“وُزراء التعديل”.. نفس سياسي جديد أم استدراك لفشل سياسات قطاعية؟

“نحتاج وزراء بنفس سياسي”. هكذا برر رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، تغيير تشكيلة حكومته خلال ما تبقى من عمر ولايتها وإلحاق وزراء جدد بالمؤسسة التنفيذية لمواصلة الإصلاحات التي شرع في تنزيلها الورزاء المغادرون أو لتصويب أخطاء، اعتبرها منتقدوهم “قاتلة”.
وقد تتجاوز دلالات التعديل الحكومي الأخير المبررات التي قدمت إلى محاولات الحكومة إنقاذ ما يمكن إنقاذه في ما تبقى من زمن سياسي أمامها قبل حلول موعد الانتخابات المقبلة، باستبدال ورزاء فشلوا في تدبير قطاعاتهم وأدخلوها في أزمات متتالية وترميم أعطاب التدبير الحكومي خلال الفترة الماضية.
ويبدو أن الحكومة تراهن، بالنظر إلى القطاعات التي لحقها التعديل الحكومي، على التركيز على المرور إلى السرعة القصوى في تنزيل الوعود التي قدمتها ضمن برنامجها الحكومي، حيث عززت وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات بكتابة دولة مكلفة بالشغل للإجابة عن إشكالية البطالة، في حين أتت بوزراء جددا في قطاع الصحة والحماية الاجتماعية والتربية الوطنية والفلاحة والتعليم العالي، وهي قطاعات خلق الوصيون عليها جدلا كبيرا خلال ثلاث سنوات من عمل الحكومة.
ويستحضر منتقدو فلسفة التعديل الحكومي تحدي المفارقة بين حجم الأوراش الإصلاحية والهيكلية الموضوعة على عاتق الوزراء الجدد وبين الحيز الزمني المتبقي قبل نهاية الولاية الانتدابية لـ”حكومة أخنوش” بشكل يرفع التكهنات حول الإضافة التي سيقدمها الوافدون على الحكومة بحكم وجود سياسات ومخططات قبلية مؤطرة لعملهم.
معضلة البطالة.. هل تأخر تفاعل الحكومة؟
منذ توليها مسؤولية تدبير الشأن العام، رفعت الحكومة شعار الاهتمام بموضوع التشغيل وخلق فرص الشغل (مليون منصب شغل) وتقليص نسب البطالة، إلا أنه بمرور 3 سنوات من التدبير الحكومي لقطاع التشغيل ارتقت نسبة البطالة إلى نسب غير مسبوقة بوصولها إلى 13.6 في المئة برسم الفصل الثالث من السنة الجارية، حسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط.
وباستشعارها حجم أزمة البطالة التي وصلت أرقاماً مقلقة، عززت الحكومة، بعد التعديل الأخير، قطاع التشغيل بكتابة للدولة مكلفة بالشغل، مؤكدةً أنها خطوة إيجابية نحو تنزيل وعود البرنامج الحكومي في موضوع توفير فرص الشغل.
والتزمت الحكومة، حسب خرجات رئيسها، بالتركيز على موضوع التشغيل في نصف ولايتها الثانية، ما تأكد بإعلانها عن الاستعداد لإطلاق خارطة طريق قطاع التشغيل في أقرب الآجال بهدف تعزيز دينامية القطاع والتي خصصت لها ميزانية بلغت 14 مليار درهم.
عبد السلام الصديقي، وهو وزير تشغيل السابق، اعترض على الفكرة التي تحاول أن تروج لها الحكومة بأن تعيين كتابة للدولة مكلفة بالشغل سيساهم في إنهاء أزمة البطالة بالقول إنه “من غير المنطقي التسليم بأن تعيين كاتب الدولة إجراء عملي لتخفيض نسب البطالة”، مستدركاً أن “هذه المؤسسة الجديدة يمكن أن تكون أداة فقط لتنفيذ سياسات الحكومة في التشغيل وعلى رأسها خارطة الطريق التي تستعد الحكومة لإطلاقها”.
وتساءل المسؤول الحكومي السابق: “ما الذي سيطبقه كاتب الدولة الجديد في وقت لم يعلن فيه عن معالم هذه الخارطة؟”، موردا أنها “لم تتضمن أي إشارة إلى الإجراءات التي ستتخذها الحكومة في هذا الباب والمدد الزمنية الخاصة بها بالإضافة إلى مراعاة خصوصيات كل جهة”.
