سياسة

“امتحان عسير”.. قرينة البراءة تُعِيدُ مدوّنة تخليق البرلمان لنُقطة الصفر

“امتحان عسير”.. قرينة البراءة تُعِيدُ مدوّنة تخليق البرلمان لنُقطة الصفر

دخلت صياغة مدونة أخلاق العمل البرلماني منعطفا جديدا بعدما قرر مجلس النواب العودة إلى نقطة الصفر، في سعيه لإقرار مدونة للأخلاقيات، كما وردت في نص الرسالة الملكية الموجهة للبرلمان في شهر يناير الماضي بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس أول برلمان بالمملكة.

وقرر رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي، تأجيل اجتماع كان مقررا عقده أمس الإثنين مع رؤساء الفرق والمجموعة النيابية للتوافق بشأن الصيغة المناسبة لإقرار مدونة للأخلاقيات، وهي المدونة التي وضعت البرلمان بغرفتيه هذه الأيام في امتحان دستوري، وُصف بـ”العسير”، بالنظر لهواجس الرقابة القبلية التي يفرضها القضاء الدستوري على النظام الداخلي لمجلسي البرلمان.

وانعقدت تحت رئاسة راشيد الطالبي العلمي في مجلس النواب، سلسلة اجتماعات لرؤساء الفرق والمجموعة النيابية واللجنة المكلفة بمراجعة النظام الداخلي، انكبت على صياغة واعتماد مدونة جديدة للأخلاقيات البرلمانية، بما يساهم في الارتقاء بتخليق الحياة البرلمانية. والمنتظر أن تتواصل اجتماعات رؤساء الفرق والمجموعة النيابية خلال الفترة الفاصلة بين الدورتين، لاعتماد هذا النص.

وأكدت مصادر من مكتب مجلس النواب أن تخوفا من اصطدام المدونة المعول عليها لتخليق الحياة البرلمانية مع الدستور، على اعتبار أن “الجزاءات التي يُمكن أن تضمن في المدونة ستكون ضد البرلمانيين المتابعين أمام القضاء، حتى في مراحل التقاضي الأولى ما يُخل بمبدأ قرينة البراءة التي يضمنها دستور المملكة، ولهذا السبب يجب أن تُصاغ مدونة أخلاق العمل البرلماني منفصلة عن النظام الداخلي، لكنها في المقابل يجب أن تستمد قوتها منه وهذا هو مكمن الصعوبة”.

في الصيغة الحالية من النظام الداخلي بعد صدور قرار المحكمة الدستورية بتاريخ 30 أكتوبر 2017؛ يخصص الجزء التاسع للتنصيص على مدونة السلوك والأخلاقيات البرلمانية انطلاقا من المادة 556 إلى المادة 365 موزعة على بابين أحدهما مخصص للمبادئ الأخلاقية العامة وثانيهما مخصص لقواعد السلوك والأخلاقيات البرلمانية، وهي المواد التي أجازتها المحكمة الدستورية، ويمكن أن تكون طوق نجاة لمجلس النواب للخروج من ورطة المدونة التي أصبحت الشغل الشاغل للبرلمان خلال المدة الأخيرة.

وسبق لـ”مدار21″ أن أشارت وفق معطيات حصلت عليها من مصادر برلمانية، إلى أنه بعد نقاش مستفيض بين أعضاء المكتب، تقرر اعتماد مدونة مستقلة للأخلاقيات عن النظام الداخلي للمجلس خلافا للصيغة السابقة، مع مراجعة تعديلات محاصرة البرلمانيين المتابعين أمام القضاء، في اتجاه تجويدها وملاءمتها مع المقتضيات الدستورية والقانونية، خاصة ما يتعلق باحترام قرينة البراءة.

وكشفت المصادر ذاتها أنه من المحتمل أن يفتح المجلس، بعد افتتاح دورة الربيع المقبلة، مشاورات مع الغرفة الثانية للاتفاق حول صيغة موحدة حول مدونة للأخلاقيات البرلمانية بما يحقق في النص الدقة والنجاعة والعمق والشمولية والانسجام والاتساق، والملاءمة مع الدستور، حتى لا تتحول المدونة إلى سيف فوق رقاب ممثلي الأمة.

