رأي

البريكس.. ضربة قاصمة “للنظام” الجزائري

البريكس.. ضربة قاصمة “للنظام” الجزائري

اتفقت دول “بريكس” وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا في قمتها السنوية التي انعقدت ب”جوهانسبورغ” على منح الأرجنتين وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، العضوية الكاملة اعتبارا من يناير 2024.

هذا يعني أن الجزائر ليس لها أي مكان في هذا “التجمع”، ولن يكون، فرغم أنها كانت “تؤمن” وتتصرف وكأنها ستصبح جزءا من “بريكس”، ورغم تقديمها لرشاوي في الموضوع، وقيامها ب”صفقات” مشبوهة، و”تحالفات” مفضوحة، فإن ذلك لم يكن ليؤدي بها إلى الحصول على عضوية “بريكس” ورضاه. وبذلك تكون الجزائر قد تلقَّت، مرة أخرى، ممن تروّج بأنهم “حلفاء” لها، ضربة موجعة وقاصمة.

إن رفض طلب إنضمام الجزائر إلى “البريكس”يمكن إرجاعة إلى العديد من الأسباب من بينها:

أولا: طبيعة “النظام” الحاكم في البلاد: فالنظام القائم في البلاد هو “نظام” عسكري ذو عقلية “ميليشياتية”، “نظام” أقرب إلى عصابة منه إلى دولة أجهزةٍ ومؤسسات، فهو “نظام” ليس هدفه خدمة المواطنين بقدر ما تقوم “أجندته” على كيفية نهب ثروات البلاد والسيطرة على أجهزة القرار فيها، ف”نظام”، من هذا القبيل، لا يعبر، حقيقة، عن وجود دولة بالمعنى الحقيقي للكلمة، نظام وضع الجزائر في أزمة إقتصادية واجتماعية وتنموية دائمة قابلة للإنفجار في أي لحظة، وعليه، كيف “لنظام” فيه كل هذه الصفات، ويفتقد لشرط الاستقرار السياسي أن يكون مقبولا لدى تجمع “بريكس” ومؤهلا للظفر بالعضوية فيه؟!

ثانيا: “النظام” الجزائري يفتقد للثقة المطلوبة: الشراكَات والتحالفات تفترض وجود عنصر الثقة في “الشريك”، فالجزائر تفتقد لهذا العصر الضروري، الذي لا بد منه لقيام الشراكات الاستراتيجية الدولية، إن الجزائر أكدت، ما مرة، أنها شريك غير موثوق به وتحكم تصرفاته الخارجية مصالح آنية وضيقة، وردود أفعال غير مدروسة، مما يجعلها تراكم تناقضات ونكاسات متتالية على الصعيد الدولي.

فمن بين التجارب، مثلا، التي يؤكد بها النظام الجزائري أنه لا يمكن أن يكون محل ثقة- حتى يصبح عضوا في بريكس- الارتباك الذي يسِم وبشكل مستمر علاقاته الخارجية وازدواجية، وعدم الثبات، في مواقفه من القضايا الدولية، فهو عاجز وغير قادر على بناء علاقات واضحة مع روسيا والغرب، كما أنه يتخذ قرارات عشوائية في سياقات صعبة، كما كان الأمر مع الدول الأوروبية إبان “أزمة الغاز” في أوروبا، وكما كان الشأن خلال توتِير العلاقات مع إسبانيا، وذلك في وقت حرج كانت الأمر يحتاج إلى نوع من التريث قبل الإقدام على قرارات مكلفة مثل تلك!

إن “النهج” المتقلِّب للسلوك الخارجي الجزائري يجعل “بريكس” لا يمكنه أن يغامر بضم بلد غير مستقر في مواقفه ويقوده “نظام” غير مسؤول ولا يمكن توقع سلوكه الخارجي كيف يكون بالضبط؟!

ثالثا: إن تبني “النظام” الجزائري لعقيدة العداء ضد المغرب يُعدّ من بين العناصر التي جعلت “بريكس” لن يقبل بالجزائر عضوا فيه. لماذا؟

فمن جانب، فدول “بريكس” (باستثناء جنوب إفريقيا) لا تريد أن تضر بعلاقاتها المتميزة مع المغرب، باعتباره شريكا موثوقا به، كما أنها تنظر إليه كعضو لا بد منه، مستقبلا، في هذا التجمع (بريكس). ومن جانب ثان ترى أن استبعاد الجزائر أفضل لها من تحمل تفاهات “نظام” قد يزجّ بها في متاهات لا تفيدها في شيء، فكيف لنظام كل “سياساته” موجهة لخدمة كيان انفصالي (البوليساريو) ذي توجهات إرهابية أن يحظى بمكانة مع دول تناهض الانفصال (الصين..)، ولها موقف إيجابي (فيما يتعلق بمغربية الصحراء) من داخل مجلس الأمن (روسيا والصين)، وأخرى تدعم بشكل صريح الوحدة الترابية للمغرب؟

كيف، أيضا، لقوى تسعى إلى بناء تكتل اقتصادي، قوي ومنافس، أن تهتم ب”نظام” كل شأنه المساس بالمغرب؟!

