المنطق التجاري يُفاقم “مِحنة” الكتاب العلمي المغربي

كشفت دراسة حديثة عن ضعف الإنتاج الوطني من الكتب في المجالات العلمية مقارنة بنظيراتها الأدبية، ما يعيد إلى الواجهة النقاش القديم/الجديد حول دور الجامعات المغربية والباحثين في النهوض بالبحث العلمي، وتداعيات تدهوره على شتى مجالات الحياة بالمملكة، غير أن لهذه الأزمة “بُعداً تجارياً” محضاً يتعلق بإقبال دور النشر المغربية على هذا النوع من المشاريع.
وأوضحت الدراسة المذكورة أن الإبداع الأدبي المغربي، بمختلف أشكاله من رواية وقصة قصيرة وشعر ونصوص مسرحية وغيرها، يستأثر باهتمام المؤلفين والناشرين المغاربة، حيث شكل ما نسبته 22,46 بالمئة أي بـ 721 عنوانا، من إجمالي الكتب المنشورة خلال الفترة 2024/2023.
وأكدت مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية، في تقريرها الصادر حديثاً حول واقع النشر والكتاب بالمغرب، بالموازاة مع تنظيم المعرض الدولي للنشر والكتاب بالعاصمة الرباط، أن الدراسات الأدبية تشكل بدورها نسبة 7,42 بالمئة من مجمل الإنتاج. كما جاءت الدراسات القانونية في المرتبة الثانية بـ462 عنوانا أي 14,39 بالمئة، تليها الدراسات التاريخية بـ 378 عنوانا أو 11,77 بالمئة، ثم الدراسات الإسلامية، التي بلغت 316 عنوانا (9,85 بالمئة).
ونبه التقرير إلى أن الإنتاج في باقي الحقول الأخرى من العلوم الإنسانية والاجتماعية يظل محدودا جدا خلال الفترة التي يشملها التقرير، أي سنتي 2023 و2024، بحيث لم تتجاوز حصيلة النشر في الفلسفة واللسانيات والتعليم عتبة 4 في المئة لكل منها، أما مؤلفات علم النفس فلم تتجاوز 0,53 في المئة.
وقد تتضافر أسباب عدة لتفسير هذا “النزوح” نحو الأدب على حساب العلوم، لا سيما وأن الإبداع الأدبي لا يتطلب بالضرورة تكويناً معيناً، وهو مفتوح في وجه المؤلفين، في حين أن التأليف في العلوم محصور على الباحثين والأكاديميين المتخصصين.
لكنَّ لهذه النتائج تفسيرا آخر متعلقا بدور النشر المغربية، التي تنزع بدورها للإبداعات الأدبية بمنطق تجاري صرف، ذلك أنّ “هذا النوع من الكتب هو الذي يحظى بأكبر حصة من سوق القراءة بالمغرب” يؤكد عدد من الناشرين المغاربة الذين تواصلت معهم صحيفة “مدار 21”.
وأوضح أحد هؤلاء أن الراوية تستحوذ على حصة الأسد من مبيعات دور النشر، و”تحظى بشعبية كبيرة في صفوف القراء الذين يقبلون على شرائها لما فيها من متعة وفائدة لغوية”.
“عدد كبير من القراء يقصدون معرض الكتاب، والمكتبات خلال الأوقات العادية، من أجل النصوص الأدبية والرواية على وجه التحديد، لأن غايتهم من القراءة هي تحسين قدراتهم اللغوية؛ ونحن كناشرين نضع الرواية دائماً في طليعة إصداراتنا تفاعلاً مع اتجاهات السوق”.
وكان استطلاع حديث استهدف أكثر من ثلاثين دار نشر عربية كشف أن الرواية احتلت المرتبة الأولى في إصداراتها، وأنها تعد أكثر الكتب مبيعاً خلال المعارض العربية للكتب، محققة 70 بالمئة من مبيعات الدور المشمولة بالاستطلاع.
في المقابل، أكد ناشر آخر له إصدارات شِعرية أنه بالنسبة للدواوين فهي لا تحظى بإقبال كبير على مستوى المبيعات، و”لكنها تصدر بنسب محترمة لأننا نطلب من المؤلفين تحمل جزء من تكاليف الطباعة والنشر والتوزيع، وعادة فإنهم لا يمانعون في ذلك، كما أننا نوجهها عادة لدعم وزارة الثقافة التي لا تبخل عليها بذلك”.
وقال إن قراء الكتب العلمية في المقابل موجودون لكنهم “نخبة النخبة”، وهم في الغالب من الطلاب الجامعيين والمتخصصين في تلك المجالات؛ وبالتالي فهي كتب لا تبيع للجمهور العريض، ولذلك يكون الاضطلاع بها من قبل دور النشر، التي في معظمها عبارة عن مقاولات صغرى ومتوسطة، يبقى صعباً وذا مخاطر كبيرة”.
وأوضح أنّ طباعة “الأوفسيت” التي ما زال يستخدمها معظم الناشرين المغاربة تفرض عليهم طباعة ما بين 500 إلى 1000 نسخة من الكتاب في الطبعة الواحدة، “لكن بعض هذه الكتب لا تبيع سوى بضع نسخ مما يكبد الناشر خسائر كبيرة، ويضطره لاكتراء فضاءات لتخزين أو في أسوء الأحوال حرق الكتب غير المباعة بعد مدة”.