مجتمع

الجنسية المغربية.. مطالب بتغيير القانون لتسهيل الحصول عليها

الجنسية المغربية.. مطالب بتغيير القانون لتسهيل الحصول عليها

يستضيف المغرب على أراضيه عددا لا يستهان به من الأجانب سواء المهاجرين النظاميين الذين يقصدون المملكة للعمل، أو الطلبة الأجانب، وآخرين في وضعية غير نظامية يعتبرون المغرب أرض عبور إلى الضفة الأوروبية، بالإضافة إلى أجانب مستقرين لعقود طويلة تجمعهم علاقات مصاهرة مع عائلات مغربية، حتى بات المغرب وطنهم البديل اكتسبوا عاداته، واندمجوا داخل مجتمعه.

وبالرغم من أن المغرب أصبح أرضا للهجرة والاستقرار بامتياز، لكن الكثير منهم يواجهون صعوبات فيما يخص اكتساب الجنسية المغربية حتى بات يعرف أنها “الجنسية” صعبة المنال إذ تمر عبر إجراءات معقدة.

ويمكن القول أن المغرب شهد تحولات عميقة منذ مطلع القرن 21 تجاوزت المنطلقات الدينية والاجتماعية التي طبعت قانون الجنسية المغربية لعام 1958، وبحسب خبير العلاقات الدولية حسن بلوان أن عصرنا اليوم يسوده منطق الانفتاح الذي أفرزت أجيال لم تعد تستهويها الخطابات الدينية بل وعود التنمية والحرية والعدالة والمساواة، واضعا جل آماله على الشباب الذي كسر الطابوهات، وبدأ يطالب بالحريات الفردية التي طالت قوانين وصفت بالتقليدية (الفصل 490-491)، هذه الإرادة قادرة على المطالبة بتغيير قانون الجنسية خاصة مع ارتفاع نسبة الزيجات المختلطة.

المساواة بين الجنسين ..حق دستوري

لا مراء أن باب المساواة بين الجنسين خطا خطوات مهمة منذ عام 2007، مرورا بدستور 2011 الذي يقر في فصله 19 على المساواة الكاملة بين الجنسية، وإحداث هيئة المناصفة كآلية تشاورية تعنى بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، إلا أن الطريق إلى تحقيق هذا المبدأ مازال محفوفا بالعديد من الصعوبات كما صرح خبير العلاقات الدولية حسن بلوان لجريدة مدار 21 قائلا “مسألة حرمان زوج المرأة المغربية من الجنسية المغربية يضرب في الصميم مبدأ المساواة الذي جاء به الدستور” ويتنبأ المتحدث ذاته أن تعديل المادة 10 من قانون الجنسية مسألة وقت فقط فيقول “هناك مؤشرات جديدة قائمة على قدم وساق لخروجه إلى النور في الولاية التشريعية المقبلة خاصة إذا أفرزت صناديق الاقتراع حكومة قوية ومنسجمة”
وعن المعايير التي جعلت الجنسية المغربية صعبة في الحصول عليها يرى بلوان أنه رغم مساعي بعض الفرق البرلمانية منذ 2018 بتعديل قانون الجنسية ومنح هذا الحق لزوج المرأة المغربية أسوة بأبنائها، إلا أن هذه الجهود لم تؤت ثمارها، مما يحتم على أزواج المغربيات سلوك مسطرة التجنيس المغربي العادي، والذي تتميز بمجموعة من الشروط الصعبة أولها أن يكون مقيما بالمغرب لأكثر من خمس سنوات قبل إيداع طلب التجنيس لدى وزارة العدل، علاوة على تمتعه بالصحة النفسية والجسدية، وخلو ملفه من السوابق العدلية، وعدم تعريض ملحة المغرب للخطر، ويبقى محدد الحصول على الجنسية المغربية مرهون بتقديمه خدمات جليلة للمغرب.

مساطر معقدة

يقول عبد العالي الصافي، محامي بهيئة الرباط ” عندما نتحدث عن الحق في اكتساب الجنسية نجد أنفسنا مضطرين لاستدعاء الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في الفقرة الأولى من المادة 15 بأنه لكل فرد حق التمتع بجنسية ما، وكذا العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي ألزم الدول الأطراف لتأمين المساواة بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بكافة الحقوق المدنية والسياسية ومنها بطبيعة الحال الحق في اكتساب الجنسية، وواصل حديثه بالقول “إذا أعطت اتفاقية الجنسية للأهلي سنة 1930 الحق للدول في تحديد مواطنيها، وتحدد تشريعها بشكل مناسب، فذلك يبقى مشروطا بأن توافق مع الاتفاقيات والعرف الدوليين ومع مبادئ القانون المعترف إجمالا في هذا الباب”.

