المعارضة تتمسك بتقوية أدوارها ومكانة البرلمان وتكريس التأويل الديمقراطي

خلال المصادقة على النظام الداخلي لمجلس النواب ومدونة السلوك والأخلاقية، اليوم الإثنين، بأغلبية 117 نائبا مقابل امتناع نائبتين، أثارت المعارضة ملاحظات بشأن ضرورة تقوية دور المؤسسة البرلمانية ومكانة المعارضة، داعية إلى تفادي القراءات الجامدة لعدد من المقتضيات، وتكريس التأويل الديمقراطي بما يعزز أدوار المؤسسة التشريعية.
وقال حسن لشكر، النائب البرلماني عن الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية، أن “النظام الداخلي هو الوثيقة التي يمكن عن طريق مراجعتها وتجويدها المساهمة في تطوير التجربة البرلمانية المغربية وتقوية دور مؤسسسة البرلمان كسلطة تشريعية قوية وتعزيز اختصاصات مجلس النواب التقييمية والرقابية والتشريعية إلى جانب الدبلوماسية البرلمانية”.
وأكد لشكر إيمان من الفريق الاشتراكي بضرورة إعادة الاعتبار للعمل البرلماني وللنواب البرلمانيين من جهة، وتعزيز مكانة المعارضة في البنية السياسية والمؤسساتية وتخويلها كل الآليات الكفيلة بضمانها مهامها التمثيلية والتشريعية والرقابية ومساهمتها في البناء الديمقراطي والمؤسساتي وتكريس مبدأ توازن السلط والتوازن المؤسساتي من جهة أخرى.
وأكد المتحدث نفسه على قرار المحكمة الدستورية الذي يفتح آفاقا واعدة لتطوير النظام الداخلي لمجلس النواب وإعادة كتابة القواعد البرلمانية المتعلقة بحقوق المعارضة “بما يضمن إعمال مبدأ أن لا تقل النسبة المخصصة للمعارضة عن نسبة تمثيليتها في المجلس، حيث أعطت المحكمة الدستورية في قرارها الأخير تفسيرا جديدا للنسبية، إذ لم تعد تعتبرها قاعدة جامدة يجب تطبيقها حرفيا، بل اعتبرتها حدا أدنى من حقوق المعارضة في مجموعة من مجالات اشتغال المجلس”.
وتابع أن ذلك ينبغي أن يتم بما يراعي روح الوثيقة الدستورية، والتنزيل الديمقراطي لدستور 2011 الذي ينص على اعتماد قاعدة التمثيل النسبي بمناسبة انتخاب مكتب مجلس النواب ومكتب مجلس المستشارين، وبما يضمن عدم تعميم تفسير جامد للنسبية في انتخاب هياكل المجلس لتنسحب إلى تدبير الزمن البرلماني وتوزيع الوقت بين الأغلبية والمعارضة.
وأفاد لشكر أن قرار المحكمة الدستورية موضوع الملائمة اليوم هو أيضا دعوة للقطع مع منطق الدفاع المطلق على التفسير الجامد والتوسع في تأويله، ودعوة لإقرار نظام داخلي يمكن المعارضة البرلمانية من الاستفادة من حقوقها الدستورية، انطلاقا من موقعها كأصل في منح الحقوق وليس على أساس محددات التمثيل النسبي الذي يتعامل مع المعارضة بلغة الأرقام عن طريق اعتماد التفسير الجامد الكلاسيكي لهذه القاعدة الدستورية وفي توزيع الغلاف الزمني المخصص للأسئلة الشفهية ومناقشة البرنامج الحكومي ومشاريع ومقترحات القوانين.
وقال البرلماني الاتحادي إن انتصار القضاء الدستوري للمعارضة البرلمانية من خلال هذا القرار، الذي يعتبر من الاجتهادات التأسيسية بخصوص تأويله للمقتضيات ذات الصلة بحقوق المعارضة، هو انتصار للديمقراطية وانتصار للمؤسسة البرلمانية بمختلف مكوناتها.
ومن جهة أخرى، سجل ادريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، بإيجاب روح التوافق والتعاون التي مرت فيها أشغال اللجنة الموسعة للنظام الداخلي، لافتا إلى المخاض الذي عرفه هذا الأخير والذي نتج عنه تأخير في اعتماد النظام الداخلي الجديد، ذلك أن هذا الأخير سيطبق خلال سنتين فقط على أبعد تقدير.
وذكر بالتعديلات التي تقدم بها الفريق الحركي على مشروع النظام الداخلي بهدف تجويد وتحسين وإرساء رؤية متجددة تجعل الشأن البرلماني شأنا مجتمعيا يجعل المواطنين المغاربة في قلب ما يقوم به البرلمان من أدوار وإزالة الصورة النمطية عن البرلمان التي تختزل عمل المؤسسة التشريعية في جلسة الأسئلة الشفوية الأسبوعية.
