ثقافة

الحركة النسائية (3).. المرأة ضد تعويم قضيتها خارج جلباب الأحزاب

الحركة النسائية (3).. المرأة ضد تعويم قضيتها خارج جلباب الأحزاب

بعدما عرفت الحركة النسائية المغربية ميلاداً “مُحتشماً” في أربعينيات القرن الماضي، وانخرطت في سيرورة مقاومة الاستعمار ثم النضال الجماهيري الشعبي، دون أن تطرح موضوع “المساواة بين الجنسين” بصريح العبارة؛ جاءت ثمانينيات القرن الماضي بجيل جديد من المناضلات النسائيات، أسسن “صحافة نسوية” مغربية، وقررن الخروج من الدفاع عن حقوق المرأة من داخل الإطارات الحزبية والنقابية، وما لذلك من تعويم لقضيتها وسط قضايا حقوق الإنسان والصراع الطبقي.

وحسب لطيفة البوحسيني، الباحثة في مجال التوجه النسائي المغربي، “عرف المجتمع المغربي أجيالا من الحركات المدافعة عن حقوق النساء، ولقد ظهر الجيل الأول في الأربعينيات، وظهر الجيل الثاني في بداية الثمانينيات”.

وتؤكد الحقوقية خديجة رياضي لجريدة “مدار21″، أن الجيل الثاني من التوجه النسائي لم يظهر إلا في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، “وكانت هذه الحقبة مرحلة يقظة وعي هذه الحركة. لقد قررت مناضلات أحزاب اليسار، واللواتي كن أغلبهن ماركسيات التوجه، أن يتحكمن في مصيرهن فشرعن في تأسيس تنظيماتهن النسائية خارج الأحزاب السياسية”.

ومن جانبها، أكدت المختصة في النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان، نعيمة بنواكريم، أن بداية الثمانينات من القرن الماضي تعد الحقبة التي بدأت تتشكل خلالها ملامح حركة نسائية مطلبية بمرجعية يسارية وحقوقية، وإن كان جزء من عمل بعض مكوناتها ظل رهينا بتوجهات الأحزاب والنقابات والجمعيات الثقافية التي ينتمين إليها.

و”شرعت إبان هذه الحقبة نخبة يسارية من النساء تبحث عن أشكال وآفاق جديدة للعمل خارج القطاعات النسائية الحزبية والبنيات النقابية والثقافية والحقوقية القائمة، بغية ضمان عدم تعويم قضايا النساء ضمن النضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان ومن أجل الانفتاح على جمهور واسع من النساء”.

وبالنسبة لعوامل ميلاد هذا الجيل الجديد من حركة النساء بالمغرب، تقول رياضي إن الأسباب تكمن في ظروف حياة النساء المغربيات اللواتي عانين من التهميش، وكن ضحية التمييز على كل المستويات. وحدثت هذه اليقظة أيضا بسبب اختلال التشريع المغربي الذي كان يتضمن العديد من الجوانب الماسة بحقوق النساء وكرامتهن، إضافة إلى مدونة الأحوال الشخصية في ذلك العهد، والقانون الجنائي الذي لازال العمل به قائما إلى اليوم، وكذلك قوانين التجارة وقانون الجنسية وقانون المسطرة المدنية، وقوانين أخرى تمييزية في معظمها.

وتضيف في نفس السياق: “كانت معظم هذه القوانين بعيدة كل البعد عن تطلعات النساء وعن أدوارهن الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية التي يقمن بها في المجتمع. وسرّع هذا التناقض بزوغ حركة نضالية من أجل حقوق النساء المثقفات واللواتي كن شابات وكانت أغلبيتهن منتميات لليسار”.

عوامل أخرى خارجية ساهمت، وفقا للمتحدثة ذاتها في ظهور هذه الموجة الثانية من التوجه النسائي المغربي، وأهمها أثير المفكرين الإصلاحيين العرب من تونس ومصر على سبيل المثال. “إذ كان للكتابات التقدمية وللأطروحات التحررية للمفكرين العرب تأثير عميق على المثقفين المغاربة بسبب انتمائهم لنفس الثقافة وامتلاكهم لنفس التاريخ”.

كما تأثرت الناشطات النسائيات المغربيات بالكاتبات المشرقيات الكبيرات مثل نوال السعداوي وفهيمة شرف الدين وفريدة النقاش… وساهت كتابات هؤلاء الكاتبات في خلق أرضية ثقافية للتوجه النسائي المغربي. و”هناك عامل آخر يكمن في تأثير التوجهات النسائية في أوروبا والغرب عموما، خصوصا بعد ماي 1968 في فرنسا. فتأثير هذا التوجه النسائي كان عميقا لأنه طبع بطابعه التوجه النسائي المغربي وأثر على اختياره الكوني وعلى مناهج عمله”.

تميز الميلاد الجديد لحركة النساء بالمغرب بخاصيتها الثقافية. فانطلق الحراك النسائي المغربي عبر الثقافة، وطبع ذلك التوجه النسائي المغربي حاضرا وماضيا. “هذا الاختيار أملاه همّ تأسيس مشروعية مطالب النساء في مجتمع معاد للنساء عداء عميقا، ووسط حركة سياسية راديكالية كانت وما تزال تعتبر مقاربة النوع/الجندر عامل إرباك للصراع الطبقي” تقول الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان.

وكانت الأنشطة الأولى للنساء ذات طابع ثقافي وأكاديمي. كما كانت الشخصية الرمزية المؤثرة في هذه المرحلة هي شخصية الفقيدة فاطمة المرنيسي، رائدة الحركة النسائية المغربية. فعالمة الاجتماع المرموقة هذه، ذات الإشعاع العالمي، كانت تثير إعجاب المناضلات النسائيات من خلال محاضراتها ومقالاتها وكتبها”، تؤكد خديجة رياضي.

