ثقافة

رقصة “النحلة”.. موروث مغربي أمازيغي أصيل يجوب العالم

رقصة “النحلة”.. موروث مغربي أمازيغي أصيل يجوب العالم

يعد أحيدوس من الفنون الأصيلة التي ظهرت منذ عصور خلت بمجموعة من مناطق المغرب بينها، قلعة مكونة بجهة درعة تافيلالت المعروفة بـ”أحيدوس نمكون”.

ومن رحم عشق الفن والثقافة ولدت فرقة النحلة بقلعة مكونة التي سافرت بهذا الموروث الفني الثقافي المغربي إلى دول العالم، وشاهده شخصيات كبيرة في العالم منهم بان كي مون، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، الذي أبدى إعجابه به حسب تعبير رئيس فرقة النحلة، وسف بلهوى.

وكان لفرقة “النحلة”؛ أو تزويت باللغة الأمازيغية، دور مهم في تطوير فن أحيدوس بالمنطقة، إذ ساهمت في إضافة صور تعبيرية متميزة لكلماته “رقصة النحلة”، باقتراح من سائح فرنسي يدعى جون مازيل خلال فترة إنجازه بحثا حول الفروق التراثية بالمغرب.

قصة النحلة و”أحيدوس”

وقال يوسف بلهوى، الذي يرأس أيضا جمعية تزويت للتنمية وإحياء التراث، في تصريح لجريدة “مدار 21” الإلكترونية، أن في البدايات الأولى لفن أحيدوس كانت الفرقة تقسم إلى صفين، الأول خاص بالرجال والثاني للنساء، لكن زيارة الفرنسي جون مازيل لمنطقة امكون بقلعة مكونة غيّرت ملامح هذا الفن، إذ اقترح على آنداك تقسيم الفرقة على أربعة أقسام بدل قسمين، اثنان للنساء واثنان للرجال.

وأضاف المتحدث أن جون مازيل لم يكتف بذلك، بل دعاهم إلى تبادل الأمكنة بينهم أثناء الرقص على إيقاعات ضرب الدف أو البندير التي يتقنها أهل مكون، فسميت بذلك رقصة النحلة نسبة إلى النحل.

وحسب بلهوي، ينطبق الأمر على فرقة أحيدوس، حيث يمثل دور ملكة النحل “المايسترو”، ويتحكم في الفرقة بإشاراته وأثناء تغييره إيقاع الدف، كما تمثل صفوف النساء وصيفات أو خادمات ملكة النحل، حيث يقمن بالرقص في دائرة يتوسطها المايسترو، ثم صفوف الرجال ممثلين الجنود النحل الذين يقومون بدورهم برقص دائري وتبادل الأمكنة مع النساء وسط قائد الفرقة، فيعطي هذا الشكل حسب المتحدث ذاته مشاهد فلكلورية تتحف المشاهدين وتزيد لنغمات أحيدوس جمالية وتميز.

وتابع يوسف بلهوى، بالقول: “بعد جلب الزهور من طرف خادمات ملكة النحل، تعود لتقوم بدورة دائرية كبيرة أمام أم الطائفة، عكس حالة قرب مكان الحشو، فتقوم بدورة صغيرة لإخبار الملكة بذلك القرب. وينطبق نفس الشيء بالنسبة لفرقة أحيدوس، فعندما يتسع فضاء الرقص يشعر المايسترو بارتياح كبير ويلعب كما يحلو له، لكن إذا كان الفضاء ضيقا فيجبره ذلك على إنقاذ الفريق وإنجاح عرضه”.

أحواش أم أحيدوس؟

وأكد يوسف بلهوى، أن باحث في الثقافة الأمازيغية الراحل محمد المنور رحمه الله، أخبره بتاريخ تأسيس أول فرقة امكون لأحيدوس وكان ذلك عام 1958، مشيرا إلى أن مجموعة من الخبراء انتقدوا تسمية هذا الفن بأحواش في السابق خصوصا في منطقة قلعة مكونة، بمبرر أن أحواش معروف انطلاقا من واحة سكورة مرورا بورزازات ووصولا إلى مناطق سوس، فيما أحيدوس يمتد من قلعة مكونة إلى مناطق الريف والأطلس.

