رأي

تأخر مفاوضات اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال

تأخر مفاوضات اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال

ما يقارب شهرين كاملين على انعقاد محطة المؤتمر العام الثامن عشر لحزب الاستقلال، التي أسفرت عن تجديد الثقة في الأخ “نزار بركة” أميناً عاما لولاية ثانية على رأس الحزب بإجماع عضوات واعضاء المجلس الوطني، غير أن دورة برلمان الحزب المنوط بها قانونا المصادقة على عضوات وأعضاء اللجنة التنفيذية للحزب في إطار “اللائحة” التي سيقترحها على انظارها الأخ الأمين، طبقاً لمستجدات مقتضيات النظام الأساسي الجديد للحزب، لازالت مفتوحة بل ومعلقة، دون أي مؤشرات تلوح في الأفق تدل على التئامها في القريب المنظور لاستئناف اشغالها.

هذه المحطة التنظيمية الهامة – محطة المؤتمر العام الثامن عشر- التي كنا نعقد عليها كمناضلات ومناضلين  آمال كبيرة في أن تكون لحظة تاريخية تنتصر للفكر وللمشروع المجتمعي التعادلي الاستقلالي الذي ننشد ولنموذج المناضل (ة) الاستقلالي الذي نريد، في إطار توافقي الكل قدم خلالها تنازلات من جانبه لإعلاء المصلحة الفضلى للحزب وتغليب كفته على الحسابات الذاتية والمصالح الضيقة للأفراد، هيمن عليها للأسف الهاجس الانتخابي بكواليسه المعلنة والمملة، لدرجة لم يترك معه ولو هامش بسيط للنقاش الفكري والتنظيمي والحزبي والسياسي الذي كان المفروض فيه أن يحظى بمساحة كافية داخل أشغال المؤتمر من شأنها إتاحة الفرصة أمام عموم الاستقلاليات والاستقلاليين للانكباب على دراسة شؤون الحزب الداخلية والوقوف عند قضايا الوطن الراهنة في أبعادها المتعددة ومستوياتها المختلفة بحرية وموضوعية بمعزل عن أي توجيه أو تدخل أو ضغط.

اعتبارا لكون النقاش الحزبي الداخلي العفوي والتلقائي الذي افتقدناه طيلة الولاية السابقة -التي قاربت السبع سنوات- كان سيساهم بكل تأكيد في حسم الكثير من نقط الخلاف والاختلاف والتباين وسوء الفهم ما بين القوى الحية داخل الحزب، بل أكثر من ذلك كان سيدفع هذا النقاش في اتجاه توحيد الرؤية ومنهجية العمل برسم هذه الولاية، كما كان سيسعف أيضاً على مجابهة التحديات المقبلة وربح الرهانات المصاحبة لها، من خلال التأسيس لاستراتيجية عمل واضحة متوافق حولها، مستندة على تقييم موضوعي للتجربة السابقة واستشراف واع للرهانات المقبلة، مدعومة بثقة وانخراط وتجند كافة مناضلات ومناضلي الحزب عبر ربوع الوطن لتحقيق أهدافها على أرض الواقع.

غير أن طغيان الهاجس الانتخابي وهيمنته على مفاصل المؤتمر، حال دون الوقوف عند الأعطاب الحقيقية التي يعيشها الحزب، الذي أصبح معها عاجزا عن اتخاذ المبادرة ومتخلفا عن بلورة المواقف السياسية اللازمة الواجب اتخاذها إزاء القضايا المجتمعية المستجدة داخل المجتمع، بل أكثر من ذلك نجد هذا التركيز المبالغ فيه على الجانب الانتخابي من المؤتمر عمق من الخلافات والاختلافات بين مكونات الحزب، وهذا ما يفسر عُسر عملية انتخاب عضوات وأعضاء اللجنة التنفيذية في الدورة الأولى لبرلمان الحزب المنعقدة ببوزنيقة.

إن حزب الاستقلال عبر تاريخه الطويل، الذي يزيد عن 80 سنة من العمل الحزبي والسياسي، والمساهمة الفاعلة عبر قيادته ونخبه إلى جانب المؤسسة الملكية والقوى الحية داخل البلاد في بناء الوطن وتحديث مؤسساته وعصرنة أساليب وآليات تدبيرها سواء من داخل الأغلبية الحكومية أو من موقعه في المعارضة، لا يمكن اختزاله في مؤسسة الأمانة العامة لوحدها، على أهمية ومحورية هذه المؤسسة داخل هرم مؤسسات الحزب.

ووجهة نظرنا هاته لا ينبغي أن تفسر على نحو يمكن أن يفهم منها اننا ندعو إلى تقليص اختصاصات وصلاحيات مؤسسة الأمانة العامة للحزب، أو تحجيم أدوارها ومهامها، أو محاولة جعلها على هامش مؤسسات وأجهزة الحزب الأخرى أبداً، الاستقلاليات والاستقلاليين لهم منظور خاص للأمانة العامة للحزب كمؤسسة مؤتمنة على كيان الحزب وبنيانه، وبالتالي لا يمكن لأي استقلالي أصيل أن يتبنى هذا التأويل، حتى عندما طالبنا بإحداث مؤسسة نائب الأمين العام في خضم اشغال اللجنة التحضيرية الوطنية للمؤتمر العام الثامن عشر للحزب، كنا نتغيا وراء ذلك تدارك الفراغ الناتج عن تعارض الأجندة الحكومية مع مسؤولية الأمانة العامة للحزب، ولا سيما عندما يكون الأمين العام يتحمل مسؤولية حكومية.