ويعد تعديل 2 أبريل 2007 على حد تعبير الصافي ثورة في إبانه، وذلك عندما جرى تعديل الفصل السادس من الظهير المذكور واكتفى بجملة جامعة مانعة وهي يعتبر مغربيا المولود من أب مغربي وأم مغربية، ويقول في هذا الجانب ” إن الجنسية المترتبة عن النسب والبنوة أصبحت تمنح المولود من أب مغربي او أم مغربية على حد سواء، الشيء الذي فتح أبوابا كانت موصودة لأزيد من 48 سنة.
كما جاء في الفصل التاسع من القانون التعديلي 62.06 على انه تكتسب الجنسية المغربية عن طريق الولادة في المغرب والإقامة به، وبذلك أعطى الحق للمولود في المغرب من ابوين اجنبيين مولودين هما أيضا فيه شريطة ان يتم التصريح برغبته في ذلك داخل السنتين السابقين لبلوغه سن الرشد.

ويعلق عبد العالي الصافي على ما سبق قائلا ” نستنتج من هذا المقتضى امرين هامين، الأول أن المشرع لم يشترط في المولود بالمغرب من أبوين مولودين فيه شرط الإقامة والأمر الثاني أنه يحق لوزير العدل أن يعارض ذلك”
وتمنح الجنسية أيضا عن طريق الزواج، وهذا من مستحدثات القانون التعديلي، إذ أعطي الحق للمرأة الأجنبية المتزوجة من مغربي بعد مرور خمس سنوات على الأقل على إقامتها في المغرب بكيفية اعتيادية ومنظمة أن تتقدم إلى وزير العدل بتصريح لاكتساب الجنسية، وبحسب عبد العالي الصافي محامي بهيئة الرباط أن الفصل أعطى الحق للأجنبية المتزوجة من أجنبي دون الأجنبي المتزوج من مغربية وهو مقتضى ينسجم مع تحفظ المغرب على اتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة.

وهناك نوع آخر من التجنيس المرتبط بشرط الإقامة فقط وهو المنصوص عليه في الفصل 10 المعدل والمتمم بمقتضى القانون رقم 62.06 والذي أعطى الحق للأجنبي المقيم بالمغرب بشكل اعتيادي ومنظم لمدة خمس سنوات الحق في تقديم طلب التجنيس، وهو مقتضى على حد تعبير المحامي ذاته أنه يراعي سياسة المغرب الجديدة في موضوع الهجرة، وقفزة قوية بوأته مكانة متميزة كنموذج صنف على أنه جيد لكن على مستوى التنزيل يلاحظ بناء على الفصل 25 على أن الطلبات المقدمة لاكتساب الجنسية ترفع لوزير العدل، هذا الأخير من يحق له الإعلان عن قبول الطلب أو التصريح به، و يبث فيها داخل أجل سنة وبعد فوات هذا الأجل دون رد يعتبر لاغيا.

ويضف الصافي بقوله “بقراءتنا لكل هذه النصوص نسجل أنها معقدة للغاية، وأنه من الصعب استيعابها من المتخصصين أو المهنيين فما بالك بالرجل العادي” ويعتقد المتحدث نفسه أن هذا التعقيد مرده إلى اختلاف المرجعيات المعتمدة لسنه بل وتناقضها في أحيان كثيرة، ويرى ضرورة تبسيط النص القانوني خاصة وأنه موجه للأجانب.

كما يلاحظ المتدخل نفسه أن النص لم يتطرق للجوانب المسطرية إلا نزرا يسيرا مما يستشكل الأمر في عقل المرتفق، فهو حينما تحدث على أن الطلبات ترفع إلى وزير العدل لم ينص على شكل هذا الطلب، أو التصريح، والإجراءات المترتبة عنه، وبذلك يمكن اعتباره من الناحية المسطرية فقير جدا لدرجة يمكن اعتبار سنه كان دافعه الشكل دون التفكير في آليات أجرأته بشكل مبسط ينسجم مع قانون تبسيط المساطر”.