إن “البريكس” لا يريد أن يتقبل مرة أخرى (بعد جنوب إفريقيا) حماقات “نظام” جزائري بائس/فاشل ويرى أنه سيشكل عرقلة حقيقية له (البريكس) ولجهوده، التي ترمي إلى صياغة “تجمع” قوي قادر على مجابهة تحديات نظامٍ عالمي “جديد” قيد التشكل.

رابعا: غياب الشرط الاقتصادي في الجزائر: “بريكس” وضع معايير وشروط اقتصادية للإنضمام إلى “التجمع” ومن أبرزها؛ “ناتج داخلي خام يصل إلى 200 مليار دولار”، ووجود أرضية قابلة لارتفاع النمو الاقتصادي، مع موقع إستراتيجي بالنسبة لخارطة التجارة العالمية”، فالجزائر اقتصادها ضعيف ومستويات الفقر والبطالة.. والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية  فيها تنذر بتفاقم الوضع أكثر في المستقبل. فواضح أن “بريكس” مقتنع تماما بأن الجزائر لو فتحت لها إمكانية العضوية فيه ستصبح عالة وعبئا اقتصاديا كبيرا عليه. وهو الذي يتطلع إلى أن يضم دولا لها ثقل أو (ستصبح) اقتصادي دولي مؤثر في التجارة الدولية.

ويجذر التذكير في هذا الصدد بأن المادة الحيوية، والورقة الوحيدة، التي تتوفر عليها الجزائر هي الغاز، و”بريكس”، اليوم، يُعدّ بأنه لا حاجة له بهذه المادة، لاعتبار  توفر روسيا على احتياط كبير منها، كما أن انضمام إيران والسعودية والإمارات فيه تأمين كبير لمجال الطاقة والمحروقات، بالنسبة ل”بريكس”، زِد على ذلك أن العالم مقبل على التخلي على الثروات التي تعتبر “حيوية” في الوقت الراهن لصالح ابتكارات جديد في مجال الطاقة.

خامسا: الجزائر يراها “بريكس” كقزم سياسي واقتصادي (عكس ما يروج لذلك “النظام” تضليلا للداخل الجزائري وكذبا عليه) لا قوة ولا وزن له للتأثير الجهوي أو الإقلمي؛ لا على مستوى إفريقيا ولا في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ولا في منطقة البحر الأبيض المتوسط، فأطروحة القوة ‘الضاربة’- لاتوجد سوى في مخيلة “الجنرالات”- سقطت بشكل نهائي، ومحاولة إعطاء الانطباع للصينيين والروس بأن الجزائر لها نفوذ في إفريقيا هي في الحقيقة غباء حقيقي يمارس أمام قوى تقود تنافسا دوليا محموما، ولها من الإمكانات السياسية والاستخباراتية ما يجعلها على دراية كافية بما يطرأ في معظم بقاع العالم!

إن عدم قبول “بريكس” بعضوية الجزائر لدليل على المكانة “المجهرية” التي تحتلها الجزائر في نظر “بريكس” وعلى حجمها الحقيقي على الصعيد الإفريقي.

إن موقف “بريكس” هذا يؤكد حقيقة أن الجزائر لا زالت تابعة لفرنسا- على الأقل في جزء كبير من أجنحة “الجهاز” العسكري الجزائري- وتخضع لإملاءاتها، و”بريكس”، وهو الذي رفض حضور “ماكرون” لاجتماعه، لا يريد أن يكون من بينه من يفتقد، تماما، للاستقلالية في صناعة القرار واتخاذه، ولا يريد بلدا عبارة عن مقاطعة فرنسية بين أعضائه.

سادسا: دول “بريكس” على قناعة تامة بأن “النظام” في الجزائر غير مؤهل، من جميع الجوانب، للمساهمة في خلق أي تجمع، سواء أكان إقليميا أو دوليا، فذات “النظام” لا يمتلك أي نَفسٍ سياسي أو استراتيجي للبناء والتنافس، أكثر من ذلك، ومن منطلقات ضيقة وأنانية، يقوم بنسفِ كل مجهودٍ في هذا الإطار ويعمل على إحباطه، كما قام بالنسبة “للمغرب العربي”، أو كما يتصرف، عبر نشر التفرقة، في “الاتحاد الإفريقي”.

فالتجارب السيئة التي راكمتها الجزائر جعلت “بريكس” يتوصل إلى قناعة مفادها أن الجزائر، مهما كانت مقدراتها، تبقى غير صالحة، لاعتبار أنها تفتقد إلى ثقافة وحسِّ العمل الجماعي المشترك المبني على الجدية والمسؤولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News