مجتمع

صرخة اكتظاظ السجون تجلب غضب القضاة ومطالب للبرلمان والحكومة لإلتقاط رسالة التامك

صرخة اكتظاظ السجون تجلب غضب القضاة ومطالب للبرلمان والحكومة لإلتقاط رسالة التامك

أثارت “صرخة اكتظاظ السجون” التي أطلقها المندوب العام لإدارة السجون والإدماج محمد صالح التامك غضب القضاة الذين رأوا فيها “مسًّا باستقلالية السلطة القضائية”، لكنها بالمقابل وضعت الحكومة على المحك بمناسبة التعديلات المرتقبة على مجموعة القانون الجنائي، في أفق خروج قانون العقوبات البديلة إلى حيز الوجود الذي ينتظر تصديق البرلمان.

وتوجهت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج إلى الرأي العام الوطني ببلاغ تعبر فيه عن قلقها بخصوص ارتفاع عدد ساكنة المؤسسات السجنية، وأومأت في بلاغها إلى أن ذلك ناتج عن “الوتيرة الحالية” للاعتقال، داعية السلطات القضائية والإدارية إلى الإسراع لإيجاد حلول كفيلة بحل إشكالية الاكتظاظ في المؤسسات المذكورة.

وتعتبر ظاهرة الاكتظاظ بالمؤسسات السجنية من أبرز الاشكاليات التي تعاني منها المندوبية العامة ويرجع أسبابها حسب التامك إلى التفاوت الحاصل بين التزايد المضطرد للساكنة السجنية والطاقة الاستيعابية المخصصة لإيواء، فضلا عن تواجد بعض المؤسسات السجنية ضمن دائرة قضائية استئنافية تستقبل يوميا أعدادا كبيرا من المعتقلين.

أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني عمر الشرقاوي، قال إنه “ليست هذه هي المرة الأولى التي ينتقد فيها المندوب العام لإدارة السجون الاكتظاظ الذي يحد من الجهود الحكومية لآنسنة السجون وينبه إلى تداعياته السلبية”، مسجلا أن محمد صالح التامك، ظل يدق جرس الانذار عند كل مناسبة لمناقشة الميزانية الفرعية لمندوبية السجون، فضلا عن إثارته بمناسبة تقديم خلال التقرير السنوي الأخير للمندوبية وأيضا خلال الذكرى العاشرة لتأسيس المندوبية.

تقييد سلطة القضاء

واستبعد الشرقاوي في تصريح لـ”مدار21″، أن تكون رسالة التامك بشأن تزايد أعداد الساكنة السجنية موجهة للضغط على القضاء، ورجح أن تكون السلطتين التشريعية والتنفيذية هما المعنتين بهذه الصرخة ذلك أن القاضي في نهاية المطاف ينفذ النصوص القانونية ولا يمكن أن تقع المسؤولية على عاتقه بهذا الخصوص طالما ظل منضبطا للشرعية القانونية، داعيا في المقابل إلى التسريع بإدخال التعديلات الضرورية في هذا الباب على القانون الجنائي مع التعجيل بتسريع مسطرة المصادقة على قانون العقوبات البديلة المحال على البرلمان.

ويرى أستاذ القانون الدستوري أن اشكال الاعتقال الاحتياطي الذي أثارته تقارير برلمانية وأكاديمية وحقوقية سابقة يرتبط بهامش السلطة التقديرية الممنوحة للقضاء من أجل اللجوء إليه، “وهو ما يعني أن الفرصة مواتية لتضييق هذه السلطة بمناسبة التعديلات المرتقبة على منظومة القانون الجنائي والمسطرة الجنائية”، مشددا على أنه لا يمكن تحميل القضاء وِزر الفرغ القانوني الموجود في عدد من النصوص التشريعية التي تعود إلى ستينيات القرن الماضي.

وأكد الشرقاوي أن الحكومة والبرلمان مطالبان بالتقاط رسالة التامك بمناسبة اقتراب إحالة مشروع القانون الجنائي على أنظار المؤسسة التشريعية عبر اعتماد تعديلات جديدة من شأنه تقييد سلطة القضاء في اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي وفق شروط محددة، لافتا إلى أن خروج القانون الجديد للعقوبات البديلة إلى حيز الوجود من شأنه يقلص إلى حد ما من اكتظاظ المؤسسات السجنية، لاسيما أن قرابة نصف الساكنة السجنية لديها أحكام تقل عن سنتين وأغلبهم معتلقة احتياطيا.

مخالفة الدستور

وجلبت دعوة محمد صالح التامك المندوب العام لإدارة السجون السلطات القضائية والإدارية إلى الإسراع لإيجاد حلول كفيلة بحل إشكالية الاكتظاظ في المؤسسات السجنية، غضب قضاة المغرب، واعتبر عبد الرزاق الجباري رئيس “نادي قضاة المغرب” أن توجيه هذه الدعوة من لدن إدارة حكومية تختص، حصرا، في تنفيذ الأحكام القضائية، فيه نوع من محاولة التأثير على قرارات الاعتقال التي قد يتخذها في المستقبل، وهذا مخالف للدستور والقانون والمعايير الدولية المتعلقة باستقلالية القضاء، وكذا الخطب الملكية السامية التي ما فتئت تحث على ضرورة احترام هذه الاستقلالية.

