فعاليات حقوقية وسياسية مغربية تدخل على خط محاولات الهجرة الجماعية بالفنيدق

دخلت عدد من الفعاليات الحقوقية والسياسية المغربية على خط أزمة الهجرة الجماعية من طرف آلاف الشباب والقاصرين المغاربة، التي شهدتها الحدود الفاصلة بين مدينة الفنيدق وسبتة المحتلة، في وقت تعددت المطالب بين وقف “العسكرة” والسماح بالتنقل، والكشف عن حجم الخسائر، وأيضا محاسبة المتسببين في الوضع الكارثي الذي أسفر هذه الاحداث.
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان قالت في بيان لها، اطلعت عليه جريدة “مدار21” إنها تابعت “بغضب واستنكار بالغين، المشاهد الصادمة الآتية من شمال المغرب، التي تجري أحداثها، منذ يوم 14 شتنبر، على الحدود الاستعمارية الفاصلة بين سبتة المحتلة ومدينة الفنيدق، لمئات وربما آلاف المغاربة ـ بينهم قاصرين ـ الذين وفدوا ويفدون إلى المنطقة من مختلف جهات المغرب من أجل الهجرة الجماعية غير النظامية إلى مدينة سبتة المحتلة”.
وأوضحت الجمعية “إذا كان الموقف الإسباني مفهوما لأنه يسعى الى تكريس استمرار استعمار المدينتين إلا أن الموقف الرسمي المغربي يثير الكثير من الغضب لأنه يكرس الموقف الإسباني؛ وهوما نعتبره تخلي للدولة المغربية عن المطالبة المشروعة باسترجاع المدينتين السليبتين”.
واعتبرت الجمعية أن “تطلع المغاربة للهروب الجماعي من بلدهم والرحيل إلى مدينتين محتلتين من طرف الدولة الإسبانية، يجد تفسيره في كون الفساد في جميع المجالات وصل إلى مستويات قياسية يجعل الغالبية العظمى من الشعب تعيش الفقر المدقع في الوقت الذي تغتني فيه قلة من الفاسدين والمفسدين بسبب نهب خيرات البلد وتكديس الأموال وتهريبها إلى خارج الوطن”.
وشددت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على أن “عسكرة المنطقة وكأننا في حرب، ومنع المواطنات والمواطنين من حقهم في التنقل كما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان المصادق عليها من طرف الدولة المغربية واعتقال العشرات من المواطنين بموجب قوانين مجحفة لن يحل أبدا معضلة التفكير في الهروب من البلد ومحاولة البحث عن ملاجىء آمنة توفر لهم الحد الأدنى من العيش الكريم”.
وطالبت الجمعية بـ”رفع العسكرة عن الشواطئ والسماح للمواطنين بالولوج اليها، واحترام حرية التنقل والتجول كما هو منصوص عليه في الصكوك الأممية لحقوق الانسان”، وإطلاق سراح المواطنين المغاربة المعتقلين ومتابعة المسؤولين الحقيقيين عن هاته الوضعية التي يعيشها البلد والتي تؤدي إلى نشر اليأس وعدم الاستقرار، وتفعيل مبدأ عدم الافلات من العقاب في الجرائم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع وقف التوقيف والترحيل التعسفيين لشباب وقاصرين يتواجدون بمنطقة الناظور والمضيق والفنيدق؛
هذا ودعت إلى ” محاسبة الحكومة والبرلمان على السياسات التي أدت الى هاته الفضيحة الدولية التي تناقلتها وسائل الاعلام الوطنية والدولية بسبب انتشار الصور الصادمة للشابات والشباب المغربي الفارين من بلدهم والتي جابت أنحاء المعمور، ولأن هاتين المؤسستين لم تستطيعا إلى الآن تبني سياسات تخدم مصالح المواطنات والمواطنين بدل خدمة المصالح الضيقة لحفنة من المفسدين”.
“الهجرة الجماعية” تصل البرلمان
وتزامنا مع الأحداث المستمرة بمدينة الفنيدق، وجهت فاطمة التامني، النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار، سؤالا كتابيا لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، مؤكدة إن هؤلاء الشباب حاول الدخول إلى سبتة ليلة السبت 14 شتنبر، في إطار الهجرة القسرية المسماة غير شرعية، بعدما ضاقوا درعا من الفقر والبطالة و التهميش، مع استمرار السياسات اللاشعبية، التي لا تزيد الفقير إلا فقرا والغني ثراء.
وأكدت التامني أنه “في الوقت الذي تدعي فيه حكومتكم، أنها تتجه نحو بناء دولة اجتماعية، نجد واقعا مخالفا تماما و بعيدا كل البعد عن ملامح الدولة الاجتماعية، حيث تعميق الفوارق الاجتماعية، وضرب المكتسبات الحقوقية وتفاقم البطالة، وارتفاع نسبة الفقر، والضرب في القدرة الشرائية للمواطنين، وعدم الوفاء بالوعود المقدمة للمواطنين خاصة منها ما يتعلق بفرص الشغل ومحاربة الفقر والهشاشة”.