حزب الاستقلال كان دائما حزب المؤسسات بما يعنيه ذلك من تعدد في الرأي واختلاف في زوايا النظر، حتى في أصعب المنعرجات التي اختبرها نجده حافظ دائما على مساحة داخله لكافة مؤسساته وهيئاته وتنظيماته للمساهمة في بناء الحزب وتجديد أساليبه وتحديث آلياته وفق ما يمليه السياق وحسب ما تفرضه الظرفية.

كما أن حزب الاستقلال لم يسبق له أن استنسخ يوماً مخارج أو اشكال تنظيمية من أحزاب أخرى حديثة المنشأ في أي مؤسسة وقع حولها اختلاف أو خلاف، كما وقع على مستوى “رئاسة” المؤتمر الثامن عشر التي استقرت بعد أخذ ورد على رئاسة ثلاثية في صورة غير مألوفة داخل حزب الاستقلال، أو بالنسبة لتأجيل عملية انتخاب عضوات وأعضاء اللجنة التنفيذية للحزب إلى غاية اليوم لدواعي غير مقنعة، بل كان دائما حريصا على ابداع وابتكار مخارج وآليات ديمقراطية اصيلة، تجيب على حاجته التنظيمية تنسجم مع خصوصيته التنظيمية والمذهبية المتفردة، وعلى قدر عالي من النضج والمسؤولية، ولم تكن يوما آلية الهروب إلى الأمام ضمن مخارجه أو أدواته.

إن هذا التأخير في حسم لائحة اعضاء اللجنة التنفيذية للحزب، لم يعد منطقياً ولا مقبولاً على الأقل سياسيا واخلاقيا حتى وإن اباحه القانون – النظام الأساسي للحزب-، بل هذا التأخير تجاوز الاعتبارات المعيارية التي تحدث عنها الأخ الأمين العام في أكثر من مناسبة، سواء في الكلمة التي ألقاها عقب تجديد الثقة في شخصه كأمين عام للحزب ببوزنيقة، أو الكلمة التي ألقاها بمناسبة الاحتفاء بالعيد الأممي للعمال -فاتح ماي 2024- بمدينة فاس، والتي أكد فيهما على جملة من المعايير والشروط الواجب اخذها بعين الاعتبار في اختيار عضوات واعضاء اللجنة التنفيذية ضمن قائمة المرشحين إليها، وهي معايير وشروط بالمناسبة لا خلاف عليها ولا جدال حولها بين عموم الاستقلاليات والاستقلاليين، بل هم من طالبوا بها ونادوا  بإعمالها على طول أشغال اللجنة التحضيرية الوطنية للمؤتمر العام الثامن عشر للحزب.

إن ربح رهان الاستحقاقات التشريعية المقبلة -2026- وطموح تصدر الحزب لنتائجها، في ضل ما يعرفه مشهدنا السياسي وفعلنا الحزبي من تراجع وأفول عنوانه الأبرز أزمة الثقة في الفاعل الحزبي والفعل السياسي بصفة عامة من جهة المواطن، لن يتحقق إلا بالتسريع في انتخاب قيادة حزبية كفؤة ومتمرسة ونظيفة ونزيهة وصادقة وقوية ومتماسكة ومنسجمة ومتضامنة فيما بينها ومتلاحمة مع قواعدها وملتصقة بهموم المواطنات والمواطنين ومستوعبة لتطلعاتهم وانتظاراتهم، قادرة على المبادرة والتواصل والتأثير والترافع، وأي تأخير في حسمها سيكون بكل تأكيد على حساب هذا الطموح المنشود.

إن سلسلة المشاورات الموسعة التي يقودها الأخ الأمين العام مع بعض هيئات الحزب وحساسياته، بهدف إيجاد صيغة  متوافق حولها للائحة اعضاء اللجنة التنفيذية، علاوة عن البطء الذي يعتريها والملاحظات الكثيرة التي تثيرها، قد تثمر نتائج عكسية تقوض الأهداف والغايات المتوخاة منها، ولا سيما في وسط  بعض النواب البرلمانيين المستجدين، الذين ربما فهموا مضمون هذه المشاورات التي جمعتهم مع الأخ الأمين العام بكيفية غير صحيحة، ولعل تواصلهم مع أعضاء المجلس الوطني المنتمين إلى دوائرهم الانتخابية، محاولين فرض توجه معين استعدادا لاستئناف دورة المجلس الوطني المخصصة لانتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية اشغالها، تعتبر أحد الاجتهادات المعزولة الناتجة عن الفهم الخاطئ لمساعي هذه المشاورات.

وإذا كانت الغاية الكبرى الكامنة وراء هذه المشاورات تنصرف أساسا إلى تقوية صفوف الحزب، وتمنيع جبهته الداخلية، وتدعيم النفس التوافقي العام داخله، فإن الرهان على الزمن لوحده لتحقيق هذه الغاية أمر غير كافي، بل الأمر يحتاج إلى مبادرات جدية وتحركات سريعة في مقدمتها التعجيل في عقد دورة المجلس الوطني لاستئناف أشغالها والحسم في لائحة أعضاء اللجنة التنفيذية، وتهيئ الحزب لربح الرهانات المقبلة.

الأستاذ محمد بنساسي

عضو المجلس الوطني لحزب الاستقلال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News