وفي سياق النضال الثقافي المذكور، توجهت فاعلات نسائيات من اليسار المغربي بمبادرة من مناضلات ينتمين إلى منظمة العمل الديمقراطي الشعبي نحو تأسيس صحيفة نسائية سميت “8 مارس”، في سنة 1983، والتي عرفت انتشارا قويا وجعلت النقاش حول تأسيس حركة نسائية جماهيرية وتقدمية مستقلة نقاشا عموميا بعدما كان منحصرا بين جدران منظمتهن؛ تضيف الباحثة بنواكريم.

الجريدة المذكورة هي في رأي خديجة رياضي “من بين الأشكال النضالية الشهيرة والمتبناة إبان هذه المرحلة التأسيسية، وكانت أول جريدة متخصصة في المسألة النسائية صدرت في المغرب، التزمت العديد من النساء بالكتابة فيها، وكانت أول ساحة خيضت فيها معركة مدونة الأسرة”.

نضال ثقافي واكبه عمل ميداني، وفقا لبنواكريم: “بالموازاة؛ وفي نفس السنة، اتجهت فاعلات نسائيات من اليسار المغربي أيضا نحو تأسيس أندية نسائية بدور للشباب، لما تمنحه هذه الأخيرة من فرصة للتوفر على هامش من الاستقلالية في العمل على قضايا المرأة افتقدتها هؤلاء حين كن يشتغلن في إطار المنظمات الطلابية والجمعيات الثقافية والحقوقية القائمة آنذاك”.

وتابعت “جاءت مبادرة تأسيس هذه الأندية بهدف إنضاج شروط انبثاق تنظيم نسائي مستقل من حركية ودينامية جماهيرية نسائية تمثل فئات جميع الشعب وتكون مطالبة بحقوق النساء. كما كانت الغاية من هذا التأسيس توفير بنية تنظيمية غير مختلطة تتمرس فيها النساء على العمل الجمعوي من موقع المسؤولية والقرار في أفق تكوين قيادات نسوية ذات مهارات في التدبير والتواصل والتخطيط الاستراتيجي”.

ورغم قصر حياة هذه التجربة، حيث لم تتجاوز الثلاث سنوات، إلا أنها مكنت من تكوين القيادات النسائية التي ستبادر لاحقا في تأسيس الجمعية المغربية لحقوق النساء وهي ثالث جمعية نسائية ذات بعد حقوقي ستظهر على الساحة الوطنية في المغرب في مطلع التسعينيات.

وهذه المرحلة، اعتبرتها رياضي “مرحلة الهيكلة”؛ ففي هذه المرحلة الثانية في عملية بناء حركة النساء بالمغرب، اتخذت صيغ العمل الأولى عدة أشكال منها تأسيس لجان النساء في الجامعات التي شكلتها مناضلات النقابة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وقد ساهمت هذه اللجان في تنظيم التفكير حول الاتجاه النسائي ووضعية النساء بالمغرب، وساهمت في تكوين أطر نسائية وصقل معرفتهن وتجربتهن في مجال النضال من أجل حقوق النساء.

ولقد مكنت نقاشات حادة حول المرأة وحول خصوصية نضالات النساء من تكوين العديد من المناضلات اللواتي أسسن، بعد مغادرتهن للجامعة، الجمعيات النسائية الأولى. أما صيغ العمل الثانية فكانت هي نوادي النساء التي أنشئت في دور الشباب، التابعة للدولة والمسيرة من طرف وزارة الشبيبة والرياضة، لكنها مفتوحة للمنظمات غير الحكومية ولهيآت المجتمع المدني.

وأضافت الحقوقية رياضي: “لقد تأسست العديد من النوادي في جميع أنحاء البلاد، والتي اهتمت بالخصوص بمحو أمية النساء. ولقد مكن هذا الإنجاز من العمل في أوساط النساء الأكثر فقرا وحرمانا. بل تم تأسيس بعض النوادي الخاصة بالنساء العاملات داخل النقابات.”

وتضيف بنواكريم بأن “هذه الجمعيات حتى إن كانت تختلف من حيث الشكل وحجم الفعل غير أنها تمتلك العديد من النقط المشتركة، حيث تهدف كلها إلى تحقيق المساواة بين الجنسين على مستوى التشريع والعلاقات الاجتماعية والقضاء على مختلف مظاهر التمييز ضد المرأة. كما أن معظمها لم يكتسب الاستقلالية عن الفعل السياسي الحزبي والنقابي إلا عبر مراحل”.

وترى رياضي أن تأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في سنة 1979، وهي أكبر جمعية لحقوق الإنسان بالمغرب،  وكذا إصدار الاتفاقية الدولية بشأن القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) من طرف الأمم المتحدة، على حركة النساء وعلى اختيارها للمرجعية الكونية كأساس لنضالها ولمطالبها. وهذه هي المرحلة الثالثة من مراحل تشكل حركة النساء المغربيات.

وكان انضمام النسائيات المغربيات للشبكات الدولية أيضا عاملا مساعدا في تعبئة الرأي العام الدولي لصالح قضايا النساء. كما أن تقارير الظل التي تعدها الجمعيات النسائية بمناسبة تقديم المغرب لتقاريره أمام لجن المعاهدات كان لها تأثیر مهم على قرارات المغرب الايجابية الخاصة بالنساء، وفقا لبنواكريم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News