وأشار إلى تقدم الفريق الحركي بمقترح قانون لحسم الأمور الخلافية من طرف المحكمة الدستورية، مشددا “غايتنا أن تكون هذه المؤسسة في مستوى الرهانات الدستورية وانتظارات الملك والشعب المغربي”.
ولفت إلى أن البرلمان كان في مستوى الرهان الملكي بإقرار مدونة للسلوك والأخلاقيات، وهي مدونة متكاملة، مضيفا أن مدونة السلوك والأخلاقيات يجب أن تطبق على مؤسسات وقطاعات أخرى كما يجب مراجعة قوانين لإرساء قواعد السلوكيات.
وأوضح أن فريقه يدافع عن حقوق المعارضة ومكانة المعارضة وحقوقها الدستورية مهما كان الموقع، لافتا إلى تقديم مقترح قانون يتعلق بحقوق المعارضة استنادا إلى خطاب الملك محمد السادس، مؤكدا أن القول بأن المعارضة لم تتمكن من التشريع لحقوقها خطأ وتضليل، وسنظل ندافع عن حقوق المعارضة مهما كان الموقع لأنها حقوق دستورية.
وبدوره شدد عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، على مبدإ التأويل الديمقراطي للدستور، مؤكدا أنه في النظام الداخلي للبرلمان لا يجب أن يغفل كون هذه المؤسسة تمثل سيادة الشعب.
ولفت بووانو إلى أن النظام الداخلي يبقى عبارة عن مواد ومقتضيات ومبادئ، ومراجعته تكون من أجل التطوير والتفسير، ولكن الهدف ينبغي أن يبقى دائما هو تقوية دور البرلمان من الناحية الديمقراطية، مشيرا إلى الإشكالات التي أفرزتها الممارسة من قبيل المواد 151 و152 وغيرها “وفي كثير من الأحيان لم يكن حاضرا التأويل الديمقراطي في سلوكنا”.
وأصرّ رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية على أنه خلال عملية المراجعة ينبغي الحرص على تقوية هذا الدور وهذه المؤسسة، “ليس على حساب الحكومة أو هيئات أخرى، بل من أجل أن نقوم بدورنا كما ينبغي”.
ودعا بووانو إلى ضرورة التحلي “بحسن النية والجدية والمسؤولية خلال مراجعة وتطوير هذا النظام الداخلي، لأنه كان هناك عدد من القراءات لمواد النظام الداخلي منذ الدستور وتم التراجع عنها خلال هذه الولاية مما يطرح أكثر من علامة استفهام”.
وبدوره، أكد أحمد العبادي، عن فريق التقدم والاشتراكية، أن المقاربة التوافقية في مدونة الأخلاقيات والسلوك “تُوِّجَتْ اليوم ببلورة هذه الصيغة الجديدة من النظام الداخلي التي تتضمن مبادئ جديدة تُعزز مدونة الأخلاقيات، وتكتسي طابعا ملزما، ويسهر مكتب المجلس على اتخاذ جميع الإجراءات والتدابير اللازمة لتنفيذها، كما تتضمن إعادة صياغة بعض المواد التي أقرت المحكمة الدستورية بعدم دستوريتها، وهو ما يُعبِّرُ عن نُضج سياسي ومؤسساتي لكافة مكونات مجلسنا، في إطار روح التوافق البنَّاء والمثمِر”.
ولأجل الارتقاء بالعمل البرلماني، أكد العبادي، ضرورة “الرفع من جودة النخب المنتخبة وتخليق الحياة البرلمانية، إذ نؤكد في التقدم والاشتراكية، على الأهمية القصوى التي تكتسيها هذه التوجُّهات”.
واعتبر النائب البرلماني أن إصلاح المشهد السياسي “صار ضرورة ملحة ومُستعجلة، سواء فيما يتعلق بمكانة الأحزاب ووظائفها في التأطير والوساطة المجتمعية وتقديم المقترحات والبرامج، أو ما يتصل بالمنظومة التشريعية والتنظيمية للانتخابات، أو كذلك ما يتعلق بمراقبة استعمال المال في الانتخابات وضرورة تطهير هذا الفضاء من الفساد، الذي يُكلِّفُ بلادَنا سياسيا وحقوقيا وتنمويا”.
وعبّر العبادي عن أن فريق التقدم والاشتراكية، يتطلع إلى أن يكون النظام الداخلي “وثيقةً تُكرِّسُ تنظيمَ وصَوْنَ وحمايةَ حقوق وواجبات النواب، أثناء ممارستهم لمهامهم الدستورية النبيلة، وأن يسهم في توسيع الآفاق، إلى أقصى حدٍّ ممكن، أمام الدفاع عن المصالح العليا لوطننا، والترافع حول التنمية وقضايا المواطنات والمواطنين”.
وشدد العبادي على أن الرهان اليوم أن “يحظى مجلسُنا الموقر بمكانة بارزة في العمل التشريعي والسياسي ببلادنا، وأن يكون فضاء تداوليا ديمقراطيا، يُسهم، بشكل وازن، في تفعيل الخيار الديمقراطي وصَوْنِ التعددية السياسية”.