وأضاف أن اللباس التقليدي لأحيدوس المعروف في قلعة مكونة، سواء الخاص بالنساء أو الرجال، له دلالات ثقافية وتاريخية منها، اللون الأخضر الذي يرمز إلى الطبيعة بالإضافة إلى اللون الأحمر الذي يرمز إلى العلم الوطني، إلى جانب الجلباب المغربي الخاص بالرجال.

أحيدوس يحلق نحو العالمية

وأشار يوسف بلهوى، في حديثه مع الجريدة، إلى أول مشاركة لجمعية تزويت للتنمية وإحياء التراث خارج المغرب كانت في مهرجان الهنود بالجزائر، لتتوالى المشاركات العالمية للفرقة، منها، حسب رئيسها، مشاركة في أمسية حضرها بان كي مون الأمين العام السابق للأمم المتحدة في عاصمة النمسا فيينا سنة 2014، بالإضافة إلى مهرجان في بريطانيا سنة 2015، ومشاركات أخرى في فرنسا وألمانيا والصين وكندا التي نالت فيه الفرقة جائزة سنة 2019.

وبالنسبة للمشاركات في البرامج التلفزية، ذكر المتحدث مشاركة فرقته في برنامج “لالة العروسة” وبرنامج “مسار “، بالإضافة إلى برنامج “صباحيات دوزيم” و”نجوم الأولى”، وغيرها من البرامج بالقناة الأمازيغية والثقافية، مشيرا إلى أن آخر مشاركة لهم كانت في برنامج “غامر أو غادر” الذي سيقدمه الممثل رشيد رفيق وسيبث في شهر رمضان المقبل بمشاركة عدد كبير من الفنانين المغاربة.

وختام تصريحه، أكد قائد الفرقة لجريدة “مدار21” توفر جميع أعضاء فرقة تزويت على البطائق المهنية للفنان، ويبلغ عددهم 11 شابة و14 شاب، إلى جانب رئيس الفرقة ومصور خاص بالجمعية. معبرا عن شكره لوزارة الثقافة والتواصل والشباب وجماعة بومالن دادس، حيث يقدما دعم مادي ومعنوي للجمعية بحسب ما جاء على لسان رئيس الجمعية.

رقصة النحلة موروث أمازيغي ذو دلالات ثقافية

من جانبه، اعتبر الأستاذ مولاي يوسف بلحفات، باحث في الأنثروبولوجيا في تصريح لجريدة “مدار21″، رقصة “تزويت” بقلعة مكونة جزءا من الموروث الثقافي الأمازيغي المحلي، حيث تعد رقصة تضج بالعديد من الرموز الثقافية الجديرة بالاهتمام والدراسة، مؤكدا أن الرقصة يحضر فيها الرجال والنساء بالإضافة إلى حضور اللباس الأمازيغي المحلي في المناسبات والطقوس الاحتفالية، حيث يحضر عند الرجال الجلباب الأبيض “تجلابيت” كرمز السترة والاحترام، والعمامة “ارزوي” كرمز الوجاهة الاجتماعية لدى رجال الواحة، كما يحضر الزي التقليدي بألوان مختلفة والحلي تعبيرا عن الزينة والتطيب في المناسبات.

وأضاف الباحث ذاته أن: “الرقصة في تفاصيلها تجسيد للنحلة وهي تطوف حول الورد كمنتوج محلي ذو شهرة عالمية، إنها بمثابة إبداع مستوحى من الطبيعة الجميلة التي تزخر بها المنطقة، دون أن ننسى الشعر الأمازيغي الحاضر بكل رمزيته ودلالاته في هذه الرقصة”، مشيرا أيضا إلى “الإيقاعات المنسجمة مع لغة الجسد، بقيادة مايسترو يقود الفريق ككل في حساب دقيق لكل خطوات ومراحل الرقصة منذ بدايتها إلى نهايتها”.

ويعتقد بلحفات أن رقصة النحلة المعروفة بقلعة مكونة وكل فرق أحيدوس وحضورها كجزء لا يتجزأ من أعراس الواحة واحتفالاتها، يعد بـ “مثابة أرضية خصبة لقراءة وتفكيك منظومة قيمية راسخة في القدم ضمن مجال أعم وهو الثقافة الامازيغية في مختلف ابعادها وتجلياتها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News