بوشطارت: الأمازيغية لم تتراجع والأحزاب سبب إقصائها ونحاول بعث حزب الأمازيغ

يرى عبدالله بوشطارت أن الحركة الأمازيغية لم تتراجع عكس ما يقول كثيرون، بل تتطور وتتكيف مع التحولات التي تقع في العالم.
الناشط الأمازيغي سلط الضوء، في حوار مع جريدة “مدار21″، على الأزمة التي يعيشها المشهد السياسي والحزبي المغربي، متهما الأحزاب المغربية بـ”الوقوف ضد الأمازيغية، وساهمت في إقصائها من المدرسة والإعلام”، مؤكدا طموح الحركة الأمازيغية إلى إعادة إحياء فكرة تأسيس حزب أمازيغي.
نص الحوار:
سنة 2005 كانت هناك محاولة لتأسيس حزب أمازيغي لكنه لم يصمد طويلا، هل يمكن أن تطلعنا سبب ذلك؟ وهل كانت هناك محاولات أخرى بهذا الصدد؟
المرحوم “داحماد” الدغرني أسس الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي يوم 31 يوليوز 2005 بمدينة الرباط، وانتخب “أمغارا” له، أي أمينا عاما، والمؤتمر التأسيسي حضره العشرات من المناضلين والمناضلات من مختلف مناطق المغرب، وأسس الحزب ما يناهز 28 فرعا بجل مناطق المملكة من الريف إلى الصحراء في الفترة ما بين 2005 و2007، ورفعت الوزارة الداخلية دعوى قضائية لحل وبطلان الحزب بعد المؤتمر الاستثنائي الذي تم تنظيمه في فبراير 2007 بمدينة مراكش، وسمي بمؤتمر “الملاءمة”، وحضره حوالي ألف مناضل ومناضلة، لكن للأسف تم منع المؤتمرين من الولوج إلى القاعة التي قام فرع الحزب بمراكش بحجزها وأداء ثمن كرائها سلفا، وتم عقد المؤتمر في الهواء الطلق.
بعد ذلك بأسابيع تم رفع الدعوى القضائية وانتهت بالحكم الابتدائي في سنة 2008 ثم الحكم الاستئنافي في يناير 2010 وقضى بحل الحزب وبطلانه، لكنه لم يتم تنفيذ الحكم ولم تقم هيئة الدفاع بالنقض. ولكن بعد إبطال الحزب وحله استمرّت الفكرة في المجتمع وأفرزت مبادرات أخرى داخل الحركة الأمازيغية لتأسيس حزب جديد، البعض منه بقي حبيس أفكار ومشاريع، والبعض منها تم منعه بطريقة من الطرق.
الحركة الأمازيغية تراجعت في السنوات الأخيرة، هل تأسيس مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي محاولة لإعادة إحياء هذه الحركة؟
الحركة الأمازيغية لم تتراجع، وإنما تعيش تحولات كباقي التيارات والقوى داخل المجتمع في المغرب وخارجه، فالعالم بأسره يعيش تحولات بنيوية، أو ما يسمى بالعالم بعد كورونا، فقد وقعت تغيرات وتحولات كثيرة ساهمت في تغيير طريقة الاشتغال وطريقة التفكير سواء عند الأنظمة السياسية والاقتصادية أو عند التيارات والحركات الاجتماعية والسياسية، والحركة الأمازيغية جزء من هذه القوى التي تأثرت بهذه التحولات ومنها أيضاً الثورة التكنولوجية السائلة والهائلة وما نتج عنها من ذكاء اصطناعي وانفجار التواصل الاجتماعي، حيث تغيرت أشكال التأثير وتوسعت مساحات التعبير، ومن الطبيعي أن تتأثر الحركة الأمازيغية بهذه التحولات الرقمية والثقافية والسياسية، خاصة بعد ترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور وخروج القوانين التنظيمية.
ومن الحتمي والبديهي أن تتعايش وتتطور الحركة مع هذه التحولات، وهنا انبثقت مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي التي ظهرت منذ أزيد من سنة بنشرها لمشروع أرضية سياسية تحت اسم حركة النجوم الثلاثة “أوال” “أكال” “أفگان”، وهي أرضية مشروع حزب سياسي جديد.
المجموعة تتكون من مناضلين وأطر أسّسوا تجربة الحزب 2005 والتنظيمات الموازية له، وكانوا كلهم من شبيبته، واستمروا في النضال والدفاع عن حقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وعن قضايا الأرض والثروات والموارد والقيم… فمجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي تهتم بالمشروع المجتمعي وبالتنظيم السياسي.
تحدثت في مناسبات مختلفة عن تأسيس حزب ذو مرجعية أمازيغية، ماهي أسس هذه المرجعية؟
أسس المرجعية الأمازيغية كثيرة ومتعددة، أهمها الديمقراطية الأمازيغية، وهي أرقى أشكال ممارسة الديمقراطية في العالم إن لم نقل إن الفكرة الديمقراطية في السياسة انطلقت من الأرض الأمازيغية بشمال إفريقيا وانتشرت في العالم عبر انتقالها أولا إلى اليونان حيث طورها بعض الفلاسفة والمفكرين هناك.
