المغرب وفلسطين.. تاريخ مشترك وحضور متجدد يوثقه العلم ويرعاه الوجدان

أقر الكاتب الفلسطيني، مشهور حبازي، بعمق العلاقة التي تجمع بين المغرب وفلسطين، مؤكدًا أنها ليست مجرد شعارات تُرفع، بل واقع يلمسه الفلسطيني في الأسواق المغربية حين يسمع من المواطن العادي جملة: “فلسطين في القلب”.
وتابع مشهور حبازي، خلال مشاركته بندوة علمية لمشاركة وكالة بيت مال القدس الشريف، ضمن فعاليات الدورة 30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب حول موضوع: “الحضور المغربي في القدس وفلسطين من أجل ترسيخ المعرفة بعناصر الثقافة المغربية في الشام والشرق الأوسط”، أن هذه العلاقة التاريخية تمتد لأكثر من أربعة عشر قرنًا، تخللتها مراحل متعددة من الدعم والتواصل، لكنها اليوم تشهد تجددًا ملحوظًا بفضل عمل وكالة بيت مال القدس وإدارتها، التي وسّعت التعاون إلى مجالات معرفية وثقافية متعددة.
وواصل أن كثيرين يجهلون أن القائد الإسلامي موسى بن نصير كان فلسطيني الأصل، من قرية بئر كمثرة في جبل الخليل، وقد ذكر ذلك ياقوت الحموي، مشيرًا إلى أنه وُلد سنة 17 للهجرة، وتوفي سنة 97، بعدما قضى حياته مجاهدًا وحاجًّا.

وذكّر الكاتب الفلسطيني بأن موسى بن نصير كان له دور محوري في فتح المغرب والأندلس، مشددًا على أهمية توثيق هذا التاريخ المغيّب، لما فيه من رمزية مشتركة بين المشرق والمغرب، تتجلى في حركة العلماء والطلاب بين الطرفين على مر العصور.
ولفت إلى أن الرحلات العلمية المتبادلة بين المغاربة والمشارقة لم تقتصر على أداء الحج وزيارة الأماكن المقدسة، بل كانت أيضًا من أجل طلب العلم، حيث اتجه المشرقيون إلى المغرب والمغاربة إلى المشرق في مسارات ثقافية ومعرفية متكاملة.
وأضاف أن المغاربة كان لهم دور بارز في الجهاد ضد الحملات الصليبية، وسُجّل لهم آلاف المجاهدين من طلاب العلم والمهندسين، مشيرًا إلى الشيخ الفندلاوي، شيخ المالكية في دمشق، وشيخ آخر من حلحول، كان حينها شيخ الشافعية في المدينة نفسها.
واستطرد حبازي قائلاً: “في سنة 543هـ، حين زحفت جيوش الفرنجة نحو دمشق، تطوع الشيخان للجهاد، رغم كبر سنهما، وقالا لنور الدين زنكي: “نريد أن نجاهد، أتمنعنا؟”، فقاتلا حتى استشهدا، ولا يزال مقامهما مزارًا في داريا بريف دمشق حتى اليوم”.
وأورد أن الطبيب المغربي الشهير، أبو الحكيم المغربي، سافر إلى بغداد، فبنى له السلطان شاه مستشفى متكاملًا، وكان ينقل أدواته الطبية على أربعين جملاً، مما يدل على عظم مشروعه ومكانته العلمية المرموقة في ذلك العصر.
كما استغل الفرصة للتذكير بإنجاز السلطان المغربي أبي الحسن المريني في نسخ المصحف الشريف بخط يده، في ربعة مذهبة مزخرفة، لا تزال محفوظة في المتحف الإسلامي داخل المسجد الأقصى، مشيرًا إلى رمزية هذا العمل في الربط بين المغرب والقدس.
وبدورها أكدت وزيرة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بفلسطين سابقًا، صفاء ناصر الدين، أن “كرسي الدراسات المغربية” ليس وحدة أكاديمية فحسب، بل مشروع حضاري متكامل يُجسّد رؤية استراتيجية مغربية تجاه القدس، انبثقت من التفاعل العميق بين الشعبين، وإيمان بأن المعرفة جسر لا ينهار مهما اشتدت العواصف.

وتابعت صفاء ناصر الدين أن هذا الكرسي يرتكز على إرث من العلاقات التاريخية والروحية والثقافية المتجذّرة بين المغرب وفلسطين، علاقات لا تقتصر على السياسة، بل تمتد إلى عمق الوجدان الشعبي والتاريخ المشترك الذي تعزز عبر قرون من التواصل والتأثير المتبادل.
ونوّهت المهندسة الإلكترونية الفلسطينية بأن هذه المبادرة الحضارية تحظى برعاية خاصة من جلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، الذي لم يتوقف يومًا عن دعم القدس وأهلها، وكان دائمًا حريصًا على أن تبقى حاضرة في الذاكرة العربية والإسلامية.
وذكرت ناصر الدين أن انطلاقة كرسي الدراسات المغربية كانت في مارس 2025، بشراكة بين جامعة القدس ووكالة بيت مال القدس الشريف، وبدعم من جمعية الكرز الثقافية المغربية – بيت المغرب، ليكون نافذة حيوية تعكس الحضور المغربي في المدينة المقدسة.
كما أوضحت أن هذا الحضور المغربي في القدس ليس طارئًا أو عابرًا، بل هو حضور أصيل، متجذر في نسيج المدينة، شكّل جزءًا لا يتجزأ من هويتها الثقافية والاجتماعية والدينية على مر العصور.
وأبرزت أول امرأة تشغل منصب وزيرة الاتصالات في الوطن العربي أن الكرسي يأتي في وقت حرج، حيث نحن بأمس الحاجة إلى أدوات علمية تحمي ذاكرتنا، وتصون هويتنا، وتوثّق تاريخنا في مواجهة محاولات الطمس والتهميش، وذلك عبر البحث الرصين والسرد المدعوم بالأدلة.
وزادت المتحدثة ذاتها موضحة أن الهدف من الكرسي هو تسليط الضوء على الحضور المغربي في القدس بأبعاده الثقافية والروحية، مشيرة إلى انتماء كثير من العائلات المقدسية لأصول مغربية، قائلة: “كل الناس يقولون لي: أصلكم من فاس، وأنا أعتز بهذا الرابط رغم أنني من الخليل.”
واستطردت صفاء ناصر الدين قائلة إن المبادرة تسعى إلى إحياء الروابط التاريخية والثقافية بين المغرب وفلسطين، وترسيخها في الوعي الأكاديمي، وإنتاج معرفة حديثة تسهم في فهم تأثير الثقافة المغربية في المشرق، خاصة في بلاد الشام.
وأضافت أن الكرسي يعمل أيضًا على خلق فضاءات للتبادل الأكاديمي، وتطوير بنك معرفي رقمي يوثق الحضور المغربي في القدس، وبناء قاعدة بيانات تخدم الباحثين المهتمين بالدراسات المغربية في المشرق العربي، وتُعزّز من التكامل العلمي والثقافي بين الضفتين.