وبالمنطق الزمني، علق الوزير السابق على موعد إطلاق خارطة الطريق بأنه “موعد متأخر بحكم قرب نهاية الولاية الحكومية الحالية، والتي لم يتبق لها سوى سنتان أو أقل من ذلك”، مسجلا أنه “حتى تعيين كاتب دولة مكلف بالشغل جاء هو الأخر متأخراً”.
وبالرجوع إلى الاسم الذي وضعته الحكومة لكتابة الدولة (كتابة الدولة المكلفة بالشغل)، اعتبر الصديقي أن “هذا الاسم يحيل على تنظيم كاتب الدولة الجديد لما هو موجود في قطاع كنزاعات الشغل ومسار مراجعة مضامين مدونة الشغل”، مستدركا أنه “كان من المفترض أن تسمى كتابة الدولة المكلفة بالتشغيل وليس بالشغل”.
البواري أمام تحدي تأمين موائد المغاربة
لم تنخفض منذ تصدر “حكومة أخنوش” للمشهد السياسي الأصوات الغاضبة من غلاء المواد الغدائية وغياب تأثير اللجوء المتكرر إلى الاستيراد على مستوى أسعار عدد من المواد الاستهلاكية الأساسية في قفة المواطن المغربي، والتي تضاعف بعضها بـ100 في المئة.
ويعتبر تحدي مواجهة تأثيرات الجفاف والصعوبات المناخية على أنشطة الفلاحين وتأمين فرص الشغل التي يوفرها، خاصة في المجال القروي، من بين المسؤوليات التي سيتحملها الوزير الجديد، حيث أبان تدبير الوزير السابق، محمد صديقي، لهذه الإشكاليات عن ضعف المقاربة المبنية على تقديم الدعم و”الحلول الجاهزة” كالاعتماد على الاستيراد وعدم اعتماد أجوبة فعالة لإنهاء الأزمات البنوية التي يتخبط فيها القطاع الفلاحي.
رياض أوحتيتا، مستشار فلاحي، قال إن “السياق الحالي في القطاع الفلاحي يتطلب بروفايلا على دراية كبيرة بخبايا هذا القطاع”، مسجلا أن “هذا ما يتوفر عليه الوزير الجديد بحكم تخصصه في المجال المائي وشغله لمناصب متعددة في وزارة الفلاحة وإشرافه على عدة مشاريع كبرى في هذا القطاع”.
وأورد أوحتيتا، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن “الإشكالية التي يعرفها القطاع الفلاحي هي إشكالية بنيوية أكثر من كونها إشكالية ظرفية”، مبيناً في هذا الصدد أن “سنتين أو 3 سنوات أو حتى 5 سنوات لن تكون كافية لتنزيل مشاريع استراتيجية حتى وإن كانت كفاءة الوزير عالية”.
وفي هذه الظرفية الصعبة التي يمر منها القطاع الفلاحي، وبالنظر إلى الحيز الزماني الضيق من عمر الولاية الحكومية، لم يستبعد الخبير في الشأن الفلاحي أن “يكون قدوم وزير جديد على رأس وزارة الفلاحة من أجل تسريع الأوراش القطاعية، خاصة المرتبطة منها بالماء، وليس إبداع سياسات قادرة على إخراج القطاع من أزمته”.
واعتبر المصرح ذاته أن “ما تبقى من عمر الولاية سيسمح فقط بتصحيح أخطاء الوزير السابق وإعادة السياسات الفلاحية إلى سكتها الصحيحة”، موردا أن “مخطط الجيل الأخضر وضع في الأصل أسس السياسة الفلاحية المغربية وأطَّر عمل كل وزير”.
ومن بين ما ألَّح عليه المهتم بالشأن الفلاحي هو وعي الوزير الجديد بأن “المغرب انتقل من تدبير الوفرة المائية إلى مرحلة تدبير الندرة”، مسجلا أن “تدبير الندرة المائية لا يمكن أن يتم في غياب استراتيجيات وآليات لإعادة النظر في البنية الإنتاجية سواء للمواد الغدائية من خضروات وفواكه وحتى الإنتاج الحيواني”.