وشددت البرلمانية على أن الفقر والاقصاء والبطالة وعدم توفير فرص الشغل الكريم والمستدام، مع غلاء المعيشة؛ كلها عوامل إلى جانب أخرى ساهمت في اتجاه هؤلاء الشباب للمغادرة والتضحية بأرواحهم في سبيل البحث عن سبل عيش أفضل تقربهم من حلم الحياة الكريمة المنشودة.
وأكدت التامني أن حكومة أخنوش فشلت في تدبير معظم الأزمات، ولم تستطع ثني الشباب عن فكرة الرحيل، ولم تستطع تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية والحد من الإقصاء والتهميش، فعشرات الشباب الراغبين في سلك طريق الموت ينحدرون من المغرب العميق الذي جابته السيارات رباعية الدفع محملة بوعود انتخابية لم يتحقق منها شيء على أرض الواقع.
وتساءلت التامني :عن جدوى سياسات عمومية لا تنعكس على المواطنات والمواطنين، بل ومسؤولة عن تدهور أوضاع شرائح واسعة من المغاربة، وعن الإجراءات العاجلة لإنقاذ أولائك الشباب الذين اختاروا طريق الموت نتيجة اختلالات سياسية كرست الإهمال وتغذية اليأس والإحباط”.
تجاوزات خطيرة ومفقودين بالفنيدق
ومن جانبه أكد المكتب الوطني لشبيبة اليسار الديمقراطي أنه عن كثب وبقلق بالغ “تطورات الوضع الكارثي بمدينة الفنديق، حيث حج إليها الشباب المغربي من مختلف المدن، بعضهم من القاصرين ذكورا وإناثا، في محاولة يائسة للهروب الجماعي نحو مدينة سبتة المحتلة وعبرها إلى أوروبا”.
وسجلت شبيبة اليسار الديمقراطي، بعد حضور وفد مكتبها الوطني لعين المكان قصد تقصي الحقائق، ” تجمعات بشرية على طول الشريط الساحلي بين مدينة مارتيل إلى حدود باب مدينة سبتة المحتلة، تضم نساء ورجالا وشبابا وشابات بالإضافة إلى أطفال أعمارهم أقل من 15 سنة”.
ولفتت إلى وجوج “انتشار واسع للقوات الأمنية في جميع مداخل مدن شمال المغرب وداخلها، ومنع كل مواطن/ة من الاقتراب من مدخل باب سبتة، باستعمال العنف”، مضيفة “بناء على المعطيات التي تحصلنا عليها فقد تم تسجيل العشرات من المفقودين، وتداول معلومات عن أزيد من 8 حالات وفاة، بالإضافة إلى جرحى حالاتهم متفاوتة الخطورة جراء تدخلات أمنية، أو جراء حوادث للسير تسبب في جزء كبير منها أعوان للسلطة”.
وقالت الشبيبة إن نداء “الهروب الجماعي” عبر بوابة سبتة لم يكن منظما من طرف جهات معلومة، بل جاء بناء على دعوات نشرت بمختلف مواقع التواصل الاجتماعي، مستجلة “تعرض مجموعة من الشابات والطفلات القاصرات، للتحرش الجنسي، بل وبلغ في بعض الحالات لتعرضهن للإغتصاب في الجبال والغابات المحيطة بمدن الشمال”.
وأوردت الشبيبة أن “غالبية الأشخاص الذين تعرضوا للعنف من قبل الأجهزة الأمنية أو أعوان السلطة لم يحصلوا على العلاجات الضرورية، وذلك خوفاً من التوجه إلى المستشفيات العمومية خشية تعرضهم للاعتقال عند مداخلها، وهو ما حدث بالفعل مع العديد منهم/هن”، مفيدة أن “معظم الشباب والشابات الذين تنقلوا لشمال المغرب لا يجدون مأوى ولا مأكل ولا مشرب، بل يفترشون العراء ويتسولون لسد رمقهم”.
وحملت الشبيبة “الدولة المغربية بكافة مؤسساتها المسؤولية الكاملة عن هذا الوضع الكارثي الذي تعاني منه الشبيبة المغربية بشكل خاص، والمواطن المغربي بشكل عام، نتيجة ارتفاع معدلات البطالة والزيادة المهولة في الأسعار، بالإضافة إلى فشل ما أطلق عليه زورًا “مشروع الدولة الاجتماعية” وتسويق أوهام النموذج التنموي”.
وأكدت على أن “نهج المقاربة القمعية ونشر الأجهزة الأمنية والتضييق على الحريات، لن يزيد الوضع الحالي إلا تأزما، ولن يزيد واقع الشباب المغربي إلا إحباطا، بل سيزيد من ارتفاع منسوب فقدان الثقة لدى شباب وشابات هذا الوطن”، مطالبة بضرورة “الكشف عن لائحة الوفيات في هذا الحادث المروع، والكشف عن مصير المفقودين/ات، والتدخل العاجل لمعالجة المصابين/ات”.
ودعت الجهات القضائية إلى “فتح تحقيق شامل في هذه الأحداث المأساوية، والكشف عن المتورطين/ات في تعريض شباب وشابات هذا الوطن لحملة تهجير قسرية جماعية، دون إغفال متابعة المتورطين في الاغتصابات والتحرش الجنسي بالشابات”.