ثقافة

هنري بروست.. مهندس حكم على أحياء الدارالبيضاء بالطبقية

هنري بروست.. مهندس حكم على أحياء الدارالبيضاء بالطبقية

حكمَت الحماية الفرنسية على مدينة الدار البيضاء منذ سنة 1914 بنوع من التمييز، يتداخل فيه ما هو طبقي بما هو ثقافي، إذ عمل المُهندسون الفرنسيون الذين استقدمهم المقيم العام، هوبير ليوطي، على تقسيم المدينة إلى أحياء للمعمرين الأوروبيين، هي التي باتت تعرف اليوم بـ”الأحياء الراقية”، وأخرى خصصها للمغاربة، تحولت بعد الاستقلال إلى “أحياء شعبية”.

ودخلَ هذا التقسيم حيز التنفيذ لعدة اعتبارات، يؤكد نائب رئيس جمعية “كازا ميموار”، المعنية بصون تراث العاصمة الاقتصادية، كريم الرويسي، أولها التخوف من عدوى الأوبئة؛ “لم يكن الاحتكاك بين المغاربة والأجانب أمراً شائعاً في ذلك العهد بسبب بساطة وسائل المواصلات، وبالتالي كان التخوف من أن ينقل المغاربة أوبئتهم للمعمرين والعكسُ صحيح كذلك”.

الاعتبار الثاني ذو طابع أمني، فقد أخضعت فرنسا مدينة الدار البيضاء بالقوة منذ سنة 1907، حتى قبل فرض معاهدة الحماية على المغرب في 1912، وكان المغاربة خلال تلك الحقبة ما يزالون رافضين للتواجد الاستعماري، وغير مطبعين مع حضور الأجانب المعمرين في بلادهم.

وأضاف الرويسي، خلال مروره ببرنامج “أحياء في الذاكرة” على قناة “مدار 21″، بأنه في سنة 1914 استقدم ليوطي مهندساً معمارياً اسمه هنري بروست، كان متخصصاً في تهيئة المدن ليعد له مخطط لمدينة الدار البيضاء التي قرر جعلها مركز المغرب الاقتصادي؛ “كان هذا المشروع يحمل نظرة كولونيالية استشراقية، علاوة على المقاربة الاستباقية، بحيث قرر بروست أن يجرب في الدار البيضاء أحدث التطورات في الميادين العلمية آنذاك، وخاصة مجال التخطيط الحضاري (l’Urbanisme) الذي كان ما يزال في بداياته.

وأوضح المهندس الرويسي أن الفرنسيين قرروا جعل التخطيط الحضري وسيلة وأداة للبروباغندا وللترويج لادعاءاتهم الكولونيالية، بكون الحماية تطمح لتطوير المغرب وحاملة لرسالة تنويرية للمغاربة.

“أول ما تم تشييده على يد المهندس بروست هو الشارع الدائري، الذي يوجد اليوم في تقاطع شارعي الزرقطوني والمقامة، وهو شارع يمتد من البحر إلى البحر ويحيط بالمدينة العتيقة”. يشير الخبير المعماري.

ولنعطي لقيصر ما لقيصر، فبروست قدم في المقابل خدمات جليلة للمدينة بفعل إيمانه بأنه ينبغي للمدن أن تنتشر بها الحدائق والمساحات الخضراء، وهكذا كان له السبق في تشييد الحديقة المعروفة اليوم بحديقة “جامعة الدول العربية”، التي جعلها منتزها ومتنفسا تحيط به الأحياء السكنية والإدارية في نفس الوقت.

وقرر بروست كذلك بناء ساحتين كبريين وسط المدينة؛ يتعلق الأمر بساحة الأمم المتحدة (التي كانت تسمى بساحة فرنسا)، والساحة الإدارية (التي صارت تعرف بساحة محمد الخامس)، والتي تم فيها بناء مجموعة من المؤسسات الحيوية كالمحكمة ومبنى الجماعة والبريد وبنك المغرب.

ولفت الخبير إلى أن الهندسة المعمارية لمبنى البريد، الذي يعد أول مبنى عمومي في مدينة الدار البيضاء، كان يشبه إلى حد كبير البنايات التي شيدتها فرنسا في تونس والجزائر، بطابع معماري يسمى بـ “Arabisance”، ويدمج تيارات معمارية لم يسبق لها مثيل بالمغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News