ولأن “وزارة الفلاحة” أصبحت تحاول مواجهة كل الأزمات المرتبطة بتموين الأسواق الوطنية بالمواد الغدائية عبر اللجوء إلى الاستيراد وتكريس سياسة الدعم المباشر للفلاحين، اعتبر أوحتيتا أن “هذا الدعم وإن أعطى نتيجة على مستوى صمود الفلاحين فإنه أضعف المنافسة داخل الأسواق الوطنية”.
وبحكم شمولية مخطط الجيل الأخضر على مستوى تدبير القطاع الفلاحي، لم يجد الخبير الفلاحي مانعا في مراجعة وتحيين بعض مقتضياته من أجل تكييفها مع السياق المناخي والفلاحي الذي نعشيه اليوم، مشيرا في هذا الصدد إلى تعزيز الاعتماد على الأعلاف البديلة وغير المكلفة وغرف استنبات الشعير عوض اللجوء إلى الاستيراد.
ومن بين الأوراش الكبرى التي سيكون وزير الفلاحة الجديد، أحمد البواري، في مواجهتها خلال ما تبقى من عمر الولاية الحكومية إشكالية الزراعات المستنزفة للموارد المائية، وهو ما اعتبر الخبير نفسه بأنه “تحدٍ كبير يتطلب إرادة سياسية حقيقية من الوزير لوضع حد لتوسع هذه المواد المستهلكة للموارد المائية”.
ميداوي.. رهان تصويب أخطاء ميراوي
وأتى التعديل الحكومي الجديد بعز الدين ميداوي وزيراً جديداً لتولي حقيبة التعليم العالي خلفاً للوزير السابق، عبد اللطيف ميراوي، الذي كانت أزمة كليات الطب بمثابة الخطأ الذي أنهى وصايته على القطاع. بالإضافة إلى عجزه عن تحقيق الانتقال الحقيقي داخل الجامعة المغربية إلى ما كان يسميه بـ”الجامعة من الجيل الجديد” والارتقاء بها في ترتيب الجامعات على المستوى الدولي.
وينتظر الوزير الجديد، في حيز زمني ضيق، تدبير تركة ثقيلة لسلفه عبد اللطيف ميراوي وإنقاد الجامعة المغربية من السياسات المتوالية التي لم تغير من واقع التعليم الجامعي وظلت تكرر نفس التوجهات التي أبقتها في مؤخرة التصنيفات الدولية لأفضل الجامعات العالمية وخارج التصنيف في بعض الأحيان.
وقد ارتقت أسهم الوزير الجديد، عز الدين ميداوي، في بورصة السياسة بعدما استطاع نزع فتيل الاحتقان من كليات الطب الذي كان قد اقترب من إكمال سنة بسبب عناد الوزير السابق في التوافق مع الطلبة المحتجين والاستجابة لمطلب التراجع عن قرار تخفيض سنوات الدراسة من 7 إلى 6 سنوات فقط.
محمد الدرويش، رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين، قال إن “النجاح في إنهاء أزمة كليات الطب والصيدلة صار عنواناً بارزاً لمرحلة الوزير عز الدين ميداوي خلال ما تبقى من عمر الولاية الحكومية والتي لن تتجاوز السنتين، أي قبل يونيو 2026”.
ولم يتفق الدرويش، في تصريحه لجريدة “مدار21” الالكترونية، مع من يحاول أن يفرط في التفاؤل بقياس إصلاح أوضاع التعليم الجامعي بنجاح الوزير الجديد في حل أزمة طلبة الطب، حيث ذَكَّر بأن “الجامعة المغربية تتخبط في مشاكل لا تعد و لا تحصى منها ما يشكل تراكمات لسياسات حكومات سابقة ومنها ما هو نتيجة تدبير وقرارات الوزير السابق”.
ولم يخرج درويش عن المنطق الذي يقرأ به مهتمون موضوع الإصلاح الجامعي حينما قال إن “مهمة قيادة الانتقال داخل الجامعة المغربية نحو النماذج الحديثة والرائدة على المستوى الدولي لا يمكن أن تتم خلال سنة ونصف”، مشددا على أن “كفاءة الوزير الجديد يمكن أن تساعد على إيجاد الشروط المطلوبة لإنجاح وفتح أوراش كبرى مستقبلا”.
