غياب سياسات اجتماعية يفاقم معاناة “المختلين عقليا” وتهديدهم لسلامة المغاربة

في ظل غياب برامج حكومية حقيقية لمواكبة المرضى “المختلين عقليا”، ماتزال جرائم القتل تعصف بأرواح العديد من المواطنين الذين يقعون ضحايا لأشخاص يشكلون خطرا على المجتمع بما يقومون به من تصرفات خارجة عن طاقاتهم.
قتل تلميذة بجماعة تمضيت بإقليم تاونات، الإثنين الماضي، ذبحا باستعمال السلاح الأبيض من طرف شخص تظهر عليه علامات الخلل العقلي، أعاد إلى الواجهة، ملف الطب النفسي والعقلي بالمغرب.
وفي هذا السياق، يرى هشام معروف، خبير في السياسات الاجتماعية، أن انتشار جرائم المختلين عقليا، أصبح ظاهرة ترهق الدولة وتؤرق المجتمع المدني كذلك.
وأشار الباحث والمتخصص في السياسات الاجتماعية ضمن تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، إلى أن هناك نوعان من المختلين عقليا، الأول يهدد حياة المغاربة والأجانب، وهم أصحاب العاهات النفسية المنتشرين بالشوارع والأزقة، العدوانين حسبه، بحيث لا يمكن توقع الأفعال الصادرة عنهم.
وحسب معروف، يتمثل النوع الثاني، في أصحاب العاهات النفسية الذين يشعرون بنقص الاهتمام، ما يجعلهم يرتكبون جرائم كثيرة بسبب قيادة سياراتهم أو دراجاتهم بسرعة، ينتج عنها ارتكاب عمليات الدهس، وتهديد حياة المواطنين وممتلكاتهم.
تدبير “محتشم”
أوضح معروف أن التدبير الحكومي لملف المرضى النفسيين والعقليين بالمغرب يظل تدبيرا جد محتشم، في إشارة إلى غياب سياسيات عمومية واضحة المعالم موجهة لهذه الفئات الهشة.
وفي ظل غياب هذه السياسات العمومية التي من شأنها توفير المزيد من مستشفيات الأمراض العقلية والنفسية، يوجد الآن بالمغرب حسب المتحدث نفسه 27 مركزا لإيواء المرضى النفسيين والعقليين فقط، وهي نفسها تتخبط في العديد من المشاكل المتعلقة بالطاقة الاستيعابية وقلة الأطقم الطبية بالإضافة إلى غياب التجهيزات الأساسية، منها الأسرة وأدوات العلاج.
وحسب معروف، مؤسس جمعية فضاء الحياة للتأهيل الاجتماعي، فإن غياب هذه الأساسيات يساهم في الاستفحال المقلق لهذه الظاهرة، ويجعل من السلطات مطالبة باتخاد العديد من الإجراءات للحفاظ على أرواح وممتلكات المواطنين.
وأصبح، حسب الخبير في السياسات الاجتماعية، من اللازم الاحتفاظ بهؤلاء المرضى بمؤسسات الإيواء حتى يتضح العلاج التام من الأمراض النفسية، محملا الدولة ومن مسؤولية التكفل والعلاج.
الفقر يفاقم المرض العقلي
وأورد هشام معروف أن هشاشة التنمية الاجتماعية، بالإضافة إلى اتساع رقعة التفاوتات بين فئات المغاربة، كلها أسباب تخلق تربة خصبة للأمراض العقلية والاختلالات النفسية إلى جانب التعاطي للمخدرات.
وشدد المتحدث ذاته على أن المرض العقلي يزدهر في الفقر، مردفا بقوله: ‘‘هنالك من المرضى من ينتحر ومنهم من يَجلد ذاته (التعذيب النفسي) ويحرق نفسه، نتيجة عدم التحكم في النفس’’.
وأكد ضرورة تظافر جهود جميع القطاعات الحكومية التي تشرف على هذا الملف، منها وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، وزارة التضامن والأسرة، بالإضافة إلى جمعيات المجتمع المدني ومؤسسات الإيواء، من أجل التصدي لجرائم المختلين عقليا.
ولفت إلى أن الدولة مطالبة بالتجند للقيام بالمزيد من المراكز الاستشفائية، التي تعنى بهذه الشريحة الاجتماعية، بالإضافة إلى تكوين المساعدين الطبيين والمرشدين الاجتماعيين، ‘‘حتى نضمن سلامة المواطنين الأجانب والمغاربة، خاصة أننا مقبلون على تنظيم أحداث هامة وبالتالي يجب أن تكون السلوكات الصادرة عن المواطنين سوية’’ يضيف الخبير.
وما تزال الشوارع الكبرى للعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء تشهد انتشارا واسعا لظاهرة المرضى المختلين عقليا، الشيء الذي بات يهدد سلامة وأمن المواطنين.
وعلى الرغم من كون جهة الدار البيضاء سطات، تستعد لاحتضان مشروع كبير، يتعلق بمركز لاستقبال الأشخاص ذوي الأمراض العقلية والنفسية، والعمل على إعادة تأهيلهم وإدماجهم، إلا أن الانتشار المقلق أضحى يسائل الحكومة حول كيفيات التدبير والتعامل مع ملف المختلين عقليا.
وبمبلغ يناهز 30 مليار سنتيم، صادقت جماعة الدار البيضاء، في دورتها لشهر ماي، على اتفاقية شراكة من أجل بناء وتجهيز المركب الجهوي لاستقبال وإعادة تأهيل وإدماج الأشخاص ذوي الأمراض العقلية والنفسية.
ويدخل في هذا المشروع الضخم، وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، التي تساهم بمبلغ قدر بحوالي 9 ملايير، ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة التي تبلغ مساهمتها 3 ملايير، فيما ستساهم وزارة الفلاحة بالمبلغ نفسه؛
وستساهم كل من جهة الدار البيضاء سطات، ومجلس جماعة الدار البيضاء، ومؤسسة محمد الخامس للتضامن، بمبلغ 5 ملايير لكل منها، بينما المجلس الإقليمي بمديونة سيساهم بمبلغ 400 مليون سنتيم، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية بمبلغ 600 مليون سنتيم.
وجرى تخصيص وعاء عقاري، يناهز 20 هكتارا من أراضي الدولة، على مستوى جماعة سيدي حجاج واد الحصار بإقليم مديونة، بالإضافة إلى مركب دار الخير للرعاية واستقبال المتشردين وذوي الأمراض النفسية بهذه المنطقة ضواحي العاصمة الاقتصادية.