الديمقراطية هي إنتاج أمازيغي فكرا وممارسة، والكثير من الدراسات؛ دراسة روبير مونتاني “الأمازيغ والمخزن بالفرنسية”، بينت أن التنظيمات السياسية الأمازيغية كانت تعيش في ظل أنظمة ديمقراطية راقية منذ القدم، تعتمد على الانتخابات ثم على نظام التناوب مثل تحديد مدة الحكم في سنة.
وتتأسس المرجعية الأمازيغية أيضا على المنظومة القانونية الأمازيغية أو ما تسميه بعض الكتابات تزويرا وتحقيرا بالأعراف، فالقوانين الأمازيغية هي بمثابة دساتير وأنظمة قانونية وضعية لم يستطع العقل البشري حاليا بالرغم من التطور الحاصل في التعليم والتقنيات سن تشريعات مثلها، سواء فيما يتعلق بتدبير المجال واستدامة الموارد والحفاظ عليها وتنظيم الرعي والزراعة والسقي وغيرها، فالمرجعية الأمازيغية يطول فيها الكلام والشرح.
ما هي قراءتك للمشهد السياسي الحزبي المغربي؟
المشهد السياسي والحزبي المغربي يعاني من أزمات وأعطاب كثيرة، أهمها أزمة المرجعيات والمنطلقات الفكرية والإيديولوجية والمذاهب السياسية والاقتصادية التي تتبناها هذه الأحزاب، فجميعها تتبنى إيديولوجيات مستوردة من الخارج، وليست أحزابا نابعة من صلب التربة المغربية، بل هذه الأحزاب هي التي ساهمت في إفساد السياسة لأنها بنتها على العروبة والقومية العربية والسلفية والإسلاموية.
هذه الأحزاب خرجت أثناء الصراع مع الاستعمار وتبنت للأسف إيديولوجيات مستوردة خارجية وكانت ضحيتها الأولى اللغة والثقافة الأمازيغية، فتحولت تلك الأحزاب وتفرعاتها من النضال ضد الاستعمار إلى النضال ضد الأمازيغية وتم حرمانها وإقصاؤها من جميع الفرص والحقوق المشروعة وعلى رأسها التدريس والإعلام والثقافة وغيرها.
والغريب في الأمر أن الحزبية المغربية ولدت على أنقاض ما يسمى الظهير البربري وهو أكبر أكذوبة سياسية في تاريخ المغرب المعاصر، فمنذ ذلك العهد، أي 1930، المغرب هيمنت عليه السياسة العربية وتفرعاتها من الاشتراكية العربية والشيوعية العربية واليسار العربي ثم الإسلاموية وغيرها من الإيديولوجيات المستوردة من الخارج التي تروم تفكيك الهوية المغربية وتزويرها .
وما هو تصوركم ومشروعكم المجتمعي؟
المشروع الذي نحن بصدد التأسيس له هو إعادة السياسة إلى طريقها الصحيح أو جعلها تمشي على قدميها بعدما كانت تمشي على رأسها لما يربو عن قرن من الزمن. نحن نملك تصورا جديدا للسياسة والحزبية مغايرا لما هو كائن، ونهدف إلى إنتاج فكر سياسي جديد يستمد قوته من الثقافة المغربية والتاريخ المغربي العريق ومن عراقة الحضارة المغربية الممتدة والغنية والزاخرة بالأفكار والنظريات والممارسات الفضلى والقيم النبيلة.
مشروعنا يمزج بين التنظيمات والأفكار والقيم والمعارف والقوانين والمنظومات الثقافية والاقتصادية الأمازيغية وبين ما وصله العقل البشري والتطور العلمي من اجتهادات وأفكار وتقنيات، فنحن لا نحصر أنفسنا في إيديولوجيات أو أفكار أو نظريات تنمط العقل وتعرقل التفكير والإبداع والاجتهاد، فالمرجعية الأمازيغية حابلة بالقيم والتنظيمات والتراكمات والأفكار التي للأسف لا أحد يهتم بها. ونحن اليوم نستطيع إعادة تصحيح المنطلقات والمرجعيات السياسية والفلسفية والفكرية لإعادة بناء الشخصية المغربية، قوية ومتوازنة ومتصالحة مع ذاتها وهويتها وتاريخها.
ألن يصبح هذا الحزب بالمرجعية الأمازيغية شبيها بالأحزاب ذات المرجعية الإسلامية؟
المشروع المجتمعي بمرجعية أمازيغية يختلف تماما مع الأحزاب الدينية، فالأمازيغية رديفة بالحرية والعقلانية والنسبية، عكس الخطاب الديني الذي يتسم بالحقيقة المطلقة وبخطاب غير عقلاني لأنه يمتح تصوراته وأفكاره من السلف الصالح ومن نصوص مطلقة وجامدة لا تؤمن بالتطور. ثم إن الأحزاب الدينية في المغرب تتبنى هي الأخرى الإيديولوجيات المستوردة كإيديولوجية الإخوان المسلمين والعروبة وغيرها، فالمشروع المجتمعي بمرجعية أمازيغية هو مشروع ثقافي وحضاري كبير.