بورتريه

ليلى سليماني.. ظاهرة مغربية أحرجت أحفاد موليير

ليلى سليماني.. ظاهرة مغربية أحرجت أحفاد موليير

لم تعد الكتابة مقتصرة على الرجل فيما يسمى بالأدب الفرانكفوني، وإنما تعداها إلى المرأة في عموم شمال إفريقيا، نظرا للفترة الاستعمارية أولا، ولانتشار اللّغة الفرنسية كعامل سيطرة وثقافة وتواصل، وأصبح الأمر واقعا ثقافيا يستمد حضوره من التفاعل، والتجاوب بين المثقفين المغاربية، وبين نظرائهم الفرنسيين من كلا الجنسين.

وتعد ليلى سليماني من الأسماء العربية البارزة في فرنسا، وأصبحت تشكل ظاهرة أدبية أدهشت الوسط الأدبي الفرنسي، وواحدة من أكثر ثلاث شخصيات مؤثرة في فرنسا.

نشأة فرنسية

في وسط عائلة ليبرالية، همُّها تلقي بناتها الثلاث تعليما مميزا، وُلدت ليلى سليماني، الابنة الوسطى، عام 1981، وكانت الأم فرنسية من أصل جزائري طبيبة متخصصة في أمراض الأنف والأذن والحنجرة، أما الأب مصرفي معروف بالمغرب يدعى عثمان سليماني.

عند حصول ليلى على شهادة البكلوريا من الثانوية الفرنسية بالرباط، توجهت إلى باريس عام 1999 لدراسة العلوم السياسية والدراسات الإعلامية استجابة لإرادة والديها، وبعد تخرجها عملت ممثلة قبل أن تنتقل إلى العمل في المجال الصحفي بمجلة “Jeune Afrique” عام 2008، لكنها قررت ترك المجلة بعد إنجابها في عام 2011، نظرا للمسؤوليات المتراكمة، وظروف العمل التي كانت تتطلب منها السفر الدائم، لتتفرغ بعدها إلى الكتابة، التي وجدت فيها ذاتها وحريتها.

الحياة في باريس

لا شك أن الحياة في “عاصمة الأنوار”، التي أوجدت البيئة الزاهرة بكل الآداب والفنون والروائع، أتاحت لليلى مكانا رحبا لحرية الفكر وهي أساس الخَلق والإبداع.

ضمن هذه البيئة الحاضنة شاركت ليلى سليماني في ورشة للكتابة لدى “Jean-Marie Laclavetine”، وهو محرر وروائي وكاتب قصة قصيرة في دار “غاليمار” الشهيرة عام 2013، اهتم بكتابات ليلى، وشرع في توجيهها، ومن ثم نشرت سليماني أولى رواياتها بعنوان “في بيت الغول” عام 2014، التي حققت انتشارا واسعا في أوساط النقاد والقراء الفرنسيين، ولتحصل عنها على جائزة “la Mamounia” الأدبية المغربية.

هذا الظهور الأول في الساحة الأدبية، والذي فرض وجودها كاسم لامع في المجتمع الفرنسي، دفعها بعد عامين إلى إصدار روايتها الثانية “أغنية هادئة”، التي كانت نقلة نوعية في مسيرتها الأدبية الناجحة، إذ توجت بجائزة “الغونكور” كأفضل رواية فرنسية لعام 2016.

اتسمت الرواية بجرأة الطرح، إذ نفضت الغبار عن الكثير من الظواهر الاجتماعية، وعرّت واقعها، ووضعت مجتمع المال تحت المجهر، الشيء الذي جعل روايتها أكثر الكتب مبيعا في غضون أسابيع قليلة، ولم تكمل عام 2017 حتى كانت 600 ألف نسخة بيعت في فرنسا وحدها، كما تُرجمت إلى 44 لغة أخرى.

وبحصولها على الجائزة، أصبحت ليلى أول امرأة عربية تنال هذا التكريم، وثالث وجه أدبي عربي يتوّج بها بعد المغربي الطاهر بنجلون، الذي فاز بها عن روايته “ليلة القدر” عام 1987، واللبناني أمين معلوف عن روايته “صخرة طانيوس” سنة 1993.

تبوأت سليماني مكانة مستحقة ضمن المشهد الفرنكفوني، فبالإضافة إلى كونها كاتبة وصحفية وحقوقية، سيتم اختيارها من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتمثيله في المنظمة الدولية للفرنكوفونية عام 2016.

المرأة والمجتمع الفرنسي 

لم يمر تكريم ليلى وسط نخبة المثقفين الفرنسيين مرور الكرام، إذ طالتها الكثير من الانتقادات، كونها ولدت خارج فرنسا وهو الأمر الذي لم يحدث سابقا، ولكونها حديثة السن (38 عاما) آن ذلك، ومازال رصيدها الأدبي لم يُملأ إلا برواية واحدة، فالفائزون عادة أعمارهم متقدمة، لذا شكّل فوزها كسرا للنمط المتعارف عليه.

لم تأبه ليلى لكل هذه الأقاويل، وصوّبت بوصلتها نحو الدفاع عن القضايا التي تهم المرأة من خلال كتاباتها، ففي عام 2017 نشرت سليماني كتابا تحت عنوان “الجنس والكذب: الحياة الجنسية في المغرب”، والذي ترجم إلى الإنجليزية، كشف اللثام عن واقع المرأة المغربية، كما أرادت أن تُسمع صوتها للعالم، إذ صورت الكبت الجنسي المغربي، كما تبنت قضايا النسوية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News