نسويات يرفضن المقترحات “المحتشمة” لتعديل المدونة ويناشدن جرأة أكبر في التشريع

أيام بعد إفراج الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة على التعديلات التي تقرتحها لتحيين مقتضيات هذا التشريع الأسري، اختارت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب أن تصف اقتراحات الهيئة بـ”التعديلات البسيطة”، معتبرةً أن “المراجعة الجديدة تتماشى أكثر مع منطق التوافق المحافظ بدلاً من السير قدما وبالجرأة الكافية نحو تطوير تشريع يلائم طبيعة العلاقات الجديدة داخل الأسر”.
ملاحظات الجمعية النسوية التي دونتها في إعلان عنونته بـ”إعادة النظر في التشريع الأسري: كيف، لماذا، ولمن؟”، الذي اطلعت عليه جريدة “مدار21” الالكترونية، اعتبرت أن “هذه المراجعة الجديدة تم تصوّرها ضمن إطار محدود لا يتعدى عموما تعديلات بسيطة”، مشددةً على أنها “منفصلة عن الديناميات الديمقراطية المعلنة والخطاب المتعلق بحقوق الإنسان”.
وأوردت الحركة النسوية ذاتها أن “هذه المراجعة تتماشى أكثر مع منطق التوافق المحافظ بدلاً من السير قدما وبالجرأة الكافية نحو تطوير تشريع يلائم طبيعة العلاقات الجديدة داخل الأسر”، مسجلةً أنها “تنتصر للحفاظ على الوضع الراه بدلاً من تمكين المغربيات والمغاربة، وخاصة الأجيال الصاعدة، من استشراف مستقبل أكثر عدالة ومساواة خلال العقود المقبلة”.
ولأجل أن تكون المراجعة الحالية ذات قيمة مضافة فعلية ودالة لما تم تحقيقه قبل عشرين سنة في إصلاح 2004، يضيف الإعلان ذاته، يتعين أن تتم الاستجابة للدعوة الملكية التي وجهت المجلس العلمي الأعلى نحو ” تعميق البحث في الإشكالات الفقهية التي تطرحها التطورات المحيطة بالأسرة المغربية، وما تتطلبه من أجوبة تجديدية تساير متطلبات العصر، معتبرة أن “هذه الدعوة هي ببساطة دعوة إلى المسؤولية”.
وعلى مستوى الشكلي، لاحظت الجمعية ذاتها تميّز اللقاء التواصلي المخصص لتقديم مقترحات تعديل المدونة بطقس فريد على مستوى التواصل، بصوتين، وهما صوتا وزيرين، بدلاً من صوت واحد موحّد لمؤسسة رئيس الحكومة، مشيرةًَ إلى إن “السمة الأساسية للقاء التقديمي فشله في معالجة السؤال المركزي الذي يتعين أن يجيب عنه أي مشروع إصلاح: ما الغاية من الإصلاح؟”.
وسجل المصدر ذاته أن “اللقاء تغاضى عن إبراز المبادئ والأطر المرجعية التي استندت إليها المقترحات، لا سيما تلك المتعلقة بعدم التمييز والعدالة لنصف المجتمع، والتي نص عليها الدستور والتزامات المغرب الدولية بموجب الاتفاقيات المصادق عليها”.
وأوضح المصدر ذاته أن “المقتضيات المقدمة أغفلت معطى مهيكل، يتمثل في المجهود المفترض أن يبذل على مستوى الاجتهاد الفقهي، الذي ينبغي أن يُفهم ويُنفّذ باعتباره نتاج معادلة قائمة على تحليل دقيق وصارم لمقاصد الشريعة، من جهة، ومن جهة أخرى يعتمد على مراعاة سياق مجتمع دائم التطور منذ القرن الثامن الميلادي، وصولا لما هو عليه مغرب اليوم”.
وفي ما يتعلق بـ”البدائل” التي قدمها المجلس العلمي الأعلى جواباً على المطالب المطروحة من طرف الحركة النسائية، سجل الإعلان أنها متوفرة أصلا ضمن الإطار القانوني الوطني وفي الممارسات الاجتماعية، موردا في هذا الصدد مثال الهبة (المادة 238 من مدونة الحقوق العينية) التي توظف في كثير من الأحيان لمعالجة كل المطالب المتعلقة بإعمال العدل.
وفي حالة المطلب المتعلق بإلغاء التعصيب، يسترسل المصدر نفسه أنه يُبرم العديد من الآباء عقود هبة لتوزيع متساوٍ للتركة بين الأبناء والبنات أو لحماية الوارثات الإناث من العصبة، كما تُقترح الهبة كـجواب “بديل” للسماح بحقوق الوراثة بين الزوجين من ديانتين مختلفتين.
وبخصوص ما جاءت به مقترحات الهيئة حول مطلب إلغاء تعدد الزوجات أي السماح به في حالات استثنائية (مثل عقم الزوجة أو مرض يمنعها من المعاشرة الزوجية)، بناءً على تقدير القاضي، تساءلت الجمعية النسوية “كيف يمكن للقاضي تقييم قدرة المرأة على أداء واجباتها الزوجية؟”.
وتعليقا على الرفض التام لاعتماد الخبرة الجينية كدليل على النسب، بَيَّنت هيئة المدنية المهتمة بقضايا النساء أنه ” يتعارض هذا الرفض بشكل مطلق مع الفصل 32 من الدستور ومع اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب”، متسائلةً “هل سيظل مصير الأطفال المولودين خارج إطار الزواج مرادفاً للتمييز والوصم إلى الأبد؟”.
وسجلت المنظمة النسائية، التي تستعد للاحتفال بأربعين سنة من الترافع عن قضايا النساء، أن “التعديلات السطحية المقترحة تُظهر نقصًا في إرادة الخروج من منطقة الراحة لمواجهة مختلف التحديات المعاصرة وعدم الوعي بأهمية القانون في تقديم إجابات حقيقية للمشاكل الواقعية”.