رأي

ملف الصحراء: ما بين الاعتراف الإسرائيلي والرد الملكي

ملف الصحراء: ما بين الاعتراف الإسرائيلي والرد الملكي

صدور قرار الحكومة الإسرائيلية القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء، فتح قنصلية إسرائيلية بالداخلة مع ترجمة هذا القرار بإجراءات دبلوماسية سواء مع الأمم المتحدة أو مهرباني الدول من خلال إشعارهم بهذا الموقف السياسي الجديد، هو قرار بالإجراءات التي تم الإعلان عنها يكون قد انضاف لسلسلة الديناميات المتعددة السياسية والدبلوماسية التي توجت بتحقيق مكاسب هامة لصالح القضية الوطنية وللرؤية المغربية لحل هذا الملف الذي طال أمده.

اسرائيل رغم كل المشاكل السياسية التي تعيشها المرتبطة بالإجراءات التي أعلنتها حكومة نتانياهو إلا أن كل  ذلك لم يعمل  على التأثير في صدور هذا القرار السياسي-الدبلوماسي، فكان هذا الموقف الهام الذي ينهي مع التردد الذي طبع  سابقًا موقف إسرائيل من الوحدة الترابية المغربية، و تم حسم  الجدل لصالح الانتصار للوحدة الترابية المغربية  بفعل الحوار السياسي و المسار الثنائي الذي شهده  المغرب و اسرائيل هو بالتأكيد مسار  كان خارج الإعلان الثلاثي الذي تم توقيعه بين المغرب و إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2020،  ما سينعكس إيجابا على العلاقات المغربية الإسرائيلية الثنائية  التي شهدت تطورًا لافتًا منذ افتتاح مكتب الاتصال الإسرائيلي فكانت الجوانب الامنية و العسكرية مفتاح هذه العلاقة الجديدة التي يُنتظر أن تنعكس إيجابًا على الاستثمارات الاقتصادية بين البلدين خاصة مع ما تتيحه الصحراء من إمكانيات بشرية و طبيعية للاستثمار الأجنبي التي تغري رجال الأعمال الأجانب بمن فيهم الإسرائيليين للقدوم للمنطقة للاستثمار في مجالات الصيد البحري، الطاقة، الفلاحة… و هي كلها مؤهلات توفرها المنطقة بفضل ما قام به المغرب من نهضة بالصحراء على مستوى بنيتها التحتية التي أصبحت جد قوية، كذا على مستوى المؤسسات المحلية الديموقراطية، ثم  ما تم انشائه من مشاريع مغربية ذات بعد استراتيجي على رأسها ميناء الداخلة، و اعادة هيكلة منطقة بئر كندوز الحدودية مع موريتانيا، كل ذلك مرتبط بعامل اساسي هو العامل الأمني و الاستقرار الذي يوفره المغرب للمنطقة ككل، و وفرته العملية الأمنية التي قام بها الجيش المغربي بالنقطة الحدودية الفاصلة مع موريتانيا التي استطاعت من خلالها تأمين عبور المسافرين و الحافلات و المركبات التجارية التي تشق طريقها نحو افريقيا او من افريقيا نحو اوروبا.

القرار الاسرائيلي لن يكون قرارًا عابرًا بل سيكون له انعكاسه الإيجابي على مستوى العلاقة الثنائية بين البلدين، هذا الانعكاس الإيجابي على العلاقة بينهما سيجعل المغرب قادرًا على لعب كامل أدواره فيما يتعلق بالسلام بالشرق الأوسط بين الجانب الفلسطيني و الاسرائيلي، و هو دور لعبه المغفور له الحسن الثاني و استمر في لعبه العاهل المغربي الذي قواه بالمبادرات التي اتخذها سواء داخل الجانب الفلسطيني أو الاسرائيلي باعتباره ملكا راعيًا للسلام، و قائدا للحوار بين الأديان و الثقافات، ثم بصفته رئيسا للجنة القدس و هي اللجنة التي قامت بمبادرات كثيرة اتجاه الشعب الفلسطيني عموما و اتجاه القدس خصوصا، كذا بسلطته الرمزية الدينية كأميراً للمؤمنين التي يقوم  باستعمالها لحماية المقدسات الدينية سواء المسيحية منها أو الاسلامية كما قام جده المغفور له محمد الخامس بحماية اليهود من الاضطهاد النازي.

لذلك فالقرار الاسرائيلي سيكون مفيدًا لإسرائيل لأنه سيمنح ثقة أكبر للعلاقة بينها و بين المغرب مما سيؤدي الى بعث عملية السلام الجامدة بالشرق الأوسط لغياب الثقة بين أطراف الصراع، بحيث ستدفع  الخطوة الاسرائيلية و نظرًا لانعكاسها الايجابي على العلاقة بين المغرب و إسرائيل، كذا للثقة التي يحظى بها المغرب  داخل الجانب الفلسطيني الى  أن يلعب أدوارًا جديدة على مستوى العملية السلمية، على  رأسها أن يُحول الرباط الى أرض للسلام تكون قادرة على احتضان الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين تحت الرعاية الملكية، خاصة أن للمغرب  سوابق في هذا المجال  من خلال احتضانه للحوار الليبي/الليبي الذي توج بإعلان الصخيرات الذي تبنته الأمم المتحدة.

لقد كانت الرسالة الملكية التي رد فيها على قرار حكومة نتانياهو أكبر من رسالة شكر لدولة اتخذت قرار الاعتراف بمغربية الصحراء، بل هي رسالة تأكيد أولاً على أن العاهل المغربي الذي يقود الدبلوماسية و السياسة الخارجية استطاع من خلال الاستراتيجية التي وضعها كمحدد لهذه السياسة التي يقودها و تنفذها مختلف المؤسسات ووزارة الخارجية استطاع بفضلها أن يخلق دينامية كبيرة على مستوى هذا الملف لقد انتقل المغرب من مستوى تبني الأمم المتحدة لحل متوافق بشأنه الى تبنيه للمعايير السياسية لمبادرة الحكم الذاتي، كما انطلق المغرب في سلسلة افتتاح قنصليات لدول افريقية و عربية ولاتينية بالصحراء، و وصلت عدد الدول الأوروبية التي تعترف بمبادرة المغرب لحل النزاع باعتبارها الحل الوحيد لطيه إلى أكثر من 15 دولة أوروبية دون نسيان الدول التي تدعم الحل على قاعدة قرارات مجلس الأمن، دون نسيان  الإجماع العربي الكلي الداعم للسيادة الكاملة لمغربية الصحراء،  ثم أهم قرار تم اتخاذه في مسار الملف  هو قرار الاعتراف الامريكي بمغربية الصحراء ..وصولًا لهذا الموقف الاسرائيلي الجديد…مما سيعزز من  الدينامية التي يقودها الملك، التي أثبتت نجاعتها بفضل وضوحها، جرأتها و بفضل تلاحم مختلف القوى الحية على الاستراتيجية الملكية في معالجة هذا الملف و باقي الملفات ذات الارتباط بالقضايا الإستراتيجية للمغرب.

لذلك فالرسالة الملكية التي رد فيها على قرار حكومة نتانياهو هي ليست مجرد رسالة شكر، بقدر ما هي تعبير عن كل هذا التطور الدبلوماسي المغربي، ولنموذج في ادارة الحوار السياسي الثنائي قد يكون رسالة لكل الدول التي مازالت مترددة في موقفها اتجاه المغرب ووحدته الترابية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News