وسيجد الوزير الجديد خلال الفترة التي سيدبر فيها قطاع التعليم العالي مجبراً على التعامل مع المخطط الذي وضعه الوزير السابق (المخطط الوطني لتسريع التحول بمنظومة التعليم العالي) والذي يرتكز على أربعة محاور مُهيكِلة تتمثل في إصلاح بيداغوجي شامل ومندمج وأسُس بحث علمي بمعايير دولية ومنظومة حكامة ناجعة وفعالة بالإضافة إلى دور محوري للمجالات الترابية من حيث الابتكار وخلق القيمة المضافة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
وفي هذا الصدد، أشار درويش إلى ضرورة “المضي قدماً نحو تنزيل مقتضيات القانون 00-01 المتعلق بالتعليم العالي مروراً بالمراسيم التطبيقية وكذا مراجعة فلسفة مشروع سلفه pacte Isri”، مشددا على مراجعة خلفيات تعيينات العمداء و المدراء ورؤساء الجامعات وأطر وموظفي الإدارة المركزية لكونهم شركاء في تنزيل هذا الإصلاح.
الجواب عن سؤال: أي جامعة لمغرب القرن الواحد و العشرين سيكون مهمة محورية، حسب المتحدث ذاته، ستطرح على وزير التعليم العالي الجديد بالإضافة إلى تحديد مفهوم الجامعة عندنا ومؤسساتها وتخصصاتها وطرق ربطها بمحيطها وعدم تكرار مضامين التكوين في كل المواقع والجامعات.
التهراوي تحت ثقل إنجاح الحماية الاجتماعية
ومن بين أهم القطاعات التي لحقتها رياح التعديل الحكومي، قطاع الصحة والحماية الاجتماعية، الذي تولى تدبيره الوزير الجديد، أمين التهراوي، خلفاً للوزير خالد آيت الطالب. الأخير فشل في احتواء الاحتقان الذي شلَّ المستشفيات العمومية بسبب مطالب الشغيلة الصحية برفع الأجور والحفاظ على صفة الموظف العمومي ومركزية الأجور، بالإضافة إلى الاختلالات التي شابت تنزيل وزارته لبرامج مشروع الحماية الاجتماعية.
وسيكون التهراوي، انطلاقا من المسؤولية الموضوع على عاتق وزارته، أمام تحدي رفع إكراهات تنزيل ورش الحماية الاجتماعية بعد قرابة 4 سنوات على انطلاقه. هذا الورش الذي وقفت عدة دراسات وتقارير على اختلالات اعترت تنزيله بدءاً من منظومة الاستهداف مرورا بالأطر والبينات التحتية الصحية الكافية لإنجاحه ووصولا إلى استدامة تمويله.
وإلى جانب الإكراهات المرتبطة بتنزيل برامج مشروع الحماية الاجتماعية، التي أبانت عليها الـ4 سنوات الماضية، سيواجه الوزير الجديد على القطاع ضغط الضيق الزمني؛ سواء تعلق الأمر بعمر الولاية الحكومي القريب من الانتهاء أو الجدولة الزمنية التي حددها القانون الإطار 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية لإنهاء جميع البرامج المشكلة لهذا الورش الاجتماعي الاستراتيجي والمحددة في 2025.
ولأن نجاح برامج مشروع الحماية الاجتماعية لا يمكن أن يتم خارج منطق الإصلاح الشامل الذي يهم أيضا وضعية الموارد البشرية في قطاع الصحة، فإن التهراوي مطالب بتجفيف ما تبقى من منابع الاحتقان داخل عدد من فئات الشغيلة الصحية التي ما تزال تفضل اللجوء إلى التصعيد والإضراب للتعبير عن امتعاضها من عدم تلبية مطالبها، وعلى رأسها أطباء القطاع العام.
وحتى إن استطاع الوزير الجديد بمجرد دخوله ضمن عناصر التشكيلة الحكومية الجديدة إقناع مكونات التنسيق النقابي بقطاع الصحة، الذي يضم 6 نقابات، برفع جميع الأشكال الاحتجاجية بعد التزامه بالحفاظ على صفة الموظف العمومي ومركزية الأجور بالإضافة إلى تعهده بتنزيل مضامين الاتفاقات السابقة مع النقابات الصحية، إلا أن توسيع التوافق حول رؤية الوزارة بخصوص تدبير الموارد البشرية، خاصة في ظل تنزيل نموذج المجموعات الصحية الترابية، يظل رهيناً بقدرة المسؤول الحكومي على تجاوز “سياسة الصمت” و”التجاهل” التي ظلت الهيئات النقابية تنتقدها خلال عهد خلفه، خالد آيت الطالب.