وأكدت المصادر البرلمانية أن النقاش داخل مكتب مجلس النواب انصب أساسا على ضرورة تحصين المدونة المنتظر إقرارها لتخليق العمل البرلماني من أي مقتضى من شأنه أن يكون مخالفا للدستور، وذلك بما يحقق التوجيهات الملكية بضرورة “إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها تكون ذات طابع قانوني ملزم”.

وحسب مسودة التعديلات المرفوعة إلى لجنة النظام الداخلي،فقد اقترح مجلس النواب التنصيص ضمن مدونة السلوك على  أنه “يجب على كل عضو بمجلس النواب صدر في حقه مقرر قضائي بالمتابعة من أجل جناية أو جنحة عمدية تمس بالشرف أو المروءة، أن يمتنع أو يتنحى احترازيا وتلقائيا عن الترشح والمشاركة والحضور للمهام والأنشطة البرلمانية المنصوص عليها في هذا النظام الداخلي، إلى حين صدور قرار قضائي نهائي في الموضوع”.

وسجلت المصادر ذاتها، أن الأهم هو أن يتيح النظام الداخلي لمكتب مجلس النواب قوة مراقبة تنفيذ مدونة أخلاق العمل البرلماني، أي استمداد القوة من النظام الداخلي المصادق عليه من طرف المحكمة الدستورية، أما نص المدونة سيكون عبارة عن وثيقة ثانية غير مدرجة في النظام الداخلي لمجلس النواب، مع إلزام كل نائب برلماني في بداية ولايته بالمصادقة على التزام يقر فيه بتعهد باحترام نص المدونة.

أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الأول بسطات عبد الحفيظ اليونسي، أكد أن مدونة السلوك تحتاج لتعميق النقاش وتقليب النظر والاستماع لوجهات النظر المختلفة ليكون نصا معياريا قادرا على تجاوز هذه الثغرات التي اسهمت في دخول “مجرمين ” إلى قبة البرلمان.

وسجل اليونسي ضمن تصريح لـ”مدار21″، أن ما يروج بخصوص التعديلات الأخيرة التي يريد أعضاء البرلمان إدخالها في النظام الداخلي لمجلس النواب، غير مجدية ومن المؤكد انها ستخالف المبادئ الدستورية والحاصل أن النظام الداخلي يجب ألا يخضع لظروف وضغط اللحظة، مشيرا إلى أنه بالرجوع للسابقة القضائية للمجلس والمحكمة الدستورية من المؤكد أنها ستسقط لأن المساس بالمبادئ الأساسية أو الجوهرية (قرينة البراءة) يعقبه عند مراقبة المطابقة للمحكمة الدستورية إبطال هذه المواد.

واستغرب أستاذ القانون الدستوري، من توجه مجلس النواب، نحو إدراج مدونة السلوك البرلماني في النظام الداخلي، والحاصل أن ما عبر عنه الملك في رسالته الأخيرة للبرلمان يتحدث عن مدونة تكون بمثابة قانون وملزمة، مشددا في المقابل على أنه “من المفروض في هذه المدونة، ألا تنصب فقط على البرلماني حين اكتسابه لصفته الانتدابية.

واعتبر الأستاذ الجامعي ضمن حديثه للجريدة، أن هذه المدونة المرتقبة يجب أن تحكم المسار كله بدءا من إعادة النظر في منظومة القوانين الانتخابية لأنها قواعد قانونية تتسم بالاستباقية ويمكن أن تكون “فيلتر ” قبل اكتساب هذه الصفة وهذا عمل مؤسسات الدولة ككل وليس البرلمان.

ونبه اليونسي، إلى أن “هذا التسرع في التفاعل مع الرسالة الملكية قد تكون له نتائج عكسية، لأن الأصل في التشريع أن يتم أولا تشخيص هذه المنظومة القانونية التي أفرزت لنا هذه “البروفيلات” التي تحاكم اليوم وتسيء لتجربة المغرب النيابية، ومن ثمة إنتاج نص قانوني متكامل يتجاوب والإرادة الملكية، مسجلا أن “المساس بالحقوق والحريات الواردة في الدستور ومنها قرينة البراءة وحماية المؤسسة التشريعية، هما طرفي معادلة تحتاج للتأني وأخذ الوقت الكافي لتقديم نص يوفق بينهما”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News