300 درهم في اليوم.. “سماسرة” الفن يفرضون أجورا زهيدة على المبتدئين

في الوقت الذي يفترض أن يقتصر دور مديرو الكاستينغ على اختيار الممثلين الأنسب للأدوار المقترحة في الأعمال الفنية، يتحول هذا الدور لدى بعضهم إلى وساطة تجارية، إذ يسعون وراء من يطلب أجرا أقل، ويفرضون مقابلا زهيدا للظهور والمشاركة في عمل تلفزيوني أو سينمائي، خصوصا على حديثي التخرج والشباب، الذين ما يزالون في بداية مسارهم الفني، وفق معطيات توصلت بها جريدة “مدار21”.
واشتكى أحد الممثلين، الذي شارك مؤخرا في عدد من الأعمال التلفزيونية، وفضل عدم ذكر اسمه تفاديا لأي إقصاء مستقبلي، من غياب أي رد فعل تجاه استغلال الممثلين الشباب، في إشارة ربما إلى الخوف من الاصطدام مع “لوبيات” المجال، ما يفرض على الكثيرين التزام الصمت.
وأضاف المتحدث ذاته لجريدة “مدار21” أن بعض مديري الكاستينغ يفرضون على الممثلين الشباب قبول أجر لا يتجاوز 300 درهم في اليوم، فقط لإثبات ولائهم للشركات المنتجة وإظهار قدرتهم على تأمين عروض منخفضة التكلفة.
ولا توجه أصابع الاتهام فقط إلى مديري الكاستينغ، باعتبارهم مجرد حلقة في سلسلة الإنتاج، إذ تتحمل شركات الإنتاج نفسها جزءا من المسؤولية، فهي الأخرى تخضع اختياراتها لحسابات مالية وتقرر بناء على المزاج والتكلفة.
الاحتكار يعيق الإبداع
ويثير استمرار هيمنة ثلاث شركات إنتاج على معظم الأعمال الدرامية والكوميدية المعروضة على القنوات العمومية، سواء في رمضان أو خارجه، موجة من الانتقادات الواسعة في الأوساط الفنية والثقافية.
ويرى نقاد أن هذا الاحتكار ينعكس سلبا على جودة الإنتاجات، ويُقوّض الإبداع، ويحرم الجمهور المغربي من محتوى يرقى إلى تطلعاته، خاصة وأنه يُمول بشكل غير مباشر هذه الأعمال من خلال الضرائب.
ويؤكدون أن هذا الاحتكار يمثل عاملا مساهما في قتل الإبداع عن سبق إصرار، لصالح تغليب الجانب المادي على الجانب الفني.
ويصف البعض شركات الإنتاج بـ”الوسطاء” أو “السماسرة”، لأن دورها يقتصر على تنفيذ الإنتاج فقط، فيما تبقى القنوات الرسمية هي الجهة المانحة للدعم، مما يفرغ العملية من بعدها الإبداعي لصالح منطق الربح السريع.
الخبرة تستبدل بالعلاقات
وفي الوقت الذي يُفترض أن يكون المنتج طرفا أساسيا في العملية الفنية، وأن يدخل المجال بعد تكوين أكاديمي وحصوله على شواهد عليا، نجد أن سيرته الذاتية في المغرب غالبا ما تُبنى فقط على شبكة علاقات شخصية تتيح له الإشراف على ملفات الإنتاج.
الفن الغنائي ليس بمعزل
ولا تقتصر ظاهرة “سماسرة الفن” على مجال التمثيل فحسب، بل تمتد إلى الغناء أيضا، إذ يعزو بعض الفنانين إقصاءهم من المهرجانات إلى تدخل وسطاء يتحكمون في السوق الفني ويتفاوضون نيابة عن الفنانين للمشاركة في الفعاليات الفنية.
ويُفضل القائمون على تلك الفعاليات التعاقد مع فنانين يقبلون بأجور منخفضة، أو حتى المشاركة دون مقابل، وهو ما يرفضه العديد من الفنانين، وفق ما توصلت به الجريدة.
ويؤدي تكرار الأسماء الفنية نفسها في عدد من المهرجانات الوطنية إلى حرمان فنانين آخرين من فرص المشاركة، مما يجدد الجدل سنويا حول “الاحتكار”، ويثير التساؤلات حول أسباب تغييب العديد من الوجوه الفنية، مقابل بروز بعضها بشكل دوري ومنتظم.