بداية متعثرة للموسم الفلاحي تهدد باستمرار أزمة القطاع

أفسحت التساقطات المطرية التي عرفتها المملكة خلال شهر أكتوبر الماضي، وتحولت في بعض الأحيان إلى فيضانات جارفة، المجال أمام بعض التفاؤل في صفوف الفاعلين الفلاحيين بتحقق موسم فلاحي أفضل من سابقيه؛ بيد أنه وبعد الانطلاقة الرسمية للموسم الفلاحي، تهدد العديد من التفاصيل بتكرار مآسي الماضي.
وأعطيت منذ حوالي 3 أسابيع الانطلاقة الرسمية للموسم الفلاحي 2024/25، الذي يراهن عليه المغرب كثيرا بعد توالي سنوات عدة من الجفاف لأجل تحقيق أهداف النمو التي رسمتها الحكومة وتفاءلت بها مؤسسات دولية.
وكان وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، أعلن بمجلس النواب اتخاذ إجراءات تروم دعم القدرة الإنتاجية للفلاحين، لاسيما في ما يخص توفير المدخلات من بذور وأسمدة وتنمية سلاسل الإنتاج وتدبير مياه الري والتأمين الفلاحي والتمويل.
هل يُصلح العطار ما أفسده الدهر؟
مواسم الجفاف المتعاقبة خلفت أزمة خانقة في القطاع، بحيث تواصلت “مدار21” مع عدة فلاحين لاستقصاء ارتساماتهم حول بداية الموسم، وأكدوا أن غلاء المواد الأولية والآليات ما زال يُضعف قدراتهم الاستثمارية والإنتاجية.
واشتكى مزارعون من غلاء البذور والأسمدة وآليات الحرث، مشيرين إلى أن قدرتهم الاستثمارية تآكلت بفعل سنوات الجفاف، وأن البعض منهم “لم يجد ما يستقبل به الموسم الجديد”.
وأجمع هؤلاء على أن مردودية القطاع تدهورت منذ اتخاذ الحكومة قرار حظر تصدير بعض المنتجات الفلاحية، بحيث ما عادت قيمة المداخيل تغطي كلفة الإنتاج.
وكانت الحكومة بداية العام المنصرم قد اتجهت إلى حظر تصدير بعض المنتجات الفلاحية، في خطوة قالت إنها تهدف إلى إعادة التوازن للسوق الداخلية، في ظل موجة الغلاء التي تشهدها البلاد في عدد من المواد الأساسية.
دعم غير كافٍ لقدرة شرائية مُنهكة
وكشفت الحكومة عن مُعطيات رسمية تفيد تموين السوق الوطنية بما يناهز 1,26 مليون قنطار من البذور المعتمدة للحبوب الخريفية، بأسعار بيع تحفيزية ومُدَعمة، وبانخفاض قدره 3 إلى 5 بالمئة مقارنة بالموسم الفلاحي الماضي.
وأشارت إلى أنها ستواصل الحفاظ على دعم اقتناء بذور وشتائل الطماطم المستديرة والبصل وبذور البطاطس لهذا الموسم، بغية ضمان موسم فلاحي ناجح.
في هذا الصدد، اعتبر الخبير في الاقتصاد الفلاحي، العربي الزكدوني، أن الدعم لم يعد كافيا، مستطردا: “أين هي القدرة الشرائية للفلاح حتى يقتني هذه المواد المدعمة؟”، مضيفاً أن خزينة الفلاحين تدهورت بفعل تعاقب سنوات الجفاف.
وعلاوة على ذلك، أوضح الخبير بالسياسات الزراعية في تصريح لصحيفة “مدار21″، أن “تربية المواشي تعد بمثابة البنك بالنسبة للفلاحين، فالأغلبية لا تتجه “للقرض الفلاحي”، بل تعتمد على مبيعات المواشي للاستثمار في الزراعة، وما عاد أحد يجهل الآن وضعية القطيع الوطني المزرية وتراجعه بمستويات مخيفة”.
ولم يخفِ الزكدوني تشاؤمه حتى على المستوى المائي؛ “الوضعية مخيفة.. حتى التساقطات ليست كافية ونحن في متم نونبر، صحيح أن التساقطات كانت لا بأس بها ببعض المناطق كسايس ومكناس وفاس والغرب… لكن مناطق أخرى تشكل عصب الإنتاج الفلاحي الوطني كالشاوية وزعير وعبدة ما زالت تشكو من خصاص مائي، كما ما تزال نسب ملء السدود في حدود 30 في المئة فقط”.
وبالنسبة لمناطق الجنوب الشرقي التي شهدت تساقطات هامة فاعتبر الزكدوني أن مساهمتها في الإنتاج الفلاحي الوطني ليس كبيراً.
ما العمل؟
في ظل هذه الظروف، يرى الخبير ذاته أن المغرب بحاجة لإعادة نظر شاملة في سياسته الفلاحية، وإرساء سياسة فلاحية تراعي مؤهلات كل منطقة على حدة، في إطار “مجالية مقربة”.
وقال إن الجهوية الموسعة لا ينبغي أن تقتصر على المؤسسات السياسية، بل ينبغي أن تنسحب على القطاعات الإنتاجية، ضاربا المثل بصندوق التنمية الفلاحية: “هذا الصندوق يوفر دعما للفلاحين بالفعل، ومن أبرز إنجازاته دعم الري بالتنقيط، في إطار الاقتصاد في الموارد المائية. بيد أن الدعم لا يختلف حسب المناطق، نفس المساعدات تقدم للمناطق التي تتمتع بوفرة مائية مقارنة بالأخرى التي تعاني من الخصاص”.
كما دعا إلى إعادة النظر في التوجه القائم على منح الأولوية للتصدير، قائلاً “أنا لست ضد التصدير على ضوء الإمكانيات المائية المتاحة، ولكن لا يُعقل منح أولوية للمواد المستنزفة للمياه الجوفية لمجرد أنها قابلة للتصدير”.