رأي

انقلابات إفريقيا الجديدة!

انقلابات إفريقيا الجديدة!

بقدر ما هبت أغلب دول المعسكر الغربي لإدانة الانقلاب بالنيجر منددة بالاطاحة بنظام تعتبره “ديمقراطيا”، بقدر ماوجدت نفسها محرجة في أن تتبنى نفس الموقف في حالة انقلاب الغابون، فحتى أكثر السياسيين بالاتحاد الأوروبي تطرفا في الدفاع عن مصالح دولهم التي يتهددها وباء الانقلابات على حد تعبير ماكرون، عدموا هذه المرة مبررات وجيهة يقدمونها لأجل الدعوة لعودة علي بانغو للسلطة رئيسا للولاية الثالثة، لقد وجدوا أنفسهم فعلا في مأزق ترافعي لمواجهة ماجرى بهذا البلد الحليف. فالغرب الذي يتنصب دوما حاميا للديمقراطية بافريقيا افتقد مع الغابون شجاعته المعهودة في تكرار سرديته حول ضرورة الاحتكام لصناديق الاقتراع، لنراه مرتبكا وهو يعقب تلقائيا على شجبه المبدئي الوصول للسلطة بالقوة بالقول بأن الانتخابات الغابونية كانت مشوبة بالاختلالات، وهو ماجعله يبدو إلى جانب الاتحاد الإفريقي كما لو كانا يأملان ان يلتزم الانقلابيون بالالتزامات الداخلية والخارجية للقانون واستعادة المسار الدستوري. وهو مايعني أن الكل مستعد أن يعتبر الانقلاب شأنا داخليا شريطة أن يبقي الممسكون الجدد بالسلطة مصالحهم على حالها !!.

ولعله من مكر الصور أن يبدو هؤلاء العسكر في وضع من نفذوا انقلابهم من أجل إنقاذ الديمقراطية، فعائلة بانغو قد حكمت البلد لأكثر من خمسة عقود حولته معها الى جمهورية وراثية أو الى جمهوملكية كما أن الأمر لا يحتاج إلى توضيح بأن الانتخابات الأخيرة كانت فاسدة جدا بعد أن نظمت في ظل حالة طوارى وعرفت قطع الأنترنت، وانتهت بفوز مخدوم بـ64 %.

لقد تحين الانقلابيون الفرصة بدهاء، ووقتوا تحركهم بدقة متناهية، وانتقوا عبارات بيانهم الأول بذكاء، بل إنهم أوحوا للمجتمع الدولي بأنهم اتخذوا قرارا ضروريا لم يقم الرئيس نفسه على اتخاذ بأن أحالوه على التقاعد.

مكن هؤلاء الانقلابيون فرنسا والاتحاد الأوربي من رؤية تناقضات سياستهم في المرآة، ذلك أن المعادلة التي وضعوا الاتحاد الأوروبي أمامها، هي المفاضلة بين انتزع السلطة بالقوة وبين الوصول إليها بالتزوير والحيل والاحتكار ورشوة النخب.

إذن تجد أوربا وفي طليعتها فرنسا نفسها أمام صعوبة منهجية في أن تدافع هي نفسها عن ديمقراطية تعرف هي قبل غيرها أنها صورية فقط. فالديقراطية ليست استحقاقات وعدا للأصوات وقوانين انتخابية، وإنما هي حياة سياسية ومزاج شعبي عام قبل كل شيء، وهي سلوك وروح يستشعرها المجتمع، وهذه شروط كانت شبه غائبة عن نظام ليبروفيل. زد على ذلك أن هذا الانقلاب، لا يناهض فرنسا، ولا يستعدي الغرب، وإنما هو يجهر بأنه قد جاء لإعادة المؤسسات. .وهذا السياق هو على العكس تماما من انقلاب النيجر الذي يسوق على أنه الخلاص الحقيقي من الاستعمار الغربي بعد الاستقلال الصورية السابق، وبالتالي ينخرط كانقلابي مالي وبوركينافسو في إطار صراع النفوذ المحتدم بين روسيا والغرب والصين، ومن ثمة نفهم لماذا كانت هذه الصرامة التي ابداها الغرب في المسارعة الى التجييش ضد نيامي وفرض العقوبات عليها في مقابل خطاب متساهل أو متصارم مع انقلابيي الغابون.

من هنا أخلص إلى أن الإطاحة بنظام ليبروفيل يندرج في عمقه في تدعيم المنظومة الغربية، أليس يقول عن نفسه إنه قيام ضد الاستبداد وضد الاستئثار بالسلطة ومن أجل التناوب عليها. وبالتالي ألا يمكن أن نتساءل بخبث إذا ماكان انقلابا استباقيا خطط له الغرب لتفادي وقوع نظام ضعيف ومتهالك كنظام بانغو على يد طغمة موالية لروسيا تقوم بطرد فرنسا؟؟.

ولذلك أزيد من الشعر بيتا، وأقول إنا مقبلون ولاشك على سلسلة من الانقلابات بإفريقيا جنوب الصحراء، انقلابات ستكون من صنفين، بعضها سيقود إلى أنظمة مركزية أو شمولية ستحفزه روسيا وإلى حد ما الصين، وبعضها الآخر سيمسك بخيوطه الغرب لأجل أن يكون ممهدا لقيام أنظمة سياسية أفريقية تلتزم إلى درجة ما بقواعد اللعبة الديمقراطية.

إن لأرى الأنظمة بأفريقيا السوداء مدعوة بفعل ضغط الملابسات الدولية إلى الانفراز إلى أحد هذين المعسكرين، ولذلك نحن على أبواب عقد من القلاقل والفتن الشديدة بإفريقيا. ولربما ستكون إفريقيا ساحة صراع الأقوياء وقيام الحرب العالمية الثالثة التي سأبدأ باردة وتنتهي ساخنة، حيث ستسعى الدول العظمى للاقتتال على خيراتها، مادامت يعز عليها أن تلقى دولها المزدهرة هذا المصير، ولاترى غضاضة في أن يقع ذلك بأفريقيا الفقيرة المرهقة والمهيضة الجناح، ومادام ذلك سيمكنها من مباراة خارج ملعبها تمكنها من فرز منتصرين ومنهزمين، وبالتالي رسم النظام العالمي الجديد على أساس نتائج حروبها في إفريقيا. أتمنى أن أكون مخطئا في توقعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News