب الرمال في أكتوبر 1963 بين المغرب والجزائر، وهي الحرب التي فجرت الخلافات الحدودية وأدخلت العلاقات بين البلدين في مرحلة عداء مفتوح ومستمر حتى اليوم.
من الناحية التحليلية، يُظهر مضمون هذه الوثيقة أن الجزائر كانت مستعدة لتجاوز شعاراتها الثورية المناهضة للاستعمار إذا كان ذلك يخدم أهدافها الاستراتيجية. فالتعاون مع إسبانيا، التي كانت تحتل الساقية الحمراء ووادي الذهب، لم يكن خطوة عابرة، بل مؤشرًا على رؤية تعتبر المغرب خصمًا يجب التعامل معه عبر تحالفات مضادة، حتى ولو جاءت من خارج الإطار المغاربي أو من قوى استعمارية مباشرة.
ما تكشفه هذه البرقية الفرنسية السرية يبرهن أن العداء الجزائري للمغرب ليس وليد نزاع الصحراء منتصف السبعينيات، بل يمتد إلى البدايات الأولى لاستقلال الجزائر، حيث اتخذ شكل تحركات ميدانية واتصالات سرية، وهي حقائق تضيء على الجذور العميقة للتوتر المغربي – الجزائري، الذي ما زالت تداعياته تلقي بظلالها على استقرار المنطقة المغاربية بعد أكثر من ستة عقود.