ويرى الجباري ضمن تصريح صحفي مكتوب توصل به “مدار21″، أن عوامل إشكالية الاعتقال الاحتياطي، ومسبباتها “متعددة مركبة”، ويرجع جلها إلى عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية وليس القضائية التي لا تعدو أن تكون مطبقة للقانون ليس إلا، لافتا إلى تأسيس السياسة الجنائية المختارة من لدن الحكومة على العقوبة السالبة للحرية وميلها إليها كحل سهلٍ لمواجهة الجريمة.

وسجل نادي قضاة المغرب ارتفاع نسبة الجريمة بكل أنواعها خصوصا الخطيرة منها داخل المجتمع بشكل ملفت للنظر جراء تراجع العديد من المؤسسات عن القيام بأدوارها في التهذيب والتربية، مضيفا ” مشددا على  ضرورة توفير الأمن للمواطنين أفرادا وجماعات، مع ملاحظة عدم مواكبة ذلك ببناء مؤسسات سجنية لإعادة تأهيل الجناة واستيعاب عددهم المتزايد”.

ونبه الجباري إلى ارتفاع حالات العود إلى ارتكاب الجريمة بشكل ملفت نتيجة فشل برامج إعادة التأهيل والإدماج، كما أن ذلك ناتج عن فشل السياسة العقابية التي تعتبر فيها العقوبة السالبة للحرية قطب رحاها.

وانتقد نادي القضاة تعثر ورش مراجعة مجموعة القانون الجنائي، والذي كان معولا عليه لرفع التجريم عن العديد من السلوكات  البسيطة، والتخفيف من حدة اللجوء التشريعي إلى العقوبة السالبة للحرية، فضلا عن تعثر ورش مراجعة قانون المسطرة الجنائية، والذي كان معولا عليه لإقرار العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدى، وكذا توسيع صلاحيات قاضي تطبيق العقوبة.

استقلال السلطة القضائية

من جانبها، رفضت رابطة قضاة المغرب، “رفضا مطلقا أي تدخل من شأنه المس باستقلال السلطة القضائية أو‎ ‎‫التأثير على قرارات قضاتها الملزمين فقط بالتطبيق السليم والعادل للقانون بما في ذلك تعليل قراراتهم‎ ‎‫ المرتبطة بالمتابعات في حالة اعتقال أو سراح‎”.

وعبرت رابطة قضاة المغرب عن ستغرابها لبلاغ المندوبية العامة لإدارة السجون‎ ‎‫ والذي تحمّل من خلاله السلطة القضائية‎ ‎‫سبب الاكتظاظ والتزايد المهول الذي تعرفه المؤسسات السجنية الناتج عن ارتفاع‎ ‎‫وتيرة الاعتقال

‎‫واعتبرت رابطة القضاة، أن المخاطب الوحيد للمندوبية‎ ‎‫العامة لإدارة السجون هي رئاسة الحكومة باعتبارها الوصية على هذا القطاع لدعوتها لتوفير الامكانيات  المادية واللوجيستيكية اللازمتين لحل‎ هذه المعضلة‎، معبرة عن رفضها “أي توجيه أو تدخل في الشأن القضائي والذي لم يغيب يوما توجهات‎ ‎‫الدولة في السياسات الجنائية واستراتيجية مكافحة الجريمة وإنزا ل العقاب وجعل الاعتقال استثناء‎ وليس أصلا”.

وسجلت “رابطة قضاة المغرب”، أن الرأي العام الذي خصته المندوبية العامة‎ ‎‫ بهذا البلاغ “هو نفسه الذي طالما نادى بمحاربة الجريمة وعدم التساهل مع المجرمين تحسبا من كل إفلات من العقاب وتحقيقا للردع العام والخاص، سيما وأن‎ ‎‫المغرب الذي أصبحت ساكنته تناهز 40 مليون نسمة عرف في السنوات‎ ‎‫الأخيرة تفاقما مضطردا للجريمة كما وكيفا”.

وبالمقابل، ثمنت رابطة قضاة المغرب المبادرة التشريعية المرتقبة لتعديل القانون الجنائي على مستوى إحداث ‎ ‎‫بدائل الاعتقال الاحتياطي والعقوبات السالبة للحرية مع العمل على التسريع بدخولها حيز التنفيذ، داعية المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج ال إطلاع على المجهودات‎ ‎‫التي يبدلها كل من المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئا سة النيابة العامة في مجال ترشيد الاعتقال‎ ‎‫وذلك من خلال الدوريات المتعددة وا لمتتالية الصادرة عن كلا الجهتين.‎

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News