وفي هذا المضمار يرى خبير العلاقات الدولة حسن بلوان أن المسألة مسألة تشريع إذ يكفي أن تنهض الفرق والقوى الحية في البرلمان المغربي المقبل وتوافق الفرق الحزبية لتعديل المادة 10 من قانون الجنسية وسيتمتع الأجانب المتزوجون بمغربيات بحق الجنسية أسوة بأطفالهم، ولا بد من تظافر الجهود بين الدولة والأحزاب والجمعيات الحقوقية والنسائية والمجتمع المدني بصفة عامة للوصول إلى هذا المبتغى مع مراعاة مخاوف الدولة الأمنية وعلاقاتها الديبلوماسية والخارجية والاستراتيجية في هذا الباب.

شهادات من الواقع

هناك عدد من الأجانب الذين حصلوا على الجنسية المغربية وآخرين لم يتسنى لهم ذلك رغم مكوثهم بالمغرب لعقود من الزمن، وفي هذا الصدد يقول أحد الأجانب العرب المقيمين بالمغرب والذي رفض الإفصاح عن اسمه في تصريح لمدار 21 ” قمت بمحاولات عديدة من أجل اكتساب الجنسية لكن في كل مرة أقابل بالرفض، وبما أن بلدي يعيش حالة حرب فإن جواز سفري لم يعد له أي قيمة، إذ أصادف عراقيل في السفر، وكثير من الأحيان يتم معاملتي في المطارات بنظرة يلفها الريبة والشك، عدا على أن الجنسية المغربية تفتح لي ولأسرتي الكثير من الآفاق، وتحقق استقرارا نفسيا ومعنويا كبيرا”.

لكن في المقابل يتحدث عبد الباسط البيك أحد رجال الأعمال السوريين المقيمين بالمغرب عن تأثيرات حصوله على الجنسية لجريدة مدار 21 إذ يقول “حياتي انقلبت للأفضل رأسا على عقب، لدي جواز سفر، ودولة تحميني، وأولادي بإمكانهم دخول الجامعات بسهولة ومن ثم العمل بعد تخرجهم، كما أن السفر عبر جواز السفر السوري تعتريه الكثير من الصعوبات، فجواز السفر المغربي له قيمة أكبر خاصة عند دخول البلدان الأوروبية، وكرجل أعمال كان مهم جدا حصولي على جواز السفر المغربي، بحكم أن العالم التجاري يتطلب حركة وتنقل دائم”
وأضاف المتحدث نفسه ” شعرت آنذاك بدفعة نفسية قوية، وبنوع من الاستقرار، ومن حسن طالعي أنني لم أعد مهددا من قبل السفارة السورية، لأنني اليوم مواطن مغربي يتمتع بجميع حقوقه المدنية والسياسية، كما اكتسبت زوجتي الجنسية كذلك واستطاعت بسهولة فتح عيادة لها متجاوزة التعقيدات المسطرية التي يمر بها الأطباء الأجانب”.

وعبر البيك عن عمق مشاعره بالقول “عندما أسأل عن جنسيتي اليوم أصف نفسي كالشجرة جذورها في سوريا حلب وثمارها في المغرب وقلبي سوري ينبض على إيقاع النشيد الوطني المغربي”.

وختم حديثه بالقول “لم تمر إجراءات اكتسابي الجنسية بسهولة، كانت هناك بعض الإجراءات المعقدة وهو أمر طبيعي فلكل دولة منطلقاتها وتوجهاتها في الحفاظ على مصالحها العليا”.

وفي هذا الصدد يقول خبير العلاقات الدولية نفسه “بالتأكيد أن لكل دولة اعتبارات شديدة الحساسية فيما يتعلق بأمنها القومي، والأكيد أن هناك دراسات عميقة لهذا الملف تقوم بها مصالح وزارة الخارجية بالتنسيق مع المؤسسات الأمنية، وأعتقد جازما أن هذا الملف إذا نسقت فيه جميع الأطراف جهودها لا بد أن نصل إلى حلول مرضية تراعي الحق في الجنسية المغربية لأزواج المغربيات، وفي الوقت نفسه تحافظ فيه الدولة على مصالحها العليا المتعلقة بأمنها القومي”.

مسألة الجنسية ليست مجرد قانون يحدد من يكتسبها، وإنما عملية ثقافية تغرس قيم وأفكار مهاجرة تحط رحالها على أرض جديدة، فتنصهر داخل المجتمع المضيف، لتظهر في قالب واحد منسجم رغم تعدد ثقافاته، وكما قال أمين معلوف في روايته الشهيرة الهويات القاتلة ” كلما شعر المهاجر بأن ثقافته الأصلية محترمة، انفتح أكثر على ثقافة البلد المضيف” وهو ما أشار إليه عبد الباسط البيك الذي يعتز بكونه فردا أصيلا داخل المجتمع المغربي المنفتح على ثقافات أخرى.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News