كيف أسست فرنسا الاقتصاد المغربي الحديث وما سر استمرار الارتباط بينهما؟

في سنة 1906، أكد مؤتمر الخزيرات (الجزيرة الخضراء) ضرورة فتح الاقتصاد المغربي على التجارة الدولية، من خلال مبدأ الحرية الاقتصادية والمساواة بين القوى الاقتصادية الأوروبية.
لكن بعد 6 سنوات من ذلك (1912)، بادرت فرنسا، عبر فرضها لمعاهدة الحماية على المغرب، إلى الاستحواذ على السوق المغربية، وعملت على تطوير إدارة سياسية واحتلال زراعي وروابط اقتصادية ومالية، وفق ما تؤكده أطروحة دوكتوراه للباحث المغربي محمد الشاوي، تحت عنوان: “تطور الاقتصاد المغربي خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945): مساهمة في دراسة التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للمغرب المعاصر.
وتؤكد الأطروحة ذاتها أن ارتباط الاقتصاد المغربي بنظيره الفرنسي شهد تسارعا كبيرا إثر اندلاع الحرب العالمية الثانية في سنة 1939، بحيث عمدت فرنسا، بهدف تلبية مجهودها الحربي ضد ألمانيا النازية، لإعادة تنظيم الاقتصاد المغربي وخلق بنيات جديدة، مُسَلِّمة التدبير الاقتصادي للـ”باطرونا” الأوروبية، بما في ذلك اقتصاد المستعمرات.
هل ارتقت الحماية بالاقتصاد المغربي أم استغلّته أبشع استغلال؟
ولفتت دراسة صادرة عن جامعة نيس Université de Nice-Sophia Antipolis إلى أن الاقتصاد المغربي كان أكثر المتضررين في شمال إفريقيا من المجهود الحربي الفرنسي بين سنتي 1939 و1945، بحيث كلف المغرب 3054 مليون فرنك أي 44,65 في المئة، مقابل 2741 مليون لتونس و1044 مليون للجزائر.
وفي مؤلف أكاديمي يحمل عنوان “كتابة التاريخ الاقتصادي لمغرب القرن العشرين”، الصادر في سنة 2014، أكد المؤرخ الطيب بياض أن “إنتاج المغاربة ظل ضعيفا في مواضيع تهم التاريخ الاقتصادي للمغرب خلال فترة الحماية”.
لأجل ذلك يعد كتاب “الاقتصاد المغربي” لـ«روني هوفر»، الذي كان يشغل منصب مدير المراكز القانونية بمعهد الدراسات العليا المغربية، الصادر سنة 1932، من أول الوثائق التي تناولت واقع القطاعات الاقتصادية بالمغرب إلى حدود بداية الثلاثينات من القرن العشرين.
وأضاف المؤلف ذاته أنه “وبما أن اقتصاد مغرب ما قبل الاستعمار ظل اقتصادا تقليديا معاشيا مفتقرا للتجهيزات، لا يتطلع إلى تحقيق التراكم، فقد كان طبيعيا أن تعمل الدولة الحامية على تجهيز البلاد بالبنية التحتية الضرورية لاستغلال خيرات البلاد من موانئ وطرق وسكك حديدية وتشييد للمدن”.
وبناء على ما سبق، ما زال النقاش محتدماً حول الدور الذي لعبته الحماية في تطوير الاقتصاد المغربي إلى اقتصاد حديث ومنفتح على التجارة العالمية، وعن أدوار هذه الأخيرة في التأسيس لما تعانيه المملكة، إلى غاية اليوم، من مشاكل اقتصادية.
ترى بعض الروايات التاريخية أنه يحسب للهيمنة الفرنسية على المغرب تطوير المملكة وتجهيزها بالبنية التحتية (الطرق والجسور والسكك الحديدية والكهرباء والسدود…)، مع إنشاء مراكز حضرية جديدة وإدارة حديثة؛ وبشكل عام تأسيس الدولة المغربية الحديثة كما نعرفها.
يبقى من أكثر التعبيرات التاريخية عن هذا الطرح، ذلك الكاريكاتور الشهير الذي صدر على صحيفة Le petit Journal الفرنسية في سنة 1911، والذي يجسد امرأة فرنسية حسناء ومتألقة، تقبل عبر البحر على مغاربة من ذوي الهندام المتواضع و”تتصدق” عليهم بذهب وفير، وهم يتمسكون بأهدابها. وقد كُتب تعليق أسفل الصورة يقول: “بوسع فرنسا بكل حرية نقل الحضارة والثروة والسلام للمغرب”.
لكن كتابا صادرا عن منشورات La Croisée des Chemins باللغة الفرنسية في سنة 2020 تحت عنوان “الدين العام – الإمبريالية في المغرب (1856-1956)”، للباحث آدم بارب، يفند هذا الطرح الاستعماري، مسلطا الضوء على كون الجهد المالي الذي تطلبته سياسة الأشغال العمومية والتجهيز الفرنسية بالمغرب قد استند للقروض التي وُضِع سدادها على كاهل المغاربة آنذاك.
ويضيف المصدر ذاته أن فرنسا استفادت من تلك السياسة ماليا، كون مصدر القروض التي حصل عليها المغرب، في معظمها آنذاك من بنوك فرنسية، وفي مقدمتها بنك Paribas.
بعد الاستقلال.. لم يُفك الارتباط
وفي ما يتعلق باستمرار الارتباط الاقتصادي بين المغرب وفرنسا حتى بعد استقلال المملكة، يرى مقال علمي صادر عن الباحث كانيس أشرف، عن جامعة “بافيا” الإيطالية سنة 2021، تحت عنوان “التأثير الفرنسي على التنمية في المغرب”، أن استمرار الارتباط الوثيق بين الاقتصادين راجع لعمل الحماية منذ ذلك الحين على ترسيخ و”تأبيد” النفوذ الاقتصادي الفرنسي، عبر “خلق نخبة فرنكفونية وفية في المغرب، كان لها السلطة في إدارة البلاد واستمرت في الحكم بعد استقلالها”.
ويضيف: “ثمة نقطة مهمة أخرى هي نفوذ فرنسا في المجال الاقتصادي للمغرب. فقد خلقت فرنسا شراكة تفضيلية ومتينة. إذ هي ثاني أكبر شريك تجاري (21 في المئة) وكذا ثاني أكبر شريك مورد (16 في المئة). وإلى جانب ذلك، تعد فرنسا واحدة من أكبر المستثمرين الأجانب المباشرين في المغرب، وتركز عموما على قطاعات هامة كالعقار والإنتاج الصناعي والخدمات اللوجستيكية